تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَوٰٓاْ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (278)

وخاطبهم بالإيمان ، ونهاهم عن أكل الربا إن كانوا مؤمنين ، وهؤلاء هم الذين يقبلون موعظة ربهم وينقادون لأمره ، وأمرهم أن يتقوه ، ومن جملة تقواه أن يذروا ما بقي من الربا أي : المعاملات الحاضرة الموجودة ، وأما ما سلف ، فمن اتعظ عفا الله عنه ما سلف ، وأما من لم ينزجر بموعظة الله ولم يقبل نصيحته فإنه مشاق لربه محارب له ، وهو عاجز ضعيف ليس له يدان في محاربة العزيز الحكيم الذي يمهل للظالم ولا يهمله حتى إذا أخذه ، أخذه أخذ عزيز مقتدر .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَوٰٓاْ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (278)

275

وفي ظل هذا الرخاء الآمن الذي يعد الله به الجماعة المسلمة ، التي تنبذ الربا من حياتها ، فتنبذ الكفر والإثم ، وتقيم هذه الحياة على الإيمان والعمل الصالح والعبادة والزكاة . . في ظل هذا الرخاء الأمن يهتف بالذين آمنوا الهتاف الأخير ليحولوا حياتهم عن النظام الربوي الدنس المقيت ؛ وإلا فهي الحرب المعلنة من الله ورسوله ، بلا هوادة ولا إمهال ولا تأخير :

( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ، وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين . فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله . وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون )

إن النص يعلق إيمان الذين آمنوا على ترك ما بقي من الربا . فهم ليسوا بمؤمنين إلا أن يتقوا الله ويذروا ما بقي من الربا . ليسوا بمؤمنين ولو اعلنوا أنهم مؤمنون . فإنه لا إيمان بغير طاعة وانقياد واتباع لما أمر الله به . والنص القرآني لا يدعهم في شبهة من الأمر . ولا يدع إنسانا يتستر وراء كلمة الإيمان ، بينما هو لا يطيع ولا يرتضي ما شرع الله ، ولا ينفذه في حياته ، ولا يحكمه في معاملاته . فالذين يفرقون في الدين بين الاعتقاد والمعاملات ليسوا بمؤمنين . مهما ادعوا الإيمان وأعلنوا بلسانهم أو حتى بشعائر العبادة الأخرى أنهم مؤمنون !

( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا . . إن كنتم مؤمنين ) . .

لقد ترك لهم ما سلف من الربا - لم يقرر استرداده منهم ، ولا مصادرة أموالهم كلها أو جزء منها بسبب أن الربا كان داخلا فيها . . إذ لا تحريم بغير نص . . ولا حكم بغير تشريع . . والتشريع ينفذ وينشىء آثاره بعد صدوره . . فأما الذي سلف فأمره إلى الله لا إلى أحكام القانون . وبذلك تجنب الإسلام أحداث هزة اقتصادية واجتماعية ضخمة لو جعل لتشريعه أثرا رجعيا . وهو المبدأ الذي أخذ به التشريع الحديث حديثا ! ذلك أن التشريع الإسلامي موضوع ليواجه حياة البشر الواقعية ، ويسيرها ، ويطهرها ، ويطلقها تنمو وترتفع معا . . وفي الوقت ذاته علق اعتبارهم مؤمنين على قبولهم لهذا التشريع وإنفاذه في حياتهم منذ نزوله وعلمهم به . واستجاش في قلوبهم - مع هذا - شعور التقوى لله . وهو الشعور الذي ينوط به الإسلام تنفيذ شرائعه ، ويجعله الضمان الكامن في ذات الأنفس ، فوق الضمانات المكفولة بالتشريع ذاته . فيكون له من ضمانات التنفيذ ما ليس للشرائع الوضعية التي لا تستند إلا للرقابة الخارجية ! وما أيسر الاحتيال على الرقابة الخارجية ، حين لا يقوم من الضمير حارس له من تقوى الله سلطان .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَوٰٓاْ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (278)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرّبَا إِن كُنْتُمْ مّؤْمِنِينَ }

يعني جل ثناؤه بذلك : يا أيها الذين آمنوا صدّقوا بالله وبرسوله ، اتقوا الله ، يقول : خافوا الله على أنفسكم فاتقوه بطاعته فيما أمركم به ، والانتهاء عما نهاكم عنه ، وذروا ، يعني ودعوا ما بقي من الربا ، يقول : اتركوا طلب ما بقي لكم من فضل على رءوس أموالكم التي كانت لكم قبل أن تربوا عليها إن كنتم مؤمنين ، يقول : إن كنتم محققين إيمانكم قولاً ، وتصديقكم بألسنتكم بأفعالكم . وذكر أن هذه الآية نزلت في قوم أسلموا ، ولهم على قوم أموال من ربا كانوا أربوه عليهم ، فكانوا قد قبضوا بعضه منهم ، وبقي بعض ، فعفا الله جل ثناؤه لهم عما كانوا قد قبضوه قبل نزول هذه الآية ، وحرّم عليهم اقتضاء ما بقي منه .

ذكر من قال ذلك :

حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : { يا أيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرّبا } إلى : { وَلا تُظْلَمُونَ } قال : نزلت هذه الآية في العباس بن عبد المطلب ورجل من بني المغيرة كانا شريكين في الجاهلية ، سلفا في الربا إلى أناس من ثقيف من بني عمرو ، وهم بنو عمرو بن عمير ، فجاء الإسلام ولهما أموال عظيمة في الربا ، فأنزل الله { ذَرُوا ما بَقِيَ } من فضل كان في الجاهلية { مِنَ الرّبا } .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج قوله : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرّبا إِنْ كُنْتُمْ مُوءْمِنِينَ } قال : كانت ثقيف قد صالحت النبيّ صلى الله عليه وسلم على أن ما لهم من ربا على الناس ، وماكان للناس عليهم من ربا فهو موضوع . فلما كان الفتح ، استعمل عتاب بن أسيد على مكة ، وكانت بنو عمرو بن عمير بن عوف يأخذون الربا من بني المغيرة وكانت بنو المغيرة يربون لهم في الجاهلية ، فجاء الإسلام ولهم عليهم مال كثير . فأتاهم بنو عمرو يطلبون رباهم ، فأبى بنو المغيرة أن يعطوهم في الإسلام ، ورفعوا ذلك إلى عتاب بن أسيد ، فكتب عتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت : { يا أيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرّبا إِنْ كُنْتُمْ مُوءْمِنِينَ فانْ لَمْ تَفْعَلُوا فأَذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ } إلى : { وَلا تُظْلِمُونَ } ، فكتب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عتاب وقال : «إِنْ رَضُوا وَإِلاّ فَآذِنْهُمْ بِحَرْبٍ » . قال ابن جريج ، عن عكرمة قوله : { اتّقُوا اللّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرّبا } . قال : كانوا يأخذون الربا على بني المغيرة يزعمون أنهم مسعود وعبد ياليل وحبيب وربيعة بنو عمرو بن عمير ، فهم الذين كان لهم الربا على بني المغيرة ، فأسلم عبد ياليل وحبيب وربيعة وهلال ومسعود .

حدثني يحيى بن أبي طالب ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا جويبر ، عن الضحاك في قوله : { اتّقُوا اللّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤمِنِينَ } قال : كان ربا يتبايعون به في الجاهلية ، فلما أسلموا أمروا أن يأخذوا رءوس أموالهم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَوٰٓاْ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (278)

{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا } واتركوا بقايا ما شرطتم على الناس من الربا . { إن كنتم مؤمنين } بقلوبكم فإن دليله امتثال ما أمرتم به . روي : أنه كان لثقيف مال على بعض قريش ، فطالبوهم عند المحل بالمال والربا . فنزلت .