ولهذا ذكرهم الله بقوله : { أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا } أي : فهو على كل شيء قدير إن شاء أنزل عليكم عذابا من أسفل منكم بالخسف أو من فوقكم بالحاصب وهو العذاب الذي يحصبهم فيصبحوا هالكين ، فلا تظنوا أن الهلاك لا يكون إلا في البحر .
وإن ظننتم ذلك فأنتم آمنون{[476]} من { أَنْ يُعِيدَكُمْ } في البحر { تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ } أي : ريحا شديدة جدا تقصف ما أتت عليه .
وهنا يستجيش السياق وجدان المخاطبين بتصوير الخطر الذي تركوه في البحر وهو يلاحقهم في البر أو وهم يعودون إليه في البحر ، ليشعروا أن الأمن والقرار لا يكونان إلا في جوار الله وحماه ، لا في البحر ولا في البر ؛ لا في الموجة الرخية والريح المواتية ولا في الملجأ الحصين والمنزل المريح :
( أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا ، ثم لا تجدوا لكم وكيلا ? أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى ، فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغرقكم بما كفرتم ، ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا ? ) .
إن البشر في قبضة الله في كل لحظة وفي كل بقعة . إنهم في قبضته في البر كما هم في قبضته في البحر . فكيف يأمنون ? كيف يأمنون أن يخسف بهم جانب البر بزلزال أو بركان ، أو بغيرهما من الأسباب المسخرة لقدرة الله ? أو يرسل عليهم عاصفة بركانية تقذفهم بالحمم والماء والطين والأحجار ، فتهلكهم دون أن يجدوا لهم من دون الله وكيلا يحميهم ويدفع عنهم ?
القول في تأويل قوله تعالى : { أَفَأَمِنْتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ثُمّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً } .
يقول تعالى ذكره : أَفَأمنْتِم أيها الناس من ربكم ، وقد كفرتم نعمته بتنجيته إياكم من هول ما كنتم فيه في البحر ، وعظيم ما كنتم قد أشرفتم عليه من الهلاك ، فلما نجاكم وصرتم إلى البرّ كفرتم ، وأشركتم في عبادته غيره أنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ البَرّ يعني ناحية البرّ أوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِبا يقول : أو يمطركم حجارة من السماء تقتلكم ، كما فعل بقوم لوط ثُمّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكيلاً يقول : ثم لا تجدوا لكم ما يقوم بالمدافعة عنكم من عذابه وما يمنعكم منه . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : أفأمِنْتُمْ أن يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ البَرّ أوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِبا يقول : حجارة من السماء ثُمّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً : أي منعة ولا ناصرا .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، في قوله : أفأمِنْتُمْ أنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ البَرّ أوْ يُرْسلَ عَلَيْكُمْ حاصِبا قال : مطر الحجارة إذا خرجتم من البحر .
وكان بعض أهل العربية يوجه تأويل قوله أوْ يُرْسلَ عَلَيْكُمْ حاصِبا إلى : أو يرسل عليكم ريحا عاصفا تحصب ، ويستشهد لقوله ذلك بقول الشاعر :
مُسْتَقْبِلينَ شَمالَ الشّامِ تَضْرِبُنا *** بِحاصِبٍ كَنَدِيفِ القُطْنِ مَنْثُورِ
وأصل الحاصب : الريح تحصب بالحصباء الأرض فيها الرمل والحصى الصغار . يقال في الكلام : حصب فلان فلانا : إذا رماه بالحصباء . وإنما وُصفت الريح بأنها تحصب لرميها الناس بذلك ، كما قال الأخطل :
ولَقَدْ عَلمْتُ إذَا العِشارُ تَرَوّحَتْ *** هُدْجَ الرّئالِ تَكبّهُنّ شَمالاً
تَرْمي العضاَهُ بِحاصِبٍ مِنْ ثَلْجها *** حتى يَبِيتَ عَلى العِضَاهِ جِفالا
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.