( لا أقسم بيوم القيامة ، ولا أقسم بالنفس اللوامة ) . . على وقوع هذه القيامة ، ولكنه لما عدل عن القسم ، عدل عن ذكر المقسم به ، وجاء به في صورة أخرى كأنها ابتداء لحديث بعد التنبيه إليه بهذا المطلع الموقظ :
أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه ? بلى قادرين على أن نسوي بنانه . .
وقد كانت المشكلة الشعورية عند المشركين هي صعوبة تصورهم لجمع العظام البالية ، الذاهبة في التراب ، المتفرقة في الثرى ، لإعادة بعث الإنسان حيا ! ولعلها لا تزال كذلك في بعض النفوس إلى يومنا هذا !
وقوله : أيَحْسَبُ الإنْسانُ أَلّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ يقول تعالى ذكره : أيظنّ ابن آدم أن لن نقدر على جمع عظامه بعد تفرّقها ، بلى قادرين على أعظم من ذلك ، أن نسويَ بنانه ، وهي أصابع يديه ورجليه ، فنجعلها شيئا واحدا كخفّ البعير ، أو حافر الحمار ، فكان لا يأخذ ما يأكل إلا بفيه كسائر البهائم ، ولكنه فرق أصابع يديه يأخذ بها ، ويتناول ويقبض إذا شاء ويبسط ، فحسن خلقه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن أبي الخير بن تميم ، عن سعيد بن جُبير ، قال : قال لي ابن عباس : سل ، فقلت : أيَحْسَبُ الإنْسانُ أَلّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ بَلى قادِرِينَ على أنْ نُسَوّيَ بَنانَهُ قال : لو شاء لجعله خفا أو حافرا .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله بَلى قادِرِينَ على أنْ نُسَوّيَ بَنانَهُ قال : أنا قادر على أن أجعل كفه مجمّرة مثل خفّ البعير .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن عطية ، عن إسرائيل ، عن مغيرة ، عمن حدثه ، عن سعيد بن جُبير عن ابن عباس بَلى قادِرِينَ على أنْ نُسَوّيَ بَنانَهُ قال : نجعله خفا أو حافرا .
قال : ثنا وكيع ، عن النضر ، عن عكرِمة على أنْ نُسَوّيَ بَنانَهُ قال : على أن نجعله مثل خُفّ البعير ، أو حافر الحمار .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله : بَلى قادِرِينَ على أنْ نُسَوّيَ بَنانَهُ قال : جعلها يدا ، وجعلها أصابع يقبضهنّ ويبسطهنّ ، ولو شاء لجمعهنّ ، فاتقيت الأرض بفيك ، ولكن سوّاك خلقا حسنا . قال أبو رجاء : وسُئل عكرِمة فقال : لو شاء لجعلها كخفّ البعير .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : على أنْ نُسَوّيَ بَنانَهُ رجليه ، قال : كخفّ البعير فلا يعمل بهما شيئا .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : بَلى قادِرِينَ على أنْ نُسَوّيَ بَنانَهُ قادر والله على أن يجعل بنانه كحافر الدابة ، أو كخفّ البعير ، ولو شاء لجعله كذلك ، فإنما ينقي طعامه بفيه .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله على أنْ نُسَوّيَ بَنانَهُ قال : لو شاء جعل بنانه مثل خفّ البعير ، أو حافر الدابة .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله على أنْ نُسَوّيَ بَنانَهُ قال : البنان : الأصابع ، يقول : نحن قادرون على أن نجعل بنانه مثل خفّ البعير .
واختلف أهل العربية في وجه نصب قادِرِينَ فقال بعضهم : نصب لأنه واقع موقع نفعل ، فلما ردّ إلى فاعل نصب ، وقالوا : معنى الكلام : أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه بل نقدر على أن نسوّي بنانه ثم صرف نقدر إلى قادرين . وكان بعض نحويي الكوفة يقول : نصب على الخروج من نجمع ، كأنه قيل في الكلام : أيحسب أن لن نقوَى عليه ؟ بل قادرين على أقوى منك . يريد : بلى نقوى مقتدرين على أكثر من ذا . وقال : قول الناس بل نقدر ، فلما صرفت إلى قادرين نصبت خطأ ، لأن الفعل لا ينصب بتحويله من يفعل إلى فاعل . ألا ترى أنك تقول : أتقوم إلينا ، فإن حوّلتها إلى فاعل قلت : أقائم ، وكان خطأ أن تقول قائما قال : وقد كانوا يحتجون بقول الفرزدق :
عَلَى قَسَمٍ لا أشْتُمُ الدّهْرَ مُسْلِما *** وَلا خارِجا مِنْ فِيّ زُورُ كَلام
فقالوا : إنما أراد : لا أشتم ولا يخرج ، فلما صرفها إلى خارج نصبها ، وإنما نصب لأنه أراد : عاهدت ربي لاشاتما أحدا ، ولا خارجا من فيّ زور كلام وقوله : لا أشتم ، في موضع نصب . وكان بعض نحويي البصرة يقول : نصب على نجمع : أي بل نجمعها قادرين على أن نسوّي بنانه ، وهذا القول الثاني أشبه بالصحة على مذهب أهل العربية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.