{ 53 - 55 } { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ * يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }
يخبر تعالى عن جهل المكذبين للرسول وما جاء به ، وأنهم يقولون -استعجالا للعذاب ، وزيادة تكذيب- { مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } ؟
يقول تعالى : { وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى } مضروب لنزوله ، ولم يأت بعد ، { لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ } بسبب تعجيزهم لنا وتكذيبهم الحق ، فلو آخذناهم بجهلهم ، لكان كلامهم أسرع لبلائهم وعقوبتهم ، ولكن -مع ذلك- فلا يستبطئون{[2]} نزوله ، فإنه سيأتيهم { بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ }
فوقع كما أخبر اللّه تعالى ، لما قدموا ل " بدر " بطرين مفاخرين ، ظانين
أنهم قادرون على مقصودهم ، فأهانهم{[3]} اللّه ، وقتل كبارهم ، واستوعب جملة أشرارهم ، ولم يبق فيهم بيت إلا أصابته تلك المصيبة ، فأتاهم العذاب من حيث لم يحتسبوا ، ونزل بهم وهم لا يشعرون .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلاَ أَجَلٌ مّسَمّى لّجَآءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } .
يقول تعالى ذكره : ويستعجلك يا محمد هؤلاء القائلون من قومك : لولا أنزل عليه آية من ربه بالعذاب ، ويقولون : اللّهُمّ إنْ كانَ هَذا هُوَ الحَقّ مِنْ عِنْدِكَ ، فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السّماءِ ولولا أجل سميته لهم فلا أهلكهم حتى يستوفوه ويبلغوه ، لجاءهم العذاب عاجلاً . وقوله : وَلَيَأْتِيَنّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ يقول : وليأتينهم العذاب فجأة وهم لا يشعرون بوقت مجيئه قبل مجيئه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالعَذَابِ قال : قال ناس من جهلة هذه الأمة اللّهُمّ إنْ كانَ هَذَا هُوَ الحَقّ مِنْ عِنْدِكَ ، فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السّماءِ أوِ ائْتِنا بِعَذَابٍ ألِيمٍ . . . الاَية .
قوله { ويستعجلونك بالعذاب } يراد به كفار قريش في قولهم ائتنا بما تعدنا{[9268]} ، وغير ذلك من استدعائهم على جهة التعجيز والتكذيب عذاب الله الذي يتوعدهم محمد صلى الله عليه وسلم به ، ثم أخبر تعالى أنه يأتيهم { بغتة } أي فجأة وهذا هو عذاب الدنيا وهو الذي ظهر يوم بدر في السنين السبع .
ثم ذكر تعالى أن تأخره إنما هو حسب الأجل المقدور السابق ، وقال المفسرون عن الضحاك : أن «الأجل المسمى » في هذه الآية الآجال . .
قال الفقيه الإمام القاضي : وهذا ضعيف يرده النظر ، والآجال لا محالة { أجل مسمى } ولكن ليس هذا موضعها .
عطف على جملة : { وقالوا لولا أنزل عليه ءايات من ربّه } [ العنكبوت : 50 ] استقصاء في الرد على شبهاتهم وإبطالاً لتَعِلاَّت إعراضهم الناشىء عن المكابرة ، وهم يخيلون أنهم إنما أعرضوا لعدم اقتناعهم بآية صدق الرسول صلى الله عليه وسلم .
ومناسبة وقوعه هذا أنه لما ذكر كفرهم بالله وكان النبي عليه الصلاة والسلام ينذرهم على ذلك بالعذاب وكانوا يستعجلونه به ذكر توركهم عليه عقب ذكر الكفر . واستعجال العذاب : طلب تعجيله وهو العذاب الذي تُوعدوا به . وقصدهم من ذلك الاستخفاف بالوعيد . وتقدم الكلام على تركيب : { يستعجلونك بالعذاب } في قوله تعالى : { ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير } في سورة [ يونس : 11 ]
قوله : { ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة في سورة } [ الرعد : 6 ] . والتعريف في ( العذاب ) تعريف الجنس . وحُكي استعجالهم العذاب بصيغة المضارع لاستحضار حال استعجالهم لإفادة التعجيب منها كما في قوله تعالى : { يجادلنا في قوم لوط } [ هود : 74 ] .
وقد أبطل ما قصدوه بقوله : { ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب } وذلك أن حلول العذاب ليس بيد الرسول عليه الصلاة والسلام ، ولا جارياً على طلبهم واستبطائهم فإن الله هو المقدر لوقت حلوله بهم في أجل قدره بعلمه .
والمسمَّى أريد به المعيّن المحدود أي في علم الله تعالى . وقد تقدم عند قوله تعالى : { ونقرّ في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمّى } في سورة [ الحج : 5 ] .
والمعنى : لولا الأجل المعين لحلول العذاب بهم لجاءهم العذاب عاجلاً لأن كفرهم يستحق تعجيل عقابهم ولكن أراد الله تأخيره لحِكَم عَلِمَها ، منها إمهالهم ليؤمن منهم من آمن بعد الوعيد ، وليعلموا أن الله لا يستفزه استعجالهم العذاب لأنه حكيم لا يخالف ما قدره بحكمته ، حليم يمهل عباده . فالمعنى : لولا أجل مسمى لجاءهم العذاب في وقت طلبهم تعجيله ، ثم أنذرهم بأنه آتيهم بغتة وأن إتيانه محقق لما دل عليه لام القسم ونون التوكيد وذلك عند حلول الأجل المقدّر له . وقد حل بهم عذاب يوم بدر بغتة كما قال تعالى : { ولو تَوَاعَدْتم لاختلفتم في الميعاد } [ الأنفال : 42 ] فاستأصل صناديدهم يومئذ وسُقط في أيديهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.