تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَيَسۡتَعۡجِلُونَكَ بِٱلۡعَذَابِ وَلَوۡلَآ أَجَلٞ مُّسَمّٗى لَّجَآءَهُمُ ٱلۡعَذَابُۚ وَلَيَأۡتِيَنَّهُم بَغۡتَةٗ وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (53)

الآية 53 وقوله تعالى : { ويستعجلونك بالعذاب } كان استعجالهم وسؤالهم الآيات على علم منهم أنه لا ينزل ، ولا تأتيهم ، يخرج مخرج الاستهزاء بالرسل والتمويه والتلبيس على الأتباع والضعفاء لأنهم يعلمون أن الله لا يعذب ، ولا يهلك هذه الأمة إهلاك استئصال وانتقام كما أهلك الأمم المتقدمة بالعناد والاستهزاء بالرسل ، إذ قد أمهلهم إلى وقت .

فإن علموا ذلك من الإهمال والتأخير سألوا الرسول العذاب الذي أوعدهم والآيات القاهرة ، ووعدوا الإيمان لو جاءهم ، وأقسموا على ذلك بقوله : { وأقسموا بالله جهد أيمانهم } الآية [ الأنعام : 109 ] تمويها وتلبيسا على أتباعهم وضعفائهم ، يرونهم أنهم على حق في الإيمان فيما يدعوهم الرسول ، وأنه لو أتى بآية وحجة يؤمنون به ، ويتبعونه ، وهم في ما يسألون من الآيات والعذاب عالمون أنهم معاندون كذبة مترددون ملبسون مموهون على الأتباع والسفلة لما ذكرنا ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة } الآية . فإن قال لنا ملحد : أنه حين( {[15834]} ) أخر عنهم العذاب ، وأمهلهم ، وعلم منهم أنهم يستعجلون ، أو لم يعلم ذلك .

فإن قلت : على غير علم منهم فقد أثبت الجهل له ، وإن قلت : على علم منه ذلك فكيف أمهل ذلك ، وقد علم ما يكون منهم ؟

قيل : إمهاله العذاب عنهم ، وضرب الأجل رحمة منه لهم وفضل ؛ كأنه قال : ولولا رحمته التي جعل لهم على نفسه لجاءهم العذاب كما جاء الأمم الخالية عند سؤالهم الرسل العذاب والآيات بالعناد والاستهزاء ، وهو كقوله : { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } [ الأنبياء : 107 ] [ حين لم يستأصلهم كما استأصل أولئك ] ( {[15835]} ) .


[15834]:في الأصل وم: حيث.
[15835]:في الأصل: حيث لم يستأصل إليك، في م: حيث لم يستأصلهم كما استأصل إليك.