إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَيَسۡتَعۡجِلُونَكَ بِٱلۡعَذَابِ وَلَوۡلَآ أَجَلٞ مُّسَمّٗى لَّجَآءَهُمُ ٱلۡعَذَابُۚ وَلَيَأۡتِيَنَّهُم بَغۡتَةٗ وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (53)

{ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب } على طريقةِ الاستهزاءِ بقولِهم : { متى هذا الوعد } [ سورة يونس ، الآية48 ] وقولِهم : { فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ السماء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ } [ سورة الأنفال ، الآية32 ] ونحوِ ذلكَ { وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى } قد ضربَهُ الله تعالى لعذابِهم وبيَّنه في اللَّوحِ { لجَاءهُمُ العذاب } المعيَّنُ لهم حسبَما استعجلُوا له . قيل : المرادُ بالأجلِ يومُ القيامةِ لما رُوي أنَّه تعالى وعدَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أنْ لا يُعذِّبَ قومَه بعذابِ الاستئصال وأنْ يؤخِّر عذابَهم إلى يومِ القيامةِ ، وقيل : يومُ بدرٍ وقيل : وقتُ فنائِهم بآجالِهم وفيه بُعدٌ ظاهرٌ لِمَا أنَّهم ما كانُوا يُوعدون بفنائِهم الطبيعيِّ ولا كانُوا يستعجلونَ به { وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ } جملةٌ مستأنفةٌ مبنيَّةٌ لما أُشير إليهِ في الجُملةِ السَّابقةِ من مجيءِ العذابِ عند محلِّ الأجلِ أي وبالله ليأتينَّهم العذابُ الذي عُيِّن لهم عند حُلولِ الأجلِ { بَغْتَةً } أي فجأةً { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } أي بإتيانِه ، ولعلَّ المرادَ بإتيانِه كذلك أنَّه لا يؤتيهم بطريقِ التَّعجيلِ عند استعجالِهم والإجابةِ إلى مسؤولِهم فإنَّ ذلك إتيانٌ برأيهم وشعورِهم لا أنَّه يأتيهم وهم غارُّون آمِنُون لا يخطرونَه بالبالِ كدأبِ بعضِ العُقوباتِ النازلةِ على بعضِ الأممِ بياتاً وهم نائمونَ أو ضُحى وهم يلعبُون لما أنَّ إتيانَ عذابِ الآخرةِ وعذابِ يومِ بدرٍ ليس من هذا القبيلِ .