تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَن يَنفَعَكُمُ ٱلۡيَوۡمَ إِذ ظَّلَمۡتُمۡ أَنَّكُمۡ فِي ٱلۡعَذَابِ مُشۡتَرِكُونَ} (39)

كما في قوله تعالى : { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا }

وقوله تعالى : { وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } أي : ولا ينفعكم يوم القيامة اشتراككم في العذاب ، أنتم وقرناؤكم وأخلاؤكم ، وذلك لأنكم اشتركتم في الظلم ، فاشتركتم في عقابه وعذابه .

ولن ينفعكم أيضا ، روح التسلي في المصيبة ، فإن المصيبة إذا وقعت في الدنيا ، واشترك فيها المعاقبون ، هان عليهم بعض الهون ، وتسلَّى بعضهم ببعض ، وأما مصيبة الآخرة ، فإنها جمعت كل عقاب ، ما فيه أدنى راحة ، حتى ولا هذه الراحة . نسألك يا ربنا العافية ، وأن تريحنا برحمتك .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَن يَنفَعَكُمُ ٱلۡيَوۡمَ إِذ ظَّلَمۡتُمۡ أَنَّكُمۡ فِي ٱلۡعَذَابِ مُشۡتَرِكُونَ} (39)

وقوله : وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ اليَوْمَ أيها العاشون عن ذكر الله في الدنيا إذْ ظَلَمْتُمْ أنّكُمْ فِي العَذَابِ مُشْترِكُونَ يقول : لن يخفف عنكم اليوم من عذاب الله اشتراككم فيه ، لأن لكل واحد منكم نصيبه منه ، و«أنّ » من قوله أنّكُمْ في موضع رفع لما ذكرت أن معناه : لن ينفعكم اشتراككم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَن يَنفَعَكُمُ ٱلۡيَوۡمَ إِذ ظَّلَمۡتُمۡ أَنَّكُمۡ فِي ٱلۡعَذَابِ مُشۡتَرِكُونَ} (39)

وقوله تعالى : { ولن ينفعكم اليوم } الآية حكاية عن مقالة تقال لهم يوم القيامة ، وهي مقالة موحشة حرمتهم روح التأسي ، لأنه يوقفهم بها على أنهم لا ينفعهم التأسي ، وذلك لعظم المصيبة وطول العذاب واستمرار مدته ، إذ التأسي راحة كل شيء في الدنيا في الأغلب ، ألا ترى إلى قول الخنساء : [ الوافر ]

ولولا كثرة الباكين حولي . . . على إخوانهم لقتلت نفسي

وما يبكون مثل أخي ولكن . . . أعزي النفس عنه بالتأسي{[10211]}

فهذا التأسي قد كفاها مؤونة قتل النفس ، فنفى الله تعالى عنهم الانتفاع بالتأسي ، وفي ذلك تعذيب لهم ويأس من كل خير ، وفاعل قوله : { ينفعكم } الاشتراك .

وقرأ جمهور القراء : «أنكم » بفتح الألف . وقرأ ابن عامر وحده : «إنكم » بكسر الألف ، وقد يجوز أن يكون الفاعل { ينفعكم } التبري الذي يدل عليه قوله : { يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين } وعلى هذا يكون «أنكم » في موضع نصب على المفعول من أجله ، وتخرج الآية على معنى نفي الأسوة .


[10211]:هذان البيتان من قصيدة تعد من محاسن شعر الخنساء، وقد قالتها ترثي أخاها صخرا، ومطلعها: يؤرقني التذكر حين أمسي فأصبح قد بليت بِفرط نكس والبيتان غير متوالين، بل بينهما بيتان آخران حذفهما ابن عطية ليصل إلى موضع الاستشهاد، ومعنى أعزي: أصبر وأسلي، والتأسي: التصبر، قال المبرد: التأسي أن يرى ذو البلاء من به مثل بلائه فيكون قد ساوراه فيه فيسكن ذلك من وجده.