تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ثُمَّ فِي سِلۡسِلَةٖ ذَرۡعُهَا سَبۡعُونَ ذِرَاعٗا فَٱسۡلُكُوهُ} (32)

{ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا } من سلاسل الجحيم في غاية الحرارة { فَاسْلُكُوهُ } أي : انظموه فيها بأن تدخل في دبره وتخرج من فمه ، ويعلق فيها ، فلا يزال يعذب هذا العذاب الفظيع ، فبئس العذاب والعقاب ، وواحسرة من له التوبيخ والعتاب . فإن السبب الذي أوصله إلى هذا المحل :

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ثُمَّ فِي سِلۡسِلَةٖ ذَرۡعُهَا سَبۡعُونَ ذِرَاعٗا فَٱسۡلُكُوهُ} (32)

وقوله : خُذُوهُ فَغُلّوهُ يقول تعالى ذكره لملائكته من خزّان جهنم : خُذُوهُ فَغُلّوهُ ثُمّ الجَحِيمَ صَلّوهُ يقول : ثم في جهنم أوردوه ليصلى فيها ثُمّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِرَاعا فاسْلُكُوهُ يقول : ثم اسكلوه في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا بذراعٍ اللّهٌ أعلم بقدر طولها . وقيل : إنها تدخل في دُبُره ، ثم تخرج من منخريه . وقال بعضهم : تدخل في فيه ، وتخرج من دبره . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن نسير بن دعلوق ، قال : سمعت نَوْفا يقول : فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِرَاعا قال : كلّ ذراع سبعون باعا ، الباع : أبعد ما بينك وبين مكة .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى ، قال : حدثنا سفيان ، قال : ثني نسير ، قال : سمعت نوفا يقول في رحبة الكوفة في إمارة مصعب بن الزبير في قوله فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِرَاعا قال : الذراع : سبعون باعا ، الباع : أبعد ما بينك وبين مكة .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن نسير بن ذعلوق أبي طعمة ، عن نوف البكالي فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعا قال : كلّ ذراع سبعون باعا ، كلّ باع أبعد مما بينك وبين مكة وهو يومئذٍ في مسجد الكوفة .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس .

قوله : فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِرَاعا فاسْلُكُوهُ قال : بذراع الملك فاسلكوه ، قال : تسلك في دُبره حتى تخرج من منخريه ، حتى لا يقوم على رجليه .

حدثنا بن المثنى ، قال : حدثنا يعمر بن بشير المنقري ، قال : حدثنا ابن المبارك ، قال : أخبرنا سعيد بن يزيد ، عن أبي السمح ، عن عيسى بن هلال الصدفي ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لَوْ أنّ رَصَاصَةً مِثْلَ هَذِهِ ، وأشار إلى جمجمة ، أُرْسلَتْ مِنَ السّماءِ إلى الأرْضِ ، وَهيَ مَسِيرَةُ خَمْسِ مِئَةِ سَنَةٍ ، لَبَلَغَتِ الأرْضَ قَبْل اللّيْل ، وَلَوْ أنّها أُرْسِلَتْ مِنْ رأسِ السّلْسِلَةِ لَسارَتْ أرْبَعِينَ خَرِيفا اللّيْلَ والنّهارَ قَبْلَ أّ تَبْلُغَ قَعْرَها أوْ أصْلَها » .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن ابن المبارك ، عن مجاهد ، عن جُويبر ، عن الضحاك ، فاسْلُكُوهُ قال : السلك : أن تدخل السلسلة في فيه ، وتخرج من دبره .

وقيل : ثُمّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِرَاعا فاسْلُكُوهُ وإنما تسلك السلسلة في فيه ، كما قالت العرب : أدخلت رأسي في القلنسوة ، وإنما تدخل القلنسوة في الرأس ، وكما قال الأعشي :

*** إذَا ما السّرَابُ ارْتَدَى بالأَكَمْ ***

وإنما يرتدي الأكم بالسراب وما أشبه ذلك ، وإنما قيل ذلك كذلك لمعرفة السامعين معناه ، وإنه لا يشكل على سامعه ما أراد قائله .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ثُمَّ فِي سِلۡسِلَةٖ ذَرۡعُهَا سَبۡعُونَ ذِرَاعٗا فَٱسۡلُكُوهُ} (32)

ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا أي طويلة فاسلكوه فأدخلوه فيها بأن تلقوها على جسده وهو فيما بينها مرهق لا يقدر على حركة وتقديم ال سلسلة كتقديم الجحيم للدلالة على التخصيص والاهتمام بذكر أنواع ما يعذب به و ثم لتفاوت ما بينها في الشدة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ثُمَّ فِي سِلۡسِلَةٖ ذَرۡعُهَا سَبۡعُونَ ذِرَاعٗا فَٱسۡلُكُوهُ} (32)

و { ذرعها } معناه مبلغ أذرع كيلها ، وقد جعل الله تعالى السبعمائة والسبعين والسبعة مواقف ونهايات لأشياء عظام ، فذلك مشي البشر : العرب وغيرهم على أن يجعلوها نهايات ، وهذه السلسلة من الأشياء التي جعل فيها السبعين نهاية . وقرأ السدي : «ذرعها سبعين » بالياء ، وهذا على حذف خبر الابتداء ، واختلف الناس في قدر هذا الذراع{[11296]} ، فقال محمد بن المنكدر وابن جرير وابن عباس : هو بذراع الملك ، وقال نوف البكالي وغيره : الذراع سبعون باعاً في كل باع كما بين الكوفة ومكة ، وهذا يحتاج إلى سند ، وقال حذاق من المفسرين : هي بالذراع المعروفة هنا ، وإنما خوطبنا بما نعرفه ونحصله ، وقال الحسن : الله أعلم بأي ذراع هي : وقال السويد بن نجيح في كتاب الثعلبي : إن جميع أهل النار في تلك السلسلة ، وقال ابن عباس : لو وضع حلقة منها على جبل لذاب كالرصاص ، وقوله تعالى : { فاسلكوه } معناه : ادخلوه ، ومنه قول أبي وجزة السعدي يصف حمر وحش : [ البسيط ]

حتى سلكن الشوى منهن في مسك*** من نسل جوابة الآفاق مهداج{[11297]}

وروي أن هذه السلسلة تدخل في فم الكافر وتخرج من دبره فهي في الحقيقة التي سلك فيها لكن الكلام جرى مجرى قولهم : أدخلت فمي في الحجر والقلنسوة في رأسي ، وروي أن هذه السلسلة تلوى حول الكافر حتى تغمه وتضغطه ، فالكلام على هذا على وجهه وهو المسلوك .


[11296]:الذراع: اليد، وهي مؤنثة، وقد تذكر، ( راجع اللسان).
[11297]:يصف أبو وجزة حمر الوحش فيقول في هذا البيت وفي بيت قبله: مازلن ينسبن وهنا كل صادقة باتت تباشر عرما غير أزواج حتى سلكن الشوى منهم في مسك من نسل جوابة الآفاق مهداج والشوى: اليدان والرجلان، وسلكن: أدخلن، وهو موضع الاستشهاد هنا والمسك: الذبل من العاج كهيئة السوار تجعله المرأة في يديها، فهو مثل الأسورة، وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم رأى على عائشة مسكتين من فضة، والذبل: قرون الأوعال، وجوابة الآفاق هي السحابة التي تحركها الرياح فتتحرك وتسير في آفاق السماء، ونسلها هو المطر، لأن الريح تستدر السحاب وتلقحه فيمطر، من نسلها، والريح المهداج هي التي لها صوت وحنين، وهو من الهدجة، وهو حنين الناقة على ولدها، يقول: إن حمر الوحش وردت الماء ليلا وأثارت القطا التي صاحت: قطا قطا، فخبرت باسمها فكانت صادقة، هذه الحمر دخلت في الماء الذي نسلته الريح بأرجلها وأيديها حتى صار لها مثل السوار الذي تضعه المرأة في يديها. أما العرم فهو بيض القطا، وهي تضعه في أعداد فردية فلا يكون أزواجا كما قال.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ثُمَّ فِي سِلۡسِلَةٖ ذَرۡعُهَا سَبۡعُونَ ذِرَاعٗا فَٱسۡلُكُوهُ} (32)

و { ثم } من قوله : { ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه } للتراخي الرتبي بالنسبة لمضمون الجملتين قبلها لأن مضمون { في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً } أعظم من مضمون { فغلوه .

ومضمون { فاسلكوه } دل على إدخاله الجحيم فكان إسلاكه في تلك السلسلة أعظم من مطلق إسلاكه الجحيم .

ومعنى { اسلكوه } : اجعلوه سالِكاً ، أي داخلاً في السلسلة وذلك بأن تَلف عليه السلسلة فيكون في وسطها ، ويقال : سلَكه ، إذا أدخله في شيء ، أي اجعلوه في الجحيم مكبَّلاً في أغلاله .

وتقديم { الجحيمَ } على عامله لتعجيل المساءة مع الرعاية على الفاصلة وكذلك تقديم { في سلسلة } على عامله .

واقتران فعل { اسلكوه } بالفاء إمَّا لتأكيد الفاء التي اقترنت بفعل { فَغلّوه } ، وإما للايذان بأن الفعل منزل منزلة جزاء شرط محذوف ، وهذا الحذف يشعر به تقديم المعمول غالباً كأنه قيل : مهما فعلتم به شيئاً فاسلكوه في سلسلة ، أو مهما يكن شيء فاسلكوه .

والمقصود تأكيد وقوع ذلك والحثُّ على عدم التفريط في الفعل وأنه لا يرجى له تخفيف ، ونظيره قوله تعالى : { وربَّك فكبّر وثِيابَك فطهّر والرِّجز فاهجر } [ المدثر : 35 ] ، وتقدم عند قوله تعالى : { قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا } في سورة [ يونس : 58 ] .

والسلسلة : اسم لمجموع حَلَققٍ من حديد داخللٍ بعضُ تلك الحَلَق في بعض تجعل لِوثاق شخص كي لا يزول من مكانه ، وتقدم في قوله تعالى : { إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل } في سورة غافر ( 71 ) .

وجملة { ذرعها سبعون ذراعاً } صفة { سِلْسلة } وهذه الصفة وقعت معترضة بين المجرور ومتعلَّقِهِ للتهويل على المشركين المكذبين بالقارعة ، وليست الجملة مما خوطب الملائكة الموكلون بسوْق المجرمين إلى العذاب ، ولذلك فعَدَدُ السبعين مستعمل في معنى الكثرة على طريقة الكناية مثل قوله تعالى : { إِنْ تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم } [ التوبة : 80 ] .

والذَّرع : كيلُ طوللِ الجسم بالذراع وهو مقدار من الطول مقدر بذراع الإِنسان ، وكانوا يقدرون بمقادير الأعضاء مثل الذراع ، والأصبَع ، والأنملة ، والقَدم ، وبالأبعاد التي بين الأعضاء مثل الشِبْر ، والفِتْر ، والرتب ( بفتح الراء والتاء ) ، والعَتَب ، والبُصْم ، والخُطوة .