تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَلَمَّا جَآءَهُم بِٱلۡحَقِّ مِنۡ عِندِنَا قَالُواْ ٱقۡتُلُوٓاْ أَبۡنَآءَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ وَٱسۡتَحۡيُواْ نِسَآءَهُمۡۚ وَمَا كَيۡدُ ٱلۡكَٰفِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَٰلٖ} (25)

{ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا } وأيده الله بالمعجزات الباهرة ، الموجبة لتمام الإذعان ، لم يقابلوها بذلك ، ولم يكفهم مجرد الترك والإعراض ، بل ولا إنكارها ومعارضتها بباطلهم ، بل وصلت بهم الحال الشنيعة إلى أن { قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ } حيث كادوا هذه المكيدة ، وزعموا أنهم إذا قتلوا أبناءهم ، لم يقووا ، وبقوا في رقهم وتحت عبوديتهم .

فما كيدهم إلا في ضلال ، حيث لم يتم لهم ما قصدوا ، بل أصابهم ضد ما قصدوا ، أهلكهم الله وأبادهم عن آخرهم .

{[769]}وتدبر هذه النكتة التي يكثر مرورها بكتاب الله تعالى : إذا كان السياق في قصة معينة أو على شيء معين ، وأراد الله أن يحكم على ذلك المعين بحكم ، لا يختص به ذكر الحكم ، وعلقه على الوصف العام ليكون أعم ، وتندرج فيه الصورة التي سيق الكلام لأجلها ، وليندفع الإيهام باختصاص الحكم بذلك المعين .

فلهذا لم يقل { وما كيدهم إلا في ضلال } بل قال : { وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ }


[769]:- في هامش الأصل (قاعدة).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَلَمَّا جَآءَهُم بِٱلۡحَقِّ مِنۡ عِندِنَا قَالُواْ ٱقۡتُلُوٓاْ أَبۡنَآءَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ وَٱسۡتَحۡيُواْ نِسَآءَهُمۡۚ وَمَا كَيۡدُ ٱلۡكَٰفِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَٰلٖ} (25)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَلَمّا جَآءَهُمْ بِالْحَقّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ اقْتُلُوَاْ أَبْنَآءَ الّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ وَاسْتَحْيُواْ نِسَآءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلاَلٍ } .

يقول تعالى ذكره : فلما جاء موسى هؤلاء الذين أرسله الله إليهم بالحقّ من عندنا ، وذلك مجيئه إياهم بتوحيد الله ، والعمل بطاعته ، مع إقامة الحجة عليهم ، بأن الله ابتعثه إليهم بالدعاء إلى ذلك قالُوا اقْتُلُوا أبْناءَ الّذِينَ آمَنُوا بالله مَعَهُ من بني إسرائيل وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ يقول : واستبقوا نساءهم للخدمة .

فإن قال قائل : وكيف قيل فَلَمّا جاءَهُمْ مُوسَى بالحَقّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أبْناءَ الّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ واسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ ، وإنما كان قتل فرعون الولدان من بني إسرائيل حذار المولود الذي كان أخبر أنه على رأسه ذهاب ملكه ، وهلاك قومه ، وذلك كان فيما يقال قبل أن يبعث الله موسى نبيّا ؟ قيل : إن هذا الأمر بقتل أبناء الذين آمنوا مع موسى ، واستحياء نسائهم ، كان أمرا من فرعون وملئه من بعد الأمر الأوّل الذي كان من فرعون قبل مولد موسى ، كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : فَلَمّا جاءَهُمْ بالحَقّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أبْناءَ الّذِينَ آمَنُوا مَعَهْ واسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ قال : هذا قتل غير القتل الأوّل الذي كان .

وقوله : وَما كَيْدُ الكافِرِينَ إلاّ فِي ضَلالٍ يقول : وما احتيال أهل الكفر لأهل الإيمان بالله إلا في جور عن سبيل الحقّ ، وصدّ عن قصد المحجة ، وأخذ على غير هدى .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَلَمَّا جَآءَهُم بِٱلۡحَقِّ مِنۡ عِندِنَا قَالُواْ ٱقۡتُلُوٓاْ أَبۡنَآءَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ وَٱسۡتَحۡيُواْ نِسَآءَهُمۡۚ وَمَا كَيۡدُ ٱلۡكَٰفِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَٰلٖ} (25)

{ فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه ، واستحيوا نساءهم } أي أعيدوا عليهم ما كنتم تفعلون بهم أولا كي يصدوا عن مظاهرة موسى عليه السلام . { وما كيد الكافرين إلا في ضلال } في ضياع ، ووضع الظاهر فيه موضع الضمير لتعميم الحكم والدلالة على العلة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَلَمَّا جَآءَهُم بِٱلۡحَقِّ مِنۡ عِندِنَا قَالُواْ ٱقۡتُلُوٓاْ أَبۡنَآءَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ وَٱسۡتَحۡيُواْ نِسَآءَهُمۡۚ وَمَا كَيۡدُ ٱلۡكَٰفِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَٰلٖ} (25)

ثم أخبر تعالى عنهم أنهم لما جاءهم موسى بالنبوة والحق من عند الله ، قال هؤلاء الثلاثة وأجمع رأيهم على أن يقتل أبناء بني إسرائيل أتباع موسى وشبانهم وأهل القوة منهم ، وأن يستحي النساء للخدمة والاسترقاق ، وهذا رجوع منهم إلى نحو القتل الأول الذي كان قبل ميلاد موسى ، ولكن هذا الأخير لم تتم فيه عزمة ، ولا أعانهم الله تعالى على شيء منه . قال قتادة : هذا قتل غير الأول الذي كان حذر المولود ، وسموا من ذكرنا من بني إسرائيل أبناء ، كما تقول لأنجاد القبيلة أو المدينة وأهل الظهور فيها : هؤلاء أبناء فلانة .

وقوله تعالى : { وما كيد الكافرين إلا في ضلال } عبارة وجيزة تعطي قوتها أن هؤلاء الثلاثة لم يقدرهم الله تعالى على قتل أحد من بني إسرائيل ولا نجحت لهم فيه سعاية ، بل أضل الله سعيهم وكيدهم .