مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَلَمَّا جَآءَهُم بِٱلۡحَقِّ مِنۡ عِندِنَا قَالُواْ ٱقۡتُلُوٓاْ أَبۡنَآءَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ وَٱسۡتَحۡيُواْ نِسَآءَهُمۡۚ وَمَا كَيۡدُ ٱلۡكَٰفِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَٰلٖ} (25)

واعلم أن موسى عليه السلام ، لما جاءهم بتلك المعجزات الباهرة وبالنبوة وهي المراد بقوله { فلما جاءهم بالحق من عندنا } حكى الله تعالى عنهم ما صدر عنهم من الجهالات ( فالأول ) أنهم وصفوه بكونه ساحرا كاذبا ، وهذا في غاية البعد ، لأن تلك المعجزات كانت قد بلغت في القوة والظهور إلى حيث يشهد كل ذي عقل سليم بأنه ليس من السحر البتة ( الثاني ) أنهم قالوا { اقتلوا أبناء الذين ءامنوا معه واستحيوا نساءهم } والصحيح أن هذا القتل غير القتل الذي وقع في وقت ولادة موسى عليه السلام ، لأن في ذلك الوقت أخبره المنجمون بولادة عدو له يظهر عليه ، فأمر بقتل الأولاد في ذلك الوقت ، وأما في هذا الوقت فموسى عليه السلام قد جاءه وأظهر المعجزات الظاهرة ، فعند هذا أمر بقتل أبناء الذين آمنوا معه لئلا ينشئوا على دين موسى فيقوى بهم ، وهذه العلة مختصة بالبنين دون البنات ، فلهذا السبب أمر بقتل الأبناء .

ثم قال تعالى : { وما كيد الكافرين إلا في ضلال } ومعناه أن جميع ما يسعون فيه من مكايدة موسى ومكايدة من آمن معه يبطل ، لأن { ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها } .