فشاهدوا أمرا ما رأوا مثله ، بل ولم يسمعوا أنه جرى لأحد من المرسلين قبله نظيره ، فانبهروا لذلك ، ولم يدخل الإيمان في قلوبهم ، ولم يرد الله بهم خيرا ، ففزعوا إلى بهتهم وطغيانهم ، وقالوا : سحرنا محمد ، ولكن علامة ذلك أنكم تسألون من قدم{[922]} إليكم من السفر ، فإنه وإن قدر على سحركم ، لا{[923]} يقدر أن يسحر من ليس مشاهدا مثلكم ، فسألوا كل من قدم ، فأخبرهم بوقوع ذلك ، فقالوا : { سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ } سحرنا محمد وسحر غيرنا .
ثم بين - سبحانه - موقف هؤلاء المشركين من معجزاته - صلى الله عليه وسلم - فقال : { وَإِن يَرَوْاْ آيَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ } .
أى : وإن يرى هؤلاء المشركون آية ومعجزة تدل على صدقك - أيها الرسول الكريم - يعرضوا عنها جحودا وعنادا . ويقولوا - على سبيل التكذيب لك - ما هذا الذى أتيتنا به يا محمد إلا سحر مستمر ، أى : سحر دائم نعرفه عنك ، وليس جديدا علينا منك .
قال صاحب الكشاف : { مُّسْتَمِرٌّ } أى دائم مطرد ، وكل شىء قد انقادت طريقته ، ودامت حاله ، قيل فيه قد استمر ، لأنهم لما رأوا تتابع المعجزات ، وترادف الآيات . قالوا : " هذا سحر مستمر " .
وقيل : مستمر ، أى : قوى محكم - من المرَّة بمعنى القوة - ، وقيلك هو من استمر الشىء إذا اشتدت مرارته ، أى : مستبشع عندنا مُرٌّ على لَهوَاتِنا ، لا نقدر أن نسيغه كما لا يساغ الشىء المر . وقيل : مستمر ، أى : مار ذاهب زائل عما قريب - من قولهم : مَرَّ الشىء واستمر إذا ذهب .
وقوله : { وإن يروا } جاء اللفظ مستقبلاً لينتظم ما مضى وما يأتي ، فهو إخبار بأن حالهم هكذا ، واختلفت الناس في معنى : { مستمر } فقال الزجاج قيل معناه : دائم متماد . وقال قتادة ومجاهد والكسائي والفراء معناه : مار ذاهب عن قريب يزول . وقال أبو العالية والضحاك معناه : مشدود من مرائير الحبل كأنه سحر قد أمر ، أي أحكم . ومنه قول الشاعر [ لقيط بن زرارة ] : [ البسيط ]
حتى استمرت على شزر مريرته . . . صدق العزيمة لا رتّاً ولا ضرعا{[10755]} .
يجوز أن يكون تذييلاً للإِخبار بانشقاق القمر فيكون المراد ب { آية } في قوله : { وإن يروا آية } القمرَ . فقد جاء في بعض الآثار : أن المشركين لما رأوا انشقاق القمر قالوا : « هذا سحر محمد بن أبي كبشة » وفي رواية قالوا : « قد سَحَر محمد القمر » ، ويجوز أن يكون كلاماً مستأنفاً من ذكر أحوال تكذيبهم ومكابرتهم وعلى كلا الوجهين فإن وقوع { آية } ، وهو نكرة في سياق الشرط يفيد العموم .
وجيء بهذا الخبر في صورة الشرط للدلالة على أن هذا ديدنهم ودأبهم .
وضمير { يروا } عائد إلى غير مذكور في الكلام دال عليه المقام وهم المشركون ، كما جاء في مواضع كثيرة من القرآن ، مع أن قصة انشقاق القمر وطعنهم فيها مشهور يومئذٍ معروفة أصحابه ، فهم مستمرون عليه كلما رأوا آية على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم .
ووصف { مستمر } يجوز أن يكون مشتقاً من فعل مَرّ الذي هو مجاز في الزوال والسين والتاء للتقوية في الفعل ، أي لا يبقى القمر منشقاً . ويجوز أن يكون مشتقاً من المِرة بكسر الميم ، أي القوة ، والسين والتاء للطلب ، أي طلب لفعله مِرّة ، أي قوة ، أي تمكناً . والمعنى : هذا سحر معروف متكرر ، أي معهود منه مثله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.