{ 24 } { أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا }
أي : في ذلك اليوم الهائل كثير البلابل { أَصْحَابُ الْجَنَّةِ } الذين آمنوا بالله وعملوا صالحا واتقوا ربهم { خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا } من أهل النار { وَأَحْسَنُ مَقِيلًا } أي : مستقرهم في الجنة وراحتهم التي هي القيلولة ، هو المستقر النافع والراحة التامة لاشتمال ذلك على تمام النعيم الذي لا يشوبه كدر ، بخلاف أصحاب النار فإن جهنم ساءت مستقرا ومقيلا وهذا من باب استعمال أفعل التفضيل ، فيما ليس في الطرف الآخر منه شيء لأنه لا خير في مقيل أهل النار ومستقرهم كقوله : { آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ } .
ثم بين - سبحانه - ما سيكون عليه أصحاب الجنة من نعيم مقيم يوم القيامة فقال : { أَصْحَابُ الجنة يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } .
والمستقر : المكان الذى يستقر فيه الإنسان فى أغلب وقته . والمقيل : المكان الذى يؤوى إليه فى وقت القيلولة للاستراحة من عناء الحر .
أى : " أصحاب الجنة يومئذ " أى : يوم القيامة " خير مستقرا " أى : خير مكانا ومنزلا فى الجنة ، مما كان عليه الكافرون فى الدنيا من متاع زائل ، ونعيم حائل " وأحسن مقيلا " أى : وأحسن راحة وهناء ومأوى ، مما فيه الكافرون من عذاب مقيم .
وقد استنبط بعض العلماء . من هذه الآية أن حساب أهل الجنة يسير ، وأنه ينتهى فى وقت قصير ، لا يتجاوز نصف النهار . قالوا : لأن قوله - تعالى - { وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } يدل على أنهم فى وقت القيلولة ، يكونون فى راحة ونعيم ، ويشير إلى ذلك قوله - تعالى - : { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً وَيَنقَلِبُ إلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً } وأما أهل النار - والعياذ بالله - فهم ليسوا كذلك لأن حسابهم غير يسير .
وقد ساق ابن كثير فى هذا المعنى آثارا منها أن سعيد الصواف قال : بلغنى أن يوم القيامة يقصر على المؤمن حتى يكون كما بين العصر إلى غروب الشمس وأنهم ليقيلون فى رياض الجنة .
ثم أخبر عز وجل بأن مستقر أهل الجنة { خير } من مستقر أهل النار ، وجاءت { خير } ، ها هنا للتفضيل بين شيئين لا شركة بينهما ، فذكر الزجاج وغيره في ذلك أنه لما اشتركا في أن هذا مستقر وهذا مستقر فضل الاستقرار الواحد .
قال القاضي أبو محمد : ويظهر لي أن هذه الألفاظ التي فيها عموم ما ، يتوجّه حكمها من جهات شتى ، نحو قولك : أحب وأحسن وخير وشر ، يسوغ أن يجاء بها بين شيئين لا شركة بينهما ، فتقول السعد في الدنيا أحب إليّ من الشقاء إذ قد يوجد بوجه ما من يستحب الشقاء كالمتعبد والمغتاظ وكذلك في غيرها ، فإذا كانت أفعل في معنى بين أن الواحد من الشيئين لا حظ له فيه بوجه فسد الإخبار بالتفضيل به ، كقولك الماء أبرد من النار ، ومن هذا إنك تقول في ياقوته ومدرة{[8813]} وتشير إلى المدرة هذه أحسن وخير وأحب وأفضل من هذه ، ولو قلت هذه ألمع وأشد شراقة من هذه لكان فاسداً ، وقوله { مقيلاً } ذهب ابن عباس والنخعي وابن جريج إلى أن حساب الخلق يكمل في وقت ارتفاع النهار ، ويقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار فالمقيل من القائلة .
قال الفقيه الإمام القاضي : ويحتمل أن اللفظة إنما تضمنت تفضيل الجنة جملة ، فالعرب تفضل البلاد بحسن المقيل لأن وقت القائلة يبدو فساد هواء البلاد ، فإذا كان بلد في وقت فساد الهواء حسناً جاز الفضل ، ومن ذلك قول الأسود بن يعفر الإيادي : [ الكامل ] .
أرض تخيرها لطيب مقيلها . . . كعب بن مامة وابن أم دؤاد{[8814]}
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.