تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّ أَوۡلَى ٱلنَّاسِ بِإِبۡرَٰهِيمَ لَلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا ٱلنَّبِيُّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۗ وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (68)

لما ادعى اليهود أن إبراهيم كان يهوديا ، والنصارى أنه نصراني ، وجادلوا على ذلك ، رد تعالى محاجتهم ومجادلتهم من ثلاثة أوجه :

أحدها : أن جدالهم في إبراهيم جدال في أمر ليس لهم به علم ، فلا يمكن لهم ولا يسمح لهم أن يحتجوا ويجادلوا في أمر هم أجانب عنه وهم جادلوا في أحكام التوراة والإنجيل سواء أخطأوا أم أصابوا فليس معهم المحاجة في شأن إبراهيم .

الوجه الثاني : أن اليهود ينتسبون إلى أحكام التوراة ، والنصارى ينتسبون إلى أحكام الإنجيل ، والتوراة والإنجيل ما أنزلا إلا من بعد إبراهيم ، فكيف ينسبون إبراهيم إليهم وهو قبلهم متقدم عليهم ، فهل هذا يعقل ؟ ! فلهذا قال { أفلا تعقلون } أي : فلو عقلتم ما تقولون لم تقولوا ذلك .

الوجه الثالث : أن الله تعالى برأ خليله من اليهود والنصارى والمشركين ، وجعله حنيفا مسلما ، وجعل أولى الناس به من آمن به من أمته ، وهذا النبي وهو محمد صلى الله على وسلم ومن آمن معه ، فهم الذين اتبعوه وهم أولى به من غيرهم ، والله تعالى وليهم وناصرهم ومؤيدهم ، وأما من نبذ ملته وراء ظهره كاليهود والنصارى والمشركين ، فليسوا من إبراهيم وليس منهم ، ولا ينفعهم مجرد الانتساب الخالي من الصواب . وقد اشتملت هذه الآيات على النهي عن المحاجة والمجادلة بغير علم ، وأن من تكلم بذلك فهو متكلم في أمر لا يمكن منه ولا يسمح له فيه ، وفيها أيضا حث على علم التاريخ ، وأنه طريق لرد كثير من الأقوال الباطلة والدعاوى التي تخالف ما علم من التاريخ .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّ أَوۡلَى ٱلنَّاسِ بِإِبۡرَٰهِيمَ لَلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا ٱلنَّبِيُّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۗ وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (68)

ثم أصدر - سبحانه - حكمه الحاسم العادل فى هذه القضية التى كثر الجدل فيها فقال : { إِنَّ أَوْلَى الناس بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتبعوه وهذا النبي والذين آمَنُواْ والله وَلِيُّ المؤمنين } .

وقوله - تعالى - { أَوْلَى } أفعل تفضيل من الولي وهو القرب .

والمعنى : إن أقرب الناس من إبراهيم ، وأخصهم به ، وأحقهم بالانتساب إليه أصناف ثلاثة :

أولهم : بينه الله بقوله { لَلَّذِينَ اتبعوه } ليرد على أقاويل أهل الكتاب ومفترياتهم حيث زعموا أنه كان يهوديا أو نصرانيا .

وثاني هذه الأصناف : بينه - سبحانه - بقوله { وهذا النبي } والمراد به محمد صلى الله عليه وسلم الداعى إلى التوحيد الذى دعا إليه إبراهيم .

والجملة الكريمة من عطف الخاص على العام للاهتمام به . وللإشعار بأنه صلى الله عليه وسلم قد تلقى الهداية من السماء كما تلقاها إبراهيم - عليه السلام- .

وثالث هذه الأصناف : بينه الله - تعالى - بقوله { والذين آمَنُواْ } أى : والذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم واتبعوه .

وفى هذا تنويه بشأن الأمة الإسلامية ، وتقرير بأن أتباع محمد صلى الله عليه وسلم أحق بالانتساب إلى إبراهيم من أهل الكتاب لأن المؤمنين طلبوا الحق وآمنوا به ، أما أهل الكتاب فقد باعوا دينهم بدنياهم ، وتركوا الحق جريا وراء شهواتهم .

وقوله { والله وَلِيُّ المؤمنين } تذييل مقصود به تبير المؤمنين بأن الله - تعالى - هو ناصرهم ومتولى أمورهم .

قال ابن كثر عند تفسيره لهذه الآية : يقول الله - تعالى - إن أحق الناس بمتابعة إبراهيم الخليل الذين اتبعوه على دينه ، وهذا النبي يعني محمدا صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا من أصحابه المهاجرين والأنصار ومن تبعهم بعدهم . فعن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن لكل نبي ولاية من النبيين ، وإن وليي منهم أبى خليل ربي عز وجل إبراهيم عليه السلام . ثم قرأ : ( إِنَّ أَوْلَى الناس بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتبعوه ) الآية " .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ أَوۡلَى ٱلنَّاسِ بِإِبۡرَٰهِيمَ لَلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا ٱلنَّبِيُّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۗ وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (68)

ثم أخبر تعالى إخباراً مؤكداً أن أولى الناس بإبراهيم الخليل عليه السلام هم القوم الذين اتبعوه على ملته الحنيفية .

قال الفقيه الإمام أبو محمد : وهنا يدخل كل من اتبع الحنيفية في الفترات { وهذا النبي } محمد صلى الله عليه وسلم لأنه بعث بالحنيفية السمحة ، { والنبي } في الإعراب نعت أو عطف بيان ، أو بدل ، وفي كونه بدلاً نظر ، { والذين آمنوا } يعني بمحمد صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء على ما يجب دون المحرفين المبدلين ، ثم أخبر أن الله تعالى { ولي المؤمنين } ، وعداً منه لهم بالنصر في الدنيا والنعيم في الآخرة ، و«الحنيف »{[3234]} مأخوذ من الحنف ، وهو الاستقامة وقيل هو الميل ، ومنه قيل للمائل الرجل أحنف ، فالحنيف من الاستقامة معناه المستقيم ، ومن الميل معناه المائل عن معوج الأديان إلى طريق الحق ، واختلفت عبارة المفسرين عن لفظة الحنيف ، حتى قال بعضهم : الحنيف الحاج ، وكلها عبارة عن الحنف بإجراء منه كالحج وغيره ، وأسند الطبري عن عبد الله بن عمر عن أبيه ، أن زيد بن عمرو بن نفيل خرج إلى الشام يسأل عن الدين ويتبعه ، فلقي عالماً من اليهود ، فسأله عن دينه ، وقال له : إني أريد أن أكون على دينكم ، فقال اليهودي : إنك لن تكون على ديننا حتى تأخذ نصيبك من غضب الله ، قال زيد : ما أفر إلا من غضب الله ولا أحمل من غضب الله شيئاً أبداً وأنا أستطيع ، فهل تدلني على دين ليس فيه هذا ؟ قال : ما أعلمه إلا أن تكون حنيفاً ، قال وما الحنيف ؟ قال دين إبراهيم ، لم يكن يهودياً ولا نصرانياً وكان لا يعبد إلا الله ، فخرج من عنده فلقي عالماً من النصارى ، فقاوله بمثل مقاولة اليهودي ، إلا أن النصراني قال : بنصيبك من لعنة الله ، فخرج من عنده وقد اتفقا له على دين إبراهيم فلم يزل رافعاً يديه إلى الله ، وقال اللهم إني أشهدك أني على دين إبراهيم ، وروى عبد الله بن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لكل نبي ولاة من النبيين وإن وليي منهم أبي وخليل ربي إبراهيم ، ثم قرأ { إن أولى الناس بإبراهيم } الآية{[3235]} .


[3234]:- تعرضت هذه اللفظة لدراسات كثيرة في العصر الحديث قام بها عرب ومستشرقون
[3235]:- أخرجه سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، والترمذي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم، وصححه عن ابن مسعود. (فتح القدير للشوكاني: 1/319)