تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا صُمّٞ وَبُكۡمٞ فِي ٱلظُّلُمَٰتِۗ مَن يَشَإِ ٱللَّهُ يُضۡلِلۡهُ وَمَن يَشَأۡ يَجۡعَلۡهُ عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (39)

{ 39 } { وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }

هذا بيان لحال المكذبين بآيات الله ، المكذبين لرسله ، أنهم قد سدوا على أنفسهم باب الهدى ، وفتحوا باب الردى ، وأنهم { صُمٌّ } عن سماع الحق { وَبُكْمٌ } عن النطق به ، فلا ينطقون إلا بباطل{[287]} .

{ فِي الظُّلُمَاتِ } أي : منغمسون في ظلمات الجهل ، والكفر ، والظلم ، والعناد ، والمعاصي . وهذا من إضلال الله إياهم ، ف { مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } لأنه المنفرد بالهداية والإضلال ، بحسب ما اقتضاه فضله وحكمته .


[287]:- في ب: بالباطل.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا صُمّٞ وَبُكۡمٞ فِي ٱلظُّلُمَٰتِۗ مَن يَشَإِ ٱللَّهُ يُضۡلِلۡهُ وَمَن يَشَأۡ يَجۡعَلۡهُ عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (39)

ثم قال - تعالى - { والذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظلمات } .

أى : مثلهم فى جهلهم وقلة علمهم وعدم فهمهم كمثل الأصم الذى لا يسمع ، والأبكم الذى لا يتكلم وهو مع ذلك فى ظلمات لا يبصر ، فكيف يهتدى مثل هذا إلى الطريق القويم أو يخرج مما هو فيه من ضلال .

ففى التعبير القرآنى استعارة تمثيلية إذ شبهت حال الجاحدين المعرضين عن كل دليل وبرهان بحال الصم البكم الذين يعيشون فى الظلام من حيث لا نور يهديهم .

ثم قال - تعالى - : { مَن يَشَإِ الله يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ على صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } .

أى : من يشأ الله له الضلالة أضله بأن يجعله يسير فى طريق هواه بسبب إعراضه عن طريق الخير ، وإيثاره العمى على الهدى ، ومن يشأ الله له الهداية يهده ، لأنه قد خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى . فالهداية والضلالة ليسا إجباريين لا اختيار للعبد فيهما ، وإنما الحق أن للعبد اختيارا فى الطريق الذى يسلكه ، فإن كان خيرا خطا فيه إلى النهاية ، وإن كان شرا سار فيه إلى الهاوية .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا صُمّٞ وَبُكۡمٞ فِي ٱلظُّلُمَٰتِۗ مَن يَشَإِ ٱللَّهُ يُضۡلِلۡهُ وَمَن يَشَأۡ يَجۡعَلۡهُ عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (39)

كأنه قال وما من دابة ولا طائر ولا شيء إلا فيه آية منصوبة على وحدانية الله تعالى ، ولكن الذين كذبوا صم وبكم لا يتلقون ذلك ولا يقبلونه ، وظاهر الآية أنها تعم كل مكذب ، وقال النقاش نزلت في بني عبد الدار{[4910]} .

قال القاضي أبو محمد : ثم انسحبت على سواهم ، ثم بيّن أن ذلك حكم من الله عز وجل بمشيئته في خلقه فقال مبتدئاً الكلام { من يشأ الله يضلله } شرط وجوابه{[4911]} ، وقوله : { في الظلمات } ينوب عن «عمي » ، وفي الظلمات أهول عبارة وأفصح وأوقع في النفس ، والصراط الطريق الواضح .


[4910]:- هو عبد الدار بن قصي بن كلاب، أكبر أولاد أبيه، وكان أحبهم إليه، ولهذا جعل له الحجابة واللواء والسقاء والرفادة والندوة، وهو أب لبطن منهم عثمان بن طلحة صاحب مفتاح الكعبة، والدار في الأصل: صنم من أصنامهم كانوا يسمون به.
[4911]:- قال القرطبي: "دل على أنه شاء ضلال الكافر وأراده لينفذ فيه عدله، ألا ترى أنه قال: {ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم} أي: على دين الإسلام لينفذ فيه فضله، وفيه إبطال لمذهب القدرية".