ثم خاطب اللّه العباد ، وألفتهم إلى الكتاب فقال : { اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ } أي : الكتاب الذي أريد إنزاله لأجلكم ، وهو : { مِنْ رَبِّكُمْ } الذي يريد أن يتم تربيته لكم ، فأنزل عليكم هذا الكتاب الذي ، إن اتبعتموه ، كملت تربيتكم ، وتمت عليكم النعمة ، وهديتم لأحسن الأعمال والأخلاق ومعاليها { وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ } أي : تتولونهم ، وتتبعون أهواءهم ، وتتركون لأجلها الحق .
{ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ } فلو تذكرتم وعرفتم المصلحة ، لما آثرتم الضار على النافع ، والعدو على الوليِّ .
ثم أمر القرآن الناس باتباع تعاليم الإسلام التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم فقال : { اتبعوا مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ
أى : اتبعوا أيها الناس ملة الإسلام وأحلوا حلاله ، وحرموا حرامه ، وامتثلوا أوامره ، واجتنبوا نواهيه ، لأن الذي أنزل عليكم هذه الشريعة هو ربكم الذي هو خالقكم ومربيكم ومدبر أموركم والعليم بما فيه مصلحتكم وحذار من أن تتركوا شريعة الإسلام التي تدعوكم إلى إفراد الله بالعبودية ، وتتخذوا معه شركاء يزينون لكم الأباطيل ، ويصرفونكم عن دينه القويم فالآية الكريمة كلام مستأنف خوطب به كافة المكلفين لحضهم على إفراد الله بالعبودية ، ونهيهم عن اتباع أحد من الخلق فيما يتعلق بالأمور الدينية التي وضحتها الشريعة الإسلامية .
وقوله - تعالى - : { قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } معناه : تذكراً قليلا تتذكرون ، أو زمناً قليلا تتذكرون فهو منصوب على أنه نعت لمصدر محذوف أو لظرف زمان محذوف . وما مزيدة لتأكيد القلة .
وقوله تعالى : { اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم } الآية ، قال الطبري وحكاه : التقدير قل اتبعوا فحذف القول لدلالة الإنذار المتقدم الذكر عليه ، وقالت فرقة : قوله :[ اتبعوا ]أمر يعم النبي صلى الله عليه وسلم وأمته .
قال القاضي أبو محمد : والظاهر أن يكون أمراً لجميع الناس أي اتبعوا ملة الإسلام والقرآن ، وقرأ الجحدري «ابتغوا ما أنزل » ، من الابتغاء ، وقرأ مجاهد «ولا تبتغوا » من الابتغاء أيضاً ، وقوله { أولياء } يريد كل ما عبد واتبع من دون الله كالأصنام والأحبار والكهان والنار والكواكب وغير ذلك ، والضمير في قوله { من دونه } راجع على { ربكم } ، هذا أظهر وجوهه وأبينها ، وقيل يعود على قوله { اتبعوا ما } ، وقيل يعود على الكتاب المتقدم الذكر ، و { قليلاً } نعت لمصدر نصب بفعل مضمر ، وقال مكي هو منصوب بالفعل الذي بعده ، قال الفارسي و { ما } في قوله { ما تذكرون } موصولة بالفعل وهي مصدرية ، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر «تذّكّرون » بتشديد الذال والكاف ، وقرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص «تَذّكرون » بتخفيف الذال وتشديد الكاف ، وقرأ ابن عامر «يتذكرون » بالياء كناية عن غيب ، وروي عنه إنه قرأ «تتذكرون » بتاءين على مخاطبة حاضرين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.