فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ٱتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُم مِّن رَّبِّكُمۡ وَلَا تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءَۗ قَلِيلٗا مَّا تَذَكَّرُونَ} (3)

{ اتبعوا } كلام مستأنف خوطب به كافة المكلفين { ما أنزل إليكم من ربكم } يعني الكتاب ومثله السنة لقوله { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } ونحوها من الآيات ، قاله الزجاج وقيل هو أمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولأمته ، وقيل هو أمر للأمة بعد أمره صلى الله عليه وآله وسلم بالتبليغ وهو منزل إليهم بواسطة إنزاله إلى النبي صلى الله عليه وسلم .

قال الرازي قوله { ما أنزل إليكم } يتناول الكتاب والسنة ، وإنما قال أنزل إليكم مع أنه أنزل على الرسول لأنه منزل على الكل بمعنى أنه خطاب للكل . ولفظ البيضاوي يعم القرآن والسنة لقوله سبحانه { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } انتهى وقال الحسن يا ابن آدم أمرت باتباع كتاب الله وسنة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ما نزلت آية إلا يجب أن تعلم فيم أنزلت وما معناها .

وقيل هو خطاب للكفار أي اتبعوا أيها المشركون ما أنزل إليكم من ربكم واتركوا ما أنتم عليه من الكفر والشرك ويدل عليه قوله { ولا تتبعوا من دونه أولياء } والأول أولى وهو نهي للأمة أن يتبعوا أولياء من دون الله يعبدونهم ويجعلونهم شركاء لله من الشياطين والكهان .

وقال الزمخشري لا تتولوا أحدا من شياطين الإنس والجن ليحملوكم على الأهواء والبدع ، فالضمير في { دونه } يرجع إلى رب ( ويجوز أن يرجع إلى ( ما ) في ما أنزل إليكم أي لا تتبعوا من دون كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أولياء تقلدونهم في دينكم كما كان يفعله أهل الجاهلية من طاعة الرؤساء فيما يحللونه لهم ويحرمونه عليهم .

وقرأ مالك بن دينار { ولا تبتغوا } من الابتغاء ، قال الرازي هذه الآية تدل على أن تخصيص عموم القرآن بالقياس لا يجوز لأن عموم القرآن منزل من عند الله ، والله تعالى أوجب متابعته فوجب العمل بعموم القرآن ، ولما وجب العمل به امتنع العمل بالقياس . وإلا لزم التناقض انتهى ، والبحث في ذلك يطول وله موضع غير هذا .

{ قليلا ما } مزيد للتوكيد أي تذكيرا قليلا أو زمانا قليلا { تذكرون } .