تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{كَلَّآ إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ} (26)

{ 26 - 40 } { كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ * فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى * أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى }

يعظ تعالى عباده بذكر حال المحتضر عند السياق{[1298]} ، وأنه إذا بلغت روحه التراقي ، وهي العظام المكتنفة لثغرة النحر ، فحينئذ يشتد الكرب ، ويطلب كل وسيلة وسبب ، يظن أن يحصل به الشفاء والراحة .


[1298]:- في ب: بذكر المحتضر حال السياق.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{كَلَّآ إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ} (26)

ثم زجر - سبحانه - الذين يكذبون بيوم الدين ، ويؤثرون العاجلة على الآجلة ، زجَرهم بلون آخر من ألوان الردع والزجر ، حيث ذكرهم بأحوالهم الأليمة عندما يودعون هذه الدنيا فقال : { كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ التراقي . وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ . وَظَنَّ أَنَّهُ الفراق } .

والضمير فى { بَلَغَتِ } يعود إلى الروح المعلومة من المقام . كما فى قوله - تعالى - { فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الحلقوم . . } ومنه قول الشاعر :

أماوى ما يغنى الثراء عن الفتى . . . إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر

والتراقى : جمع تَرْقُوه ، وهى العظام المحيطة بأعالى الصدر عن يمينه ، وعن شماله ، وهى موضع الحشرجة ، وجواب الشرط محذوف .

أى : حتى إذا بلغت روح الإِنسان التراقى ، وأوشكت أن تفارق صاحبها . . وجد كل إنسان ثمار عمله الذى عمله فى دنياه ، وانكشفت له حقيقة عاقبته .

والمقصود من الآية الكريمة وما بعدها : الزجر عن إيثار العاجلة على الآجلة . فكأنه - تعالى - يقول : احذروا - أيها الناس - ذلك قبل أن يفاجئكم الموت ، وقبل أن تبلغ أرواحكم نهايتها ، وتنقطع عند ذلك آمالكم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{كَلَّآ إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ} (26)

كلا ردع عن إيثار الدنيا على الآخرة إذا بلغت التراقي إذا بلغت النفس أعالي الصدر وإضمارها من غير ذكر لدلالة الكلام عليها .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{كَلَّآ إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ} (26)

ردع ثان على قول الإِنسان { أيَّانَ يوم القيامة } [ القيامة : 6 ] ، مؤكِّد للردع الذي قبله في قوله : { كَلاَّ بل تحبّون العاجلة } [ القيامة : 20 ] . ومعناه زجر عن إحالة البعث فإنه واقع غير بعيد فكل أحد يشاهده حين الاحتضار للموت كما يؤذن به قوله : { إلى ربك يومئذٍ المَساق } أُتبع توصيف أشراط القيامة المباشرة لحلوله بتوصيف أشراط حلول التهيُّؤِ الأول للقائه من مفارقة الحياة الأولى .

وعن المغيرة بن شعبة يقولون : القيامة القيامةُ ، وإنما قيامة أحدهم موته ، وعن علقمة أنه حضر جنازة فلما دفن قال : « أمَّا هذا فقد قامت قيامته » ، فحالة الاحْتضار هي آخر أحوال الحياة الدنيا يَعقبها مصير الروح إلى تصرف الله تعالى مباشرةً .

وهو ردع عن إيثار الدنيا على الآخرة كأنه قيل : ارتدعوا وتنبهوا على ما بَيْن أيديكم من الموت الذي عنده تنقطع العاجلة وتنتقلون إلى الآجلة ، فيكون ردعاً على محبة العاجلة وترك العناية في الآخرة ، فليس مؤكداً للردع الذي في قوله : { كلا بل تحبون العاجلة } [ القيامة : 20 ] بل هو ردع على ما تضمنه ذلك الردع من إيثار العاجلة على الآخرة .

و { إذا بلغت التراقي } متعلق بالكون الذي يُقدر في الخبر وهو قوله : { إلى ربك } . والمعنى : المساق يكون إلى ربك إذا بلغت التراقي .

وجملة { إلى ربك يومئذٍ المساق } بيان للردع وتقريب لإِبطال الاستبعاد المحكي عن منكري البعث بقوله : { يسأل أيّان يوم القيامة } [ القيامة : 6 ] .

و { إذا } ظرف مضمن معنى الشرط ، وهو منتصب بجوابه أعني قوله : { إلى ربك يومئذٍ المساق } .

وتقديم { إلى ربك } على متعلقه وهو { المساق } للاهتمام به لأنه مناط الإِنكار منهم .

وضمير { بلغت } راجع إلى غير مذكور في الكلام ولكنه معلوم من فعل { بلغَتْ } ومن ذكر { التراقي } فإن فعل { بلغت التراقي } يدل أنها روح الإنسان . والتقدير : إذا بلغت الروحُ أو النفس . وهذا التقدير يدل عليه الفعل الذي أسند إلى الضمير بحسب عرف أهل اللسان ، ومثله قول حاتم الطائي :

أمَاوِيَّ ما يغني الثَّراء عن الفتى *** إذا حَشْرَجَتْ يوماً وضاق بهَا الصدر

أي إذا حشرجت النفس . ومن هذا الباب قول العرب « أرْسَلَتْ » يريدون : أرسلت السماء المطر ، ويجوز أن يقدر في الآية ما يدل عليه الواقع .

والأنفاسُ : جمع نفَس ، بفتح الفاء ، وهو أنسب بالحقائق .

و { التراقي } : جمع تَرْقُوة ( بفتح الفوقية وسكون الراء وضم القاف وفتح الواو مخففة وهاء تأنيث ) وهي ثُغرة النحر ، ولكل إنسان ترقوتان عن يمينه وعن شماله .

فالجمع هنا مستعمل في التثنية لقصد تخفيف اللفظ وقد أُمِن اللبس ، لأن في تثنية ترقوة شيئاً من الثقل لا يناسب أفصح كلام ، وهذا مِثل ما جاء في قوله تعالى : { فقد صغت قلوبكما } في سورة [ التحريم : 4 ] .

ومعنى { بلغتْ التراقي } : أن الروح بلغت الحُنْجُرة حَيث تخرج الأنفاس الأخيرة فلا يسمع صوتها إلاّ في جهة الترقوة وهي آخر حالات الاحتضار ، ومثله قوله تعالى :

{ فلولا إذا بلغت الحُلقوم } الآية [ الواقعة : 83 ] .

واللام في { التراقي } مثل اللام في المساق فيقال : هي عوض عن المضاف إليه ، أي بلغت روحه تَرَاقِيَه ، أي الإِنساننِ .