تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَآئِمَةٗ وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيۡرٗا مِّنۡهَا مُنقَلَبٗا} (36)

{ وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي } على ضرب المثل { لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا } أي ليعطيني خيرا من هاتين الجنتين ، وهذا لا يخلو من أمرين : إما أن يكون عالما بحقيقة الحال ، فيكون كلامه هذا على وجه التهكم والاستهزاء فيكون زيادة كفر إلى كفره ، وإما أن يكون هذا ظنه في الحقيقة ، فيكون من أجهل الناس ، وأبخسهم حظا من العقل ، فأي : تلازم بين عطاء الدنيا وعطاء الآخرة ، حتى يظن بجهله أن من أعطي في الدنيا أعطي في الآخرة ، بل الغالب ، أن الله تعالى يزوي الدنيا عن أوليائه وأصفيائه ، ويوسعها على أعدائه الذين ليس لهم في الآخرة نصيب ، والظاهر أنه يعلم حقيقة الحال ، ولكنه قال هذا الكلام ، على وجه التهكم والاستهزاء ، بدليل قوله : { وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ } فإثبات أن وصفه الظلم ، في حال دخوله ، الذي جرى منه ، من القول ما جرى ، يدل على تمرده وعناده .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَآئِمَةٗ وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيۡرٗا مِّنۡهَا مُنقَلَبٗا} (36)

ثم ختم هذا الكافر محاورته لصاحبه بقوله : { وَمَآ أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً } أى : كائنة ومتحققة . فهو قد أنكر البعث وما يترتب عليه من حساب بعد إنكاره لفناء جنته ، ثم أكد كلامه بجملة قسمية فقال : { وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي } أى : والله لئن رددت إلى ربى على سبيل الفرض والتقدير كما أخبرتنى يا صاحبى بأن هناك بعثا وحسابا { لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا } أى : من هذه الجنة { منقلبا } أى : مرجعاً وعاقبة . اسم مكان من الانقلاب بمعنى الرجوع والانصراف عن الشئ إلى غيره .

وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - :

{ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً }

وقوله - سبحانه - :

{ وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ }

والمتدبر لحال صاحب الجنتين يراه ، - أولا - قد زعم أن مدار التفاضل هو الثروة والعشيرة ، ويراه - ثانيا - قد بنى حياته على الغرور والبطر ، واعتقاد الخلود لزينة الحياة الدنيا ، ويراه - ثالثاً - قد أنكر البعث والحساب ، والثواب والعقاب .

ويراه - رابعا - قد توهم أن غناه فى الدنيا سيكون معه مثله فى الآخرة :

قال صاحب الكشاف : " وأخبر عن نفسه بالشك فى بيدودة جنته ، لطول أمله ، واستيلاء الحرص عليه ، وتمادى غفلته ، واغتراره بالمهلة ، واطراحه النظر فى عواقب أمثاله ، وترى أكثر الأغنياء من المسلمين ، وإن لم يطلقوا بمثل هذا ألسنتهم ، فإن ألسنة أحوالهم ناطقة به ، منادية عليه .

وأقسم على أنه إن رد إلى ربه - على سبيل الفرض والتقدير - ليجدن فى الآخرة خيراً من جنته فى الدنيا ، تطمعا وتمنيا على الله . . " .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَآئِمَةٗ وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيۡرٗا مِّنۡهَا مُنقَلَبٗا} (36)

{ وما أظن الساعة قائمة } كائنة . { ولئن رُددت إلى ربي } بالبعث كما زعمت . { لأجدنّ خيرا منها } من جنته ، وقرأ الحجازيان والشامي " منهما " أي من الجنتين . { منقلباً } مرجعا وعاقبة لأنها فانية وتلك باقية ، وإنما أقسم على ذلك لاعتقاده أنه تعالى إنما أولاه لاستئهاله واستحقاقه إياه لذاته وهو معه أينما تلقاه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَآئِمَةٗ وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيۡرٗا مِّنۡهَا مُنقَلَبٗا} (36)

ثم قاس أيضاً الآخرة على الدنيا ، وظن أنه لم يمل{[1]} له في دنياه إلا لكرامة يستوجبها في نفسه ، قال : فإن كان ثم رجوع كما يزعم فستكون حالي كذا وكذا ، وليست مقالة العاصي بن وائل لخباب على حد هذه ، بل قصد العاصي الاستخفاف على جهة التصميم على التكذيب وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وابن الزبير ، وثبت في مصاحف المدينة «منهما » يريد الجنتين المذكورتين أولاً ، وقرأ أبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي والعامة ، وكذلك هو مصحف أهل البصرة «منها » يريد الجنة المدخولة .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَآئِمَةٗ وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيۡرٗا مِّنۡهَا مُنقَلَبٗا} (36)

انتقل من الإخبار عن اعتقاده دوامَ تلك الجنة إلى الإخبار عن اعتقاده بنفي قيام الساعة .

ولا تلازم بين المعتقَدَيْن . ولكنه أراد التورك على صاحبه المؤمن تخطئة إياه ، ولذلك عقب ذلك بقوله : { ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيراً منها منقلباً } تهكماً بصاحبه . وقرينة التهكم قوله : { وما أظن الساعة قائمة } . وهذا كقول العاصي بن وائل السهمي لخباب بن الأرت « ليكونن لي مال هنالك فأقضيكَ دينك منه » .

وأكد كلامه بلام القسم ونون التوكيد مبالغة في التهكم .

وانتصب { منقلباً } على تمييز نسبة الخبر . والمنقلب : المكان الذي يُنقلب إليه ، أي يُرجع .

وضمير { منهما } للجنتين عوداً إلى أول الكلام تفننا في حكاية كلامه على قراءة الجمهور { منهما } بالتثنية ، وقرأ أبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف منها } بالإفراد جرياً على قوله : { ودخل جنته } وقولهِ : { أن تبيد هذه } .