{ وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ } فإن مشيئته{[1288]} نافذة عامة ، لا يخرج عنها حادث قليل ولا كثير ، ففيها رد على القدرية ، الذين لا يدخلون أفعال العباد تحت مشيئة الله ، والجبرية الذين يزعمون أنه ليس للعبد مشيئة ، ولا فعل حقيقة ، وإنما هو مجبور على أفعاله ، فأثبت تعالى للعباد مشيئة حقيقة وفعلا ، وجعل ذلك تابعا لمشيئته ، { هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ } أي : هو أهل أن يتقى ويعبد ، لأنه الإله الذي لا تنبغي العبادة إلا له ، وأهل أن يغفر لمن اتقاه واتبع رضاه . تم تفسير سورة المدثر ولله الحمد{[1289]} .
ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بما يدل على نفاذ مشيئته وإرادته فقال : { وَمَا يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله هُوَ أَهْلُ التقوى وَأَهْلُ المغفرة } .
أى : فمن شاء أن يذكر القرآن وما فيه من مواعظ ذكر ذلك ، ولكن هذا التذكر والاعتبار والاتعاظ . لا يتم بمجرد مشيئتكم ، وإنما يتم فى حال مشيئة الله - تعالى - وإرادته ، فهو - سبحانه - أهل التقوى ، أى : هو الحقيق بأن يتقى ويخاف عذابه ، وهو - عز وجل - " أهل المغفرة " أى : هو - وحده - صاحب المغفرة لذنوب عباده ، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون .
فالمقصود من الآية الكريمة ، بيان أن هذا التذكر لمواعظ القرآن ، لا يتم إلا بعد إرادة الله - تعالى - ومشيئة ، لأنه هو الخالق لكل شئ ، وبيان أن مشيئة العباد لا أثر لها إلا إذا كانت موافقة لمشيئة الله ، التى لا يعلمها أحد سواه .
أخرج الإِمام أحمد والترمذى والنسائى وابن ماجة عن أنس " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية { هُوَ أَهْلُ التقوى وَأَهْلُ المغفرة } فقال : قد قال ربكم أنا أهل أن أتقى فلا يجعل معى إله ، فمن اتقانى فلم يجعل معى إلها آخر ، فأنا أهل أن أغفر له " .
ثم أخبر تعالى أن ذكر الإنسان معاده وجريه إلى فلاحه إنما هو كله بمشيئة الله تعالى وليس يكون شيء إلاّ بها ، وقرأ نافع وأهل المدينة وسلام ويعقوب : «تذكرون » بالتاء من فوق ، وقرأ أبو جعفر وعاصم وأبو عمرو والأعمش وطلحة وابن كثير وعيسى والأعرج : «يذكرون » بالياء من تحت ، وروي عن أبي جعفر بالتاء من فوق وشد الذال كأنه تتذكرون فأدغم ، وقوله تعالى : { هو أهل التقوى وأهل المغفرة } خبر جزم معناه : أن الله تعالى أهل بصفاته العلى ونعمه التي لا تحصى ونقمه التي لا تدفع لأن يتقى ويطاع ويحذر عصيانه وخلاف أمره ، وأنه بفضله وكرمه أهل أن يغفر لعباده إذا اتقوه ، وروى أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم فسر هذه الآية فقال : «يقول ربكم جلت قدرته وعظمته : أنا أهل أن أتقى فلا يجعل معي إله غيري ومن اتقى أن يجعل معي إلهاً غيري فأنا أغفر له ، »{[11458]} وقال قتادة : معنى الآية هو أهل أن تتقى محارمه وأهل أن يغفر الذنوب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.