{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا }
يأمر تعالى جميع الناس أن يؤمنوا بعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم . وذكر السبب الموجب للإيمان به ، والفائدة في الإيمان به ، والمضرة من عدم الإيمان به ، فالسبب الموجب هو إخباره بأنه جاءهم بالحق . أي : فمجيئه نفسه حق ، وما جاء به من الشرع حق ، فإن العاقل يعرف أن بقاء الخلق في جهلهم يعمهون ، وفي كفرهم يترددون ، والرسالة قد انقطعت عنهم غير لائق بحكمة الله ورحمته ، فمن حكمته ورحمته العظيمة نفس إرسال الرسول إليهم ، ليعرفهم الهدى من الضلال ، والغي من الرشد ، فمجرد النظر في رسالته دليل قاطع على صحة نبوته .
وكذلك النظر إلى ما جاء به من الشرع العظيم والصراط المستقيم . فإن فيه من الإخبار بالغيوب الماضية والمستقبلة ، والخبر عن الله وعن اليوم الآخر -ما لا يعرف إلا بالوحي والرسالة . وما فيه من الأمر بكل خير وصلاح ، ورشد وعدل وإحسان ، وصدق وبر وصلة وحسن خلق ، ومن النهي عن الشر والفساد والبغي والظلم وسوء الخلق ، والكذب والعقوق ، مما يقطع به أنه من عند الله .
وكلما ازداد به العبد بصيرة ، ازداد إيمانه ويقينه ، فهذا السبب الداعي للإيمان . وأما الفائدة في الإيمان فأخبر أنه خير لكم والخير ضد الشر . فالإيمان خير للمؤمنين في أبدانهم وقلوبهم وأرواحهم ودنياهم وأخراهم . وذلك لما يترتب عليه من المصالح والفوائد ، فكل ثواب عاجل وآجل فمن ثمرات الإيمان ، فالنصر والهدى والعلم والعمل الصالح والسرور والأفراح ، والجنة وما اشتملت عليه من النعيم كل ذلك مسبب عن الإيمان .
كما أن الشقاء الدنيوي والأخروي من عدم الإيمان أو نقصه . وأما مضرة عدم الإيمان به صلى الله عليه وسلم فيعرف بضد ما يترتب على الإيمان به . وأن العبد لا يضر إلا نفسه ، والله تعالى غني عنه لا تضره معصية العاصين ، ولهذا قال : { فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } أي : الجميع خلقه وملكه ، وتحت تدبيره وتصريفه { وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا } بكل شيء { حَكِيمًا } في خلقه وأمره . فهو العليم بمن يستحق الهداية والغواية ، الحكيم في وضع الهداية والغواية موضعهما .
ثم وجه - سبحانه - نداء إلى الناس جميعا يأمرهم فيه بالإِيمان وينهاهم عن الكفر فقال : { ياأيها الناس قَدْ جَآءَكُمُ الرسول بالحق مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْراً لَّكُمْ } .
أى : يأيها المكلفون من الناس جميعا ، قد جاءكم الرسول المشهود له بالصدق فى رسالته ، بالهدى ودين الحق من ربكم ، فآمنوا به وصدقوا وأطيعوه ، يكن إيمانكم خيرا لكم فى الدنيا والآخرة .
فالخطاب فى الآية الكريمة للناس أجمعين ، سواء أكان عربيا أم غير عربى أبيض أم أسود ، بعيدا أم قريبا .
. . لأنه رسالته صلى الله عليه وسلم عامة وشاملة للناس جميعا .
والمراد بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم فأل فيه للعهد : وإيراده بعنوان الرسالة لتأكيد وجوب طاعته .
وقوله : { بالحق } متعلق بمحذوف على أنه حال من الرسول . أى : جاءكم الرسول ملتبسا بالحق الذى لا يحوم حوله باطل .
وقوله : { مِن رَّبِّكُمْ } متعلق بمحذف على أنه حال أيضا من الحق . أو متعلق بجاء . أى : جاءكم من عند الله - تعالى - وليس متقولا .
ويرى بعضهم أن قوله { خَيْراً } خبر لكان المحذوفة مع اسمها ، أى : فآمنوا به يكن إيمانكم خيرا لكم .
ويرى آخرون أنه صفة لمصدر محذوف . أى : فآمنوا إيمانا خيرا لكم . وهى صفة مؤكدة على حد أمس الدابر لا يعود ، لأن الإِيمان لا يكون إلا خيراً .
فأنت ترى أن هذه الجملة الكريمة قد حضت الناس على الإِيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم لأنه لم يجئهم بشئ باطل وإنما جاءهم بالحق الثابت الموافق لفطرة البشر أجمعين ، ولأنه لم يجئهم بما جاءهم به من عند نفسه وإنما جاءهم بما جاءهم به من عند الله - تعالى - ولأنه لم يجئهم بما يفضى بهم إلى الشرور والآثام ، وإنما جاءهم بما يوصلهم إلى السعادة فى الدنيا وإلى الفوز برضا الله فى الآخرة .
تلك هى عاقبة المؤمنين ، أما عاقبة الكافرين فقد حذر - سبحانه - منها بقوله : { وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ للَّهِ مَا فِي السماوات والأرض وَكَانَ الله عَلِيماً حَكِيماً } .
أى : وإن تكفروا - أيها الناس - فلن يضر الله كفركم ، فإنه - سبحانه - له ما فى السماوات والأرض خلقا وملكا وتصرفا ، وكان الله - تعالى - عليما علما تاما بأحوال خلقه ، حكيما فى جميع أفعاله وتدبيراته .
وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد توعدت الكافرين بسوء المصير ، وحضت الناس على الدخول فى زمرة المؤمنين ، وحذرتهم من الكفر حتى ينجوا يوم القيامة من عذاب السعير .
{ يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم } لما قرر أمر النبوة وبين الطريق الموصل إلى العلم بها ووعيد من أنكرها ، خاطب الناس عامة بالدعوة وإلزام الحجة والوعد بالإجابة والوعيد على الرد . { فآمنوا خيرا لكم } أي إيمانا خيرا لكم أو ائتوا أمرا خيرا لكم مما أنتم عليه . وقيل تقديره يكن الإيمان خيرا لكم ومنعه البصريون لأن كان لا يحذف مع اسمه إلا فيما لا بد منه ولأنه يؤدي إلى الشرط وجوابه . { وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات والأرض } يعني وإن تكفروا فهو غني عنكم لا يتضرر بكفركم كما لا ينتفع بإيمانكم ، ونبه على غناه بقوله : { لله ما في السماوات والأرض } وهو يعم ما اشتملتا عليه وما ركبتا منه . { وكان الله عليما } بأحوالهم . { حكيما } فيما دبر لهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.