تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَرِّضِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ عَلَى ٱلۡقِتَالِۚ إِن يَكُن مِّنكُمۡ عِشۡرُونَ صَٰبِرُونَ يَغۡلِبُواْ مِاْئَتَيۡنِۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّاْئَةٞ يَغۡلِبُوٓاْ أَلۡفٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَفۡقَهُونَ} (65)

{ 65 - 66 ْ } { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ * الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ْ }

يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ْ } أي : حثهم وأنهضهم إليه بكل ما يقوي عزائمهم وينشط هممهم ، من الترغيب في الجهاد ومقارعة الأعداء ، والترهيب من ضد ذلك ، وذكر فضائل الشجاعة والصبر ، وما يترتب على ذلك من خير في الدنيا والآخرة ، وذكر مضار الجبن ، وأنه من الأخلاق الرذيلة المنقصة للدين والمروءة ، وأن الشجاعة بالمؤمنين أولى من غيرهم { إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ْ }

{ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ ْ } أيها المؤمنون { عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ْ } يكون الواحد بنسبة عشرة من الكفار ، . وذلك بأن الكفار { قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ ْ } أي : لا علم عندهم بما أعد اللّه للمجاهدين في سبيله ، فهم يقاتلون لأجل العلو في الأرض والفساد فيها ، . وأنتم تفقهون المقصود من القتال ، أنه لإعلاء كلمة اللّه وإظهار دينه ، والذب عن كتاب اللّه ، وحصول الفوز الأكبر عند اللّه ، . وهذه كلها دواع للشجاعة والصبر والإقدام على القتال .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَرِّضِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ عَلَى ٱلۡقِتَالِۚ إِن يَكُن مِّنكُمۡ عِشۡرُونَ صَٰبِرُونَ يَغۡلِبُواْ مِاْئَتَيۡنِۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّاْئَةٞ يَغۡلِبُوٓاْ أَلۡفٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَفۡقَهُونَ} (65)

ثم أمر الله - تعالى - نبيه - صلى الله عليه وسلم - بتحريض المؤمنين على القتال من أجل إعلاء كلمة الحق ، فقال - تعالى - : { ياأيها النبي حَرِّضِ المؤمنين عَلَى القتال . . . } .

وقوله : { حَرِّضِ } من التحريض بمعنى الحق على الشئ بكثرة التزيين له ، وتسهيل اللأمر فيه حتى تقدم عليه النفس برغبة وحماس .

قال الراغب : الحرض ما لا يعتد به ولا خير فيه ، ولذلك يقال لمن أشرف على الهلاك حرض . قال - تعالى - { حتى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الهالكين . . . } .

والتحريض : الحث على الشئ . . فكأنه في الأصل إزالة الحرض نحو حرضته وقذيته أى : أزلت عنه الحرض والقذى .

.

والمعنى : يأيها النبى بالغ في حث المؤمنين وإحمائهم على القتال بصبر وجلد ، من أجل إحقاق الحق وإبطال الباطل .

ولهذا " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحرض أصحابه على القتال عند وصفهم ومواجهة الأعداء كما قال لأصحابه يوم بدر حين أقبل المشركون في عددهم وعددهم : " قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض " . فقال عمير بن الحمام : عرضها السماوات والأرض ؟ فقال رسول الله : نعم فقال عمير : بخ بخ فقال - صلى الله عليه وسلم - : " ما يحملك على قولك بخ بخ " ؟ قال : رجاء أن أكون من أهلها ، قال - صلى الله عليه وسلم - " فإنك من أهلها " فتقدم الرجل فكسر جفن سيفه وأخرج تمرات فجعل يأكل منهن " ثم ألقى بقيتهن من يده وقال : لئن أنا حييت حتى آكلهن ، إنها لحياة طويلة ، ثم تقدم فقاتل حتى قتل - رضى الله عنه - " .

وقوله : { إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ يغلبوا أَلْفاً مِّنَ الذين كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ } بشارة من الله - تعالى - للمؤمنين ووعد لهم بالظفر على أعدائهم .

أى : قابلوا - أيها المؤمنون أعداءكم بقوة وإقدام ، فإنكم إن يوجد منكم عشرون رجلاً صابروا يغلبوا - بسبب إيمانهم وصبرهم - مائتين من الكافرين ، وإن يوجد منكم مائة يغلبوا ألفاً منهم ، وذلك بسبب أن هؤلاء الكافرين قوم جهلة بحقوق الله - تعالى - وبما يجب عليهم نحوه .

فهم - كما يقول صاحب الكشاف - : " يقاتلون على غير احتساب وطلب ثواب كالبهائم " فيقل ثباتهم . ويعدمون لجهلهم بالله نصرته ، ويستحقون الخذلان . بخلاف من يقاتل على بصيرة ومعه يستوجب به النصر والإِظهار من الله - تعالى .

وقال صاحب المنار : والآية تدل على أن من شأن المؤمنين أن يكونوا أعلم من الكافرين وأفقه منهم بكل علم وفن يتعلق بحياة البشر وإرتقاء الأمم . وأن حرمان الكفار من هذا العلم هو السب في كون المائة منهم دون العشرة من المؤمنين الصابرين . .

وهكذا كان المؤمنون في قرونهم الأولى . . أما الآن فقد أصبح المسلمون غافلين عن هذه المعانى الجليلة ، فزال مجدهم . .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَرِّضِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ عَلَى ٱلۡقِتَالِۚ إِن يَكُن مِّنكُمۡ عِشۡرُونَ صَٰبِرُونَ يَغۡلِبُواْ مِاْئَتَيۡنِۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّاْئَةٞ يَغۡلِبُوٓاْ أَلۡفٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَفۡقَهُونَ} (65)

{ يا أيها النبي حرّض المؤمنين على القتال } بالغ في حثهم عليه ، وأصله الحرض وهو أن ينهكه المرض حتى يشفى على الموت وقرئ " حرص " من الحرص . { إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا } شرط في معنى الأمر بمصابرة الواحد للعشرة ، والوعد بأنهم إن صبروا غلبوا بعون الله وتأييده . وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر تكن بالتاء في الآيتين ووافقهم البصريان في { وإن يكن منكم مائة } . { بأنهم قوم لا يفقهون } بسبب أنهم جهلة بالله واليوم الآخر لا يثبتون ثبات المؤمنين رجاء الثواب وعوالي الدرجات قَتَلوا أو قُتِلُوا ولا يستحقون من الله إلا الهوان والخذلان .