الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَرِّضِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ عَلَى ٱلۡقِتَالِۚ إِن يَكُن مِّنكُمۡ عِشۡرُونَ صَٰبِرُونَ يَغۡلِبُواْ مِاْئَتَيۡنِۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّاْئَةٞ يَغۡلِبُوٓاْ أَلۡفٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَفۡقَهُونَ} (65)

وقوله سبحانه : { يا أيها النبي حَرِّضِ المؤمنين عَلَى القتال } [ الأنفال : 65 ] .

{ حَرِّضِ المؤمنين } ، أي : حُثَّهم وحُضَّهم ، وقوله سبحانه : { إِن يَكُن مِّنكُمْ } إلى آخر الآية ، لفظُ خبرٍ ، مضمَّنه وعدٌ بشرط ؛ لأن قوله : { إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صابرون } ، بمنزلة أنْ يقال : إِنْ يَصْبِرْ منكم عشرون يغلبوا ، وفي ضمنه الأمر بالصَّبر ، قال الفخر : وحَسُنَ هذا التكليفُ لما كان مسبوقاً بقوله : { حَسْبُكَ الله وَمَنِ اتبعك مِنَ المؤمنين } [ الأنفال : 64 ] . فلمَّا وعد اللَّه المؤمنين بالكِفَايَة والنصرِ ، كان هذا التكليفُ سَهْلاً ؛ لأن مَنْ تكلَّف اللَّه بنصره ، فإِن أَهْلَ العَالَمِ لاَ يَقْدِرُونَ عَلَى إيذَاءِهِ انتهى .

وتظاهرت الرواياتُ عن ابن عبَّاس وغيره من الصحابة ؛ بأنَّ ثبوت الواحدِ للعَشَرةِ ، كان فرضاً على المؤمنين ، ثم لمَّا شَقَّ ذلك عليهم ، حَطَّ اللَّه الفَرْضَ إِلى ثبوتِ الواحِدِ للاثنَيْنِ ، وهذا هو نَسْخُ الأَثْقَلِ بالأَخَفِّ ، وقوله : { لاَّ يَفْقَهُونَ } [ الأنفال : 65 ] معناه : لا يفهمون مراشِدَهم ، ولا مَقْصِدَ قتالهم ، لا يريدون به إِلا الغلبةَ الدنيويَّة ، فهم يخافُونَ المَوْت ؛ إِذا صُبَر لهم ، ومَنْ يقاتلْ ؛ ليَغْلِبَ ، أَو يُسْتشهد ، فيصير إِلى الجنة ، أثبَتُ قدماً لا محالة ،