تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَرِّضِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ عَلَى ٱلۡقِتَالِۚ إِن يَكُن مِّنكُمۡ عِشۡرُونَ صَٰبِرُونَ يَغۡلِبُواْ مِاْئَتَيۡنِۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّاْئَةٞ يَغۡلِبُوٓاْ أَلۡفٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَفۡقَهُونَ} (65)

وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ) التحريض على القتال يكون بوجهين :

أحدهما : أن يعد لهم من المنافع في الدنيا ، ويطمع لهم ذلك من نحو ما جاء من التنفيل أن من فعل كذا فإنه كذا ، أو يعد لهم المنافع في الآخرة كقوله : ( إن الله اشترى من المؤمنين )الآية[ التوبة : 111 ] وما ذكر من الثواب في الآخرة بالنفقة لهم في الدنيا والآخرة ووعد النصر لهم .

والثاني : يكون التحريض بضرر يلحق أولئك ولكنه لا تصل إليهم كقوله : ( ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم ) إلى قوله : ( قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ) ( ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء )[ التوبة : 13و14و15 ] .

جمع الله عز وجل في هذه الآية جميع أنواع الخير الذي يكون في القتال مع العدو ومن وعد النصر للمؤمنين عليهم وإدخال السرور في صدورهم ونفي الخوف عنهم وتعذيب أولئك بأيديهم . وفيه إغراء على العدو بقوله : ( إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا ) فذلك كله يحرض على القتال ، ويرغبهم في الحرب مع العدو ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ( إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا )الآية اختلف في معنى هذا . قال بعضهم : قوله : ( إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا ) كذا على الأمر ؛ كأنه قال : ليكن منكم عشرون صابرون يغلبوا كذا ؛ أمر العشرة القيام لئمة ، وقال : دليله أنه على الأمر قوله : ( آلان خفف الله عنكم )[ الأنفال : 66 ] ولو لم يكن على الأمر والعزيمة لم يكن لذكر التخفيف معنى .

وقال آخرون : هو على الوعد[ في الأصل وم : الوعيد ] أنهم إذا صبروا ، وثبتوا لعدوهم ، غلبوا عدوهم على ما أخبر ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله )[ البقرة : 249 ] ليس على الأمر لأنه قال ( إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين ) أخبر أنهم إذا صبروا غلبوهم ، وهو كذلك . والله أعلم ، إذ ظاهره وعد وخبر . والأشبه أن يكون على الأمر ، ليس على الخبر على ما ذكرنا من قوله : ( آلان خفف الله عنكم )[ الأنفال : 66 ] .

وقوله تعالى : ( بأنهم قوم لا يفقهون ) ما لهم ، وما عليهم .