تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَعُرِضُواْ عَلَىٰ رَبِّكَ صَفّٗا لَّقَدۡ جِئۡتُمُونَا كَمَا خَلَقۡنَٰكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةِۭۚ بَلۡ زَعَمۡتُمۡ أَلَّن نَّجۡعَلَ لَكُم مَّوۡعِدٗا} (48)

فيعرضون عليه صفا ليستعرضهم وينظر في أعمالهم ، ويحكم فيهم بحكمه العدل ، الذي لا جور فيه ولا ظلم ، ويقول لهم : { لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة } أي : بلا مال ، ولا أهل ، ولا عشيرة ، ما معهم إلا الأعمال ، التي عملوها ، والمكاسب في الخير والشر ، التي كسبوها كما قال تعالى : { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ } وقال هنا ، مخاطبا للمنكرين للبعث ، وقد شاهدوه عيانا : { بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا } أي : أنكرتم الجزاء على الأعمال ، ووعد الله ووعيده ، فها قد رأيتموه وذقتموه ،

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَعُرِضُواْ عَلَىٰ رَبِّكَ صَفّٗا لَّقَدۡ جِئۡتُمُونَا كَمَا خَلَقۡنَٰكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةِۭۚ بَلۡ زَعَمۡتُمۡ أَلَّن نَّجۡعَلَ لَكُم مَّوۡعِدٗا} (48)

ثم تذكر السورة الكريمة حالة رابعة من أهوال يوم القيامة ، هى حالة العرض بعد حالة الجمع فتقول : { وَعُرِضُواْ على رَبِّكَ صَفَّاً } .

أى : وأحضروا جميعا إلى ربك مصفوفين فى صف واحد أو فى صفوف متعددة ، ليقضى فيهم - سبحانه - بقضائه العادل .

قال الآلوسى : أخرج ابن منده فى التوحيد عن معاذ بن جبل ، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله - تعالى - ينادى يوم القيامة ، يا عبادى : أنا الله لا إله إلا أنا أرحم الراحمين . وأحكم الحاكمين ، وأسرع الحاسبين . أحضروا حجتكم ويسروا جوابكم . فإنكم مسئولون محاسبون . يا ملائكتى أقيموا عبادى صفوفا على أطراف أنامل أقدامهم للحساب " .

وفى الحديث الصحيح : " يجمع الله - تعالى - الأولين والآخرين فى صعيد واحد صفوفا يسمعهم الداعى وينفذهم البصر . . " .

وقوله - سبحانه - : { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فرادى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ . . } مقول لقول محذوف ، وجملة { كما خلقناكم } نعت لمصدر محذوف .

والمعنى : ونقول لمنكرى البعث والحساب بعد عرضهم علينا على سبيل التوبيخ والتأنيب : لقد جئتمونا - أيها المكذبون - مجيئا كائنا كمجيئكم عند خلقنا إياكم أول مرة . أى حفاة عراة لا مال معكم ولا ولد .

وعبر - سبحانه - بالماضى فى قوله : { لقد جئتمونا . . } لتحقق الوقوع وتنزيله منزلة الواقع بالفعل .

وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فرادى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نرى مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ الذين زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَآءُ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } ثم ختم - سبحانه - الآية بالانتقال من توبيخهم هذا إلى توبيخ أشد وأقسى فقال : { بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِداً } .

أى : بل زعمتم أيها المكذبون بالبعث - أن لن نجعل لكم زمانا أو مكانا نجازيكم فيه على أعمالكم ، وأنكرتم إنكاراً مصحوبا بقسم أننا لا نبعث من يموت .

قال - تعالى - : { وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ الله مَن يَمُوتُ بلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَعُرِضُواْ عَلَىٰ رَبِّكَ صَفّٗا لَّقَدۡ جِئۡتُمُونَا كَمَا خَلَقۡنَٰكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةِۭۚ بَلۡ زَعَمۡتُمۡ أَلَّن نَّجۡعَلَ لَكُم مَّوۡعِدٗا} (48)

وقوله : { وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا } يحتمل أن يكون المراد : أن جميع الخلائق يقومون بين يدي الله صفًا واحدًا ، كما قال تعالى : { يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا } [ النبأ : 38 ] ويحتمل أنهم يقومون{[18235]} صفوفًا صفوفا ، كما قال : { وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا } [ الفجر : 22 ]

وقوله : { لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } هذا تقريع للمنكرين للمعاد ، وتوبيخ لهم على رءوس الأشهاد ؛ ولهذا قال مخاطبا لهم : { بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا } أي : ما كان ظنكم أن هذا واقع بكم ، ولا أن هذا كائن .


[18235]:في ف، أ: "أن يقوموا".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَعُرِضُواْ عَلَىٰ رَبِّكَ صَفّٗا لَّقَدۡ جِئۡتُمُونَا كَمَا خَلَقۡنَٰكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةِۭۚ بَلۡ زَعَمۡتُمۡ أَلَّن نَّجۡعَلَ لَكُم مَّوۡعِدٗا} (48)

وقوله { صفاً } إفراد نزل منزلة الجمع ، أي صفوفاً ، وفي الحديث الصحيح يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد صفوفاً يسمعهم الداعي وينفدهم البصر ، الحديث{[7819]} بطوله ، وفي حديث آخر «أهل الجنة يوم القيامة مائة وعشرون صفاً ، أنتم منها ثمانون صفاً »{[7820]} ، وقوله تعالى : { لقد جئتمونا } إلى آخر الآية مقاولة للكفار المنكرين{[7821]} للبعث ، ومضمنها التقريع والتوبيخ ، والمؤمنون المعتقدون في الدنيا أنهم يبعثون يوم القيامة ، لا تكون لهم هذه المخاطبة بوجه وفي الكلام حذف ويقتضيه القول ويحسنه الإيجاز تقديره : يقال للكفرة منهم ، { كما خلقناكم أول مرة } يفسره قول النبي صلى الله عليه وسلم إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غرلاً { كما بدأنا أول خلق نعيده }{[7822]} [ الأنبياء : 104 ] .


[7819]:أخرجه البخاري في الأنبياء، وتفسير سورة الإسراء، ومسلم في الإيمان والبر، والترمذي في القيامة ، والدارمي في الرقاق، وأحمد في مسنده، وهو حديث طويل، عن أبي هريرة، ولفظه كما في البخاري في تفسير سورة الإسراء، قال: (أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بلحم فرفع إليه الذراع ـ وكانت تعجبه ـ فنهس منها نهسة ثم قال: أنا سيد الناس يوم القيامة، وهل تدرون مم ذلك؟ يجمع الناس الأولين والآخرين في صعيد واحد، يسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، وتدنو الشمس، فيبلغ الناس من الغم والكرب مالا يطيقون ولا يحتملون، فيقول الناس: ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟...) وهو حديث طويل عن الشفاعة يوم القيامة.
[7820]:أخرجه ابن ماجه في الزهد، والترمذي في الجنة، والدارمي في الرقاق، وأحمد في مسنده (1ـ453)، ولفظه كما جاء في المسند، عن ابن مسعود، قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف أنتم وربع أهل الجنة، لكم ربعها ولسائر الناس ثلاثة أرباعها، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فكيف أنتم وثلثها؟ قالوا: فذاك أكثر، فقال: فكيف أنتم والشطر؟ قالوا: فذلك أكثر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أهل الجنة يوم القيامة عشرون ومائة صف، أنتم منها ثمانون صفا).
[7821]:في بعض النسخ: "مقاولة للكفار المنكرين".
[7822]:أخرجه مسلم في الجنة، والبخاري في التفسير والأنبياء، والترمذي في القيامة والتفسير، والنسائي في الجنائز، وأحمد في مسنده (1ـ223، 229)، ولفظه كما في مسلم، عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا)، قلت: يا رسول الله الرجال و النساء ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال: (يا عائشة، الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض)، ومعنى غرلا: غير مختونين. وقوله تعالى: {كما بدأنا أول خلق نعيده} من الآية (104) من سورة (الأنبياء).