{ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ } الذين عرفوا حقائق الأشياء ، ونظروا إلى باطن الدنيا ، حين نظر{[615]} أولئك إلى ظاهرها : { وَيْلَكُمْ } متوجعين مما تمنوا لأنفسهم ، راثين لحالهم ، منكرين لمقالهم : { ثَوَابُ اللَّهِ } العاجل ، من لذة العبادة ومحبته ، والإنابة إليه ، والإقبال عليه . والآجل من الجنة وما فيها ، مما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين { خَيْرٌ } من هذا الذي تمنيتم ورغبتم فيه ، فهذه حقيقة الأمر ، ولكن ما كل من يعلم ذلك يؤثر الأعلى على الأدنى ، فما يُلَقَّى ذلك ويوفق له { إِلَّا الصَّابِرُونَ } الذين حبسوا أنفسهم على طاعة اللّه ، وعن معصيته ، وعلى أقداره المؤلمة ، وصبروا على جواذب الدنيا وشهواتها ، أن تشغلهم عن ربهم ، وأن تحول بينهم وبين ما خلقوا له ، فهؤلاء الذين يؤثرون ثواب اللّه على الدنيا الفانية .
أما الفريق الثانى المتمثل فى أصحاب الإيمان القوى ، والعلم النافع ، فقد قابلوا أصحاب هذا القول بالزجر والتعنيف ، وقد حكى القرآن ذلك عنهم فقال : { وَقَالَ الذين أُوتُواْ العلم وَيْلَكُمْ ثَوَابُ الله خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلاَ يُلَقَّاهَآ إِلاَّ الصابرون } .
وكلمة { وَيْلَكُمْ } أصلها الدعاء بالهلاك ، وهى منصوبة بمقدر . أى : ألزمكم الله الويل .
ثم استعملت فى الزجر والتعنيف والحض على ترك ما هو قبيح ، وهذا الاستعمال هو المراد هنا .
أى : وقال الذين أوتوا العلم النافع من قوم قارون . لمن يريدون الحياة الدنيا : كفوا عن قولكم هذا ، واتركوا الرغبة فى أن تكونوا مثله ، فإن { ثَوَابُ الله } فى الاخرة { خَيْرٌ } مما تمنيتموه ، وهذا الثواب إنما هو { لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً } فلا تتمنوا عرض الدنيا الزائل .
وهذه الثوبة العظمة التى أعدها الله - تعالى - لمن آمن وعمل صالحا { وَلاَ يُلَقَّاهَآ } أى : لا يظفر بها ، ولا يوفق للعمل لها { إِلاَّ الصابرون } على طاعة الله - تعالى - وعلى ترك المعاصى والشهوات .
قال صاحب الكشاف : والراجع فى { وَلاَ يُلَقَّاهَآ } للكلمة التى تكلم بها العلماء ، أو للثواب ، لأه فى معنى المثوبة أو الجن أو للسيرة والطريقة وهى الإيمان والعمل الصالح .
فلما سمع مقالتهم أهل العلم النافع قالوا لهم : { وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا }أي : جزاء الله لعباده المؤمنين الصالحين في الدار الآخرة خير مما ترون .
[ كما في الحديث الصحيح : يقول الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، واقرؤوا إن شئتم : { فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }{[22414]} [ السجدة : 17 ] {[22415]} .
وقوله : { وَلا يُلَقَّاهَا إِلا الصَّابِرُونَ } : قال السدي : وما يلقى الجنة{[22416]} إلا الصابرون . كأنه جعل ذلك من تمام كلام الذين أوتوا العلم . قال ابن جرير : وما يلقى{[22417]} هذه الكلمة إلا الصابرون عن محبة الدنيا ، الراغبون في الدار الآخرة . وكأنه جعل ذلك مقطوعًا من كلام أولئك ، وجعله من كلام الله عز وجل وإخباره بذلك .
{ وقال الذين أوتوا العلم } بأحوال الآخرة للمتمنين . { ويلكم } دعاء بالهلاك استعمل للزجر عما لا يرتضى . { ثواب الله } في الآخرة . { خير لمن آمن وعمل صالحا } مما أوتي قارون بل من الدنيا وما فيها . { ولا يلقاها } الضمير فيه للكلمة التي تكلم بها العلماء أو لل{ ثواب } ، فإنه معنى المثوبة أو الجنة أو للإيمان والعمل الصالح فإنهما في معنى السيرة والطريقة . { إلا الصابرون } على الطاعات وعن المعاصي .
أخبر الله تعالى عن { الذين أوتوا العلم } والمعرفة بالله تعالى وبحق طاعته والإيمان به أنهم زجروا الأغمار الذين تمنوا حال قارون وحملوهم على الطريقة المثلى من أن النظر والتمني إنما ينبغي أن يكون في أمر الآخرة ، وأن حالة المؤمن العامل الذي ينتظر { ثواب الله } تعالى { خير } من حال كل ذي دنيا ، ثم أخبر تعالى عن هذه النزعة وهذه القوة في الخير والدين أنها لا يلقاها أي يمكن فيها ويخولها إلا الصابر على طاعة الله وعن شهوات نفسه ، وهذا هو جماع الخير كله ، والضمير من { يلقاها } عائد على ما لم يتقدم له ذكر من حيث الكلام دال عليه ، فذلك يجري مجرى { توارت بالحجاب }{[9187]} [ ص : 32 ] و { كل من عليها فان }{[9188]} [ الرحمن : 26 ] وقال الطبري الضمير عائد على الكلمة قوله { ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحاً } أي لا يلقى هذه الكلمة { إلا الصابرون } وعنهم تصدر .
{ وَقَالَ الذين أُوتُواْ العلم وَيْلَكُمْ ثَوَابُ الله خَيْرٌ لِّمَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ صالحا }
عطف على جملة { قال الذين يريدون الحياة الدنيا } [ القصص : 79 ] فهي مشاركة لها في معناها لأن ما تشتمل عليه خرجة قارون ما تدل عليه ملامحه من فتنة ببهرجته وبزته دالة على قلة اعتداده بثواب الله وعلى تمحضه للإقبال على لذائذ الدنيا ومفاخرها الباطلة ففي كلام { الذين أوتوا العلم } تنبيه على ذلك وإزالة لما تستجلبه حالة قارون من نفوس المبتلين بزخارف الدنيا .
و ( ويل ) اسم للهلاك وسوء الحال ، وتقدم الكلام عليه عند قوله تعالى { فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم } في سورة البقرة ( 79 ) . ويستعمل لفظ ( ويل ) في التعجب المشوب بالزجر ، فليس { الذين أوتوا العلم } داعين بالويل على الذين يريدون الحياة الدنيا لأن المناسب لمقام الموعظة لين الخطاب ليكون أعون على الاتعاظ ، ولكنهم يتعجبون من تعلق نفوس أولئك بزينة الحياة الدنيا واغتباطهم بحال قارون دون اهتمام بثواب الله الذي يستطيعون تحصيله بالإقبال على العمل بالدين والعمل النافع وهم يعلمون أن قارون غير متخلق بالفضائل الدينية .
وتقديم المسند إليه في قوله { ثواب الله خير } ليتمكن الخبر في ذهن السامعين لأن الابتداء بما يدل على الثواب المضاف إلى أوسع الكرماء كرماً مما تستشرف إليه النفس .
وعدل عن الإضمار إلى الموصولية في قوله { لمن آمن وعمل صالحاً } دون : خير لكم ، لما في الإظهار من الإشارة إلى أن ثواب الله إنما يناله المؤمنون الذين يعملون الصالحات وأنه على حسب صحة الإيمان ووفرة العمل ، مع ما في الموصول من الشمول لمن كان منهم كذلك ولغيرهم ممن لم يحضر ذلك المقاموَعَمِلَ صالحا وَلاَ يُلَقَّاهَآ .
يجوز أن تكون الواو للعطف فهي من كلام { الذين أوتوا العلم } ، أمروا الذين فتنهم حال قارون بأن يصبروا على حرمانهم مما فيه قارون .
ويجوز أن تكون الواو اعتراضية والجملة معترضة من جانب الله تعالى علّم بها عباده فضيلة الصبر .
وضمير { يلقاها } عائد إلى مفهوم من الكلام يجري على التأنيث ، أي الخصلة وهي ثواب الله أو السيرة القويمة ، وهي سيرة الإيمان والعمل الصالح .
والتلقية : جعل الشيء لاقياً ، أي مجتمعاً مع شيء آخر . وتقدم عند قوله تعالى { ويلقون فيها تحية وسلاماً } في سورة الفرقان ( 75 ) . وهو مستعمل في الإعطاء على طريقة الاستعارة ، أي لا يعطى تلك الخصلة أو السيرة إلا الصابرون ؛ لأن الصبر وسيلة لنوال الأمور العظيمة لاحتياج السعي لها إلى تجلد لما يعرض في خلاله من مصاعب وعقبات كأداء فإن لم يكن المرء متخلقاً بالصبر خارت عزيمته فترك ذاك لذاك .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وقال الذين أوتوا العلم} بما وعد الله في الآخرة، للذين تمنوا مثل ما أعطي قارون {ويلكم ثواب الله خير لمن ءامن} يعني لمن صدق بتوحيد الله عز وجل {وعمل صالحا} خير مما أوتي قارون في الدنيا، {ولا يلقاها} يعني الأعمال الصالحة، يعني: ولا يؤتاها {إلا الصابرون}.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: وقال الذين أوتوا العلم بالله، حين رأوا قارون خارجا عليهم في زينته، للذين قالوا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون: ويلكم اتقوا الله وأطيعوه، فثواب الله وجزاؤه لمن آمن به وبرسله، وعمل بما جاءت به رسله من صالحات الأعمال في الآخرة، خير مما أوتي قارون من زينته وماله لقارون. وقوله:"وَلا يُلَقّاها إلاّ الصّابِرُونَ" يقول: ولا يلقاها: أي ولا يوفّق لقيل هذه الكلمة، وهي قوله: "ثَوَابُ اللّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وعَمِلَ صَالِحا "والهاء والألف كناية عن الكلمة. وقال: "إلاّ الصّابِرُونَ" يعني بذلك: الذين صبروا عن طلب زينة الحياة الدنيا، وآثروا ما عند الله من جزيل ثوابه على صالحات الأعمال على لذّات الدنيا وشهواتها، فجدّوا في طاعة الله، ورفضوا الحياة الدنيا.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{وقال الذين أوتوا العلم} أي أوتوا منافع العلم، ربما يؤتى أحد العلم ولا يؤتى من الانتفاع له به ما أوتي هؤلاء حين قالوا لأولئك {ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا}...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
ويلك: أصله الدعاء بالهلاك، ثم استعمل في الزجر والردع والبعث على ترك ما لا يرتضى... والراجع في {وَلاَ يُلَقَّاهَا} للكلمة التي تكلم بها العلماء. أو للثواب، لأنه في معنى المثوبة أو الجنة، أو للسيرة والطريقة، وهي الإيمان والعمل الصالح. {الصابرون} على الطاعات وعن الشهوات وعلى ما قسم الله من القليل عن الكثير...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
أخبر الله تعالى عن {الذين أوتوا العلم} والمعرفة بالله تعالى وبحق طاعته والإيمان به أنهم زجروا الأغمار الذين تمنوا حال قارون وحملوهم على الطريقة المثلى من أن النظر والتمني إنما ينبغي أن يكون في أمر الآخرة، وأن حالة المؤمن العامل الذي ينتظر {ثواب الله} تعالى {خير} من حال كل ذي دنيا، ثم أخبر تعالى عن هذه النزعة وهذه القوة في الخير والدين أنها لا يلقاها أي يمكَّن فيها ويخوَّلها إلا الصابر على طاعة الله وعن شهوات نفسه، وهذا هو جماع الخير كله.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ودل على جهلهم وفضل العلم الرباني وحقارة ما أوتي قارون من المال والعلم الظاهر الذي أدى إليه باتباعه قوله: {وقال الذين} وعظم الرغبة في العلم بالبناء للمفعول إشارة إلى أنه نافع بكل اعتبار وباعتبار الزهد، وبالتعبير عن أهل الزهد به فقال: {أوتوا العلم} أي من قومه، فشرفت أنفسُهم عن إرادة الدنيا علماً بفنائها، زجراً لمن تمنى مثل حاله، وشمراً إلى الآخرة لبقائها: {ويلكم} أي عجباً لكم، أو حل بكم الشر حلولاً، وأصل ويل، "وي "قال الفراء: جيء بلام الجر بعدها مفتوحة مع المضمر نحو وي لك، ووي له، أي عجباً لك وله، ثم خلط اللام بوي لكثرة الاستعمال حتى صارت كلام الكلمة فصار معرباً بإتمامه ثلاثياً، فجاز أن يدخل بعدها لام أخرى في نحو ويلاً لك، لصيرورة الأول لام الكلمة، ثم نقل إلى باب المبتدأ فقيل: ويل لك، وهو باق على ما كان عليه في حال النصب إذ الأصل في ويل لك: هلكت ويلاً، أي هلاكاً فرفعوه بعد حذف الفعل نفضاً لغبار الحدوث، وقيل: أصل ويل الدعاء بالهلاك، ثم استعمل في الزجر والردع والبعث على ترك ما لا يرتضى كما استعمل لا أبا لك -وأصله الدعاء على الرجل- في الحث على الفعل، فكأنهم قالوا: ما لنا يحل بنا الويل؟ فأخبروهم بما ينبغي معرضين عما استحقوا به الويل من التمني، تحقيراً لما استفزهم حتى قالوه فقالوا: {ثواب الله} أي الجليل العظيم {خير} أي من هذا الحطام، ومن فاته الخير حل به الويل؛ ثم بينوا مستحقه تعظيماً له وترغيباً للسامع في حاله فقالوا: {لمن آمن وعمل} أي تصديقاً لإيمانه {صالحاً} ثم بين سبحانه عظمة هذه النصيحة وعلو قدرها بقوله مؤكداً لأن أهل الدنيا ينكرون كونهم غير صابرين: {ولا يلقاها} أي لا يجعل لاقياً لهذا الكلمات أو النصيحة التي قالها أهل العلم، أي عاملاً بها {إلا الصابرون} أي على قضاء ربهم في السراء والضراء، والحاملون أنفسهم على الطاعات الذين صار الصبر لهم خلقاً، وعبر بالجمع ترغيباً في التعاون إشارة إلى أن الدين لصعوبته لا يستقل به الواحد.
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :
{وَقَالَ الذين أُوتُواْ العلم} أي بأحوالِ الدُّنيا والآخرةِ كَما ينبغي وإنَّما لم يُوصفوا بإرادةِ ثوابِ الآخرةِ تنبيهاً على أنَّ العلَمِ بأحوال النَّشأتينِ يقتضِي الإعراضَ عنِ الأُولى والإقبالَ على الثَّانيةِ حتماً وأنَّ تمنِّي المتمنين ليس إلا لعدمِ علمِهم بهما كما ينبغِي.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
{وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} الذين عرفوا حقائق الأشياء، ونظروا إلى باطن الدنيا، حين نظر أولئك إلى ظاهرها: {وَيْلَكُمْ} متوجعين مما تمنوا لأنفسهم، راثين لحالهم، منكرين لمقالهم: {ثَوَابُ اللَّهِ} العاجل، من لذة العبادة ومحبته، والإنابة إليه، والإقبال عليه. والآجل من الجنة وما فيها، مما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين {خَيْرٌ} من هذا الذي تمنيتم ورغبتم فيه، فهذه حقيقة الأمر، ولكن ما كل من يعلم ذلك يؤثر الأعلى على الأدنى، فما يُلَقَّى ذلك ويوفق له {إِلَّا الصَّابِرُونَ}.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
فأما المتصلون بالله فلهم ميزان آخر يقيم الحياة، وفي نفوسهم قيم أخرى غير قيم المال والزينة والمتاع. وهم أعلى نفسا، وأكبر قلبا من أن يتهاووا ويتصاغروا أمام قيم الأرض جميعا. ولهم من استعلائهم بالله عاصم من التخاذل أمام جاه العباد. وهؤلاء هم "الذين أوتوا العلم". العلم الصحيح الذي يقومون به الحياة حق التقويم:
"وقال الذين أوتوا العلم: ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا، ولا يلقاها إلا الصابرون".
ثواب الله خير من هذه الزينة، وما عند الله خير مما عند قارون. والشعور على هذا النحو درجة رفيعة لا يلقاها إلى الصابرون.. الصابرون على معايير الناس ومقاييسهم. الصابرون على فتنة الحياة وإغرائها. الصابرون على الحرمان مما يتشهاه الكثيرون. وعندما يعلم الله منهم الصبر كذلك يرفعهم إلى تلك الدرجة. درجة الاستعلاء على كل ما في الأرض، والتطلع إلى ثواب الله في رضى وثقة واطمئنان.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
{وَقَالَ الذين أُوتُواْ العلم وَيْلَكُمْ ثَوَابُ الله خَيْرٌ لِّمَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ صالحا} عطف على جملة {قال الذين يريدون الحياة الدنيا} فهي مشاركة لها في معناها لأن ما تشتمل عليه خرجة قارون ما تدل عليه ملامحه من فتنة ببهرجته وبزته دالة على قلة اعتداده بثواب الله وعلى تمحضه للإقبال على لذائذ الدنيا ومفاخرها الباطلة ففي كلام {الذين أوتوا العلم} تنبيه على ذلك وإزالة لما تستجلبه حالة قارون من نفوس المبتلين بزخارف الدنيا...
فليس {الذين أوتوا العلم} داعين بالويل على الذين يريدون الحياة الدنيا لأن المناسب لمقام الموعظة لين الخطاب ليكون أعون على الاتعاظ، ولكنهم يتعجبون من تعلق نفوس أولئك بزينة الحياة الدنيا واغتباطهم بحال قارون دون اهتمام بثواب الله الذي يستطيعون تحصيله بالإقبال على العمل بالدين والعمل النافع وهم يعلمون أن قارون غير متخلق بالفضائل الدينية..
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{وَلاَ يُلَقَّاهَآ إِلاَّ الصَّابِرُونَ} الذين يصبرون على نوازع أنفسهم وشهواتها وعلى تحديات الآخرين واستعراضاتهم، وعلى انتظار الغاية الباقية في أجواء الأوضاع الفانية، وعلى مرارة الآلام التي تصيبهم من خلال مواقفهم، وعلى قسوة الحياة الصعبة في مواقع رضى الله، وعلى مواجهة المسؤوليات الكبيرة من عمق الإرادة الإيمانية وصلابة العقيدة، لأن التحرك في مواجهة التيار القويّ المندفع، يحتاج إلى قوّة التحمُّل لتلقِّي ضربات التيار، والصابرون وحدهم هم الذين يواجهون تيارات الكفر والضلال والطغيان المندفعة إلى حياتهم لإبعادهم عن طريق الله.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
الطريف في الأمر أن القرآن عبّر عن الطائفة الأُولى بجملة (الذين يريدون الحياة الدنيا) لكنّه لم يعبر عن الطائفة الثّانية بأنّهم «الذين يريدون الحياة الآخرة» بل عبر عنهم ب (الذين أوتوا العلم) فحسب، لأنّ العلم هو أساس كل شيء وجذر الإيمان والاستقامة والعشق للثواب الإلهي والدار الآخرة.. كما أن التعبير ب (الذين أوتوا العلم) هو جواب دامغ ضمناً لقارون الذي يدّعي العلم، فالقرآن يريد أن يبيّن أن العلماء هم هؤلاء الذين لا يريدون الحياة الدنيا، أمّا أنت يا قارون فمغرور وطائش!. وهكذا نرى مرّة أُخرى أنّ أساس البركات والخيرات هو العلم الحقيقي.