تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لِيُنفِقۡ ذُو سَعَةٖ مِّن سَعَتِهِۦۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيۡهِ رِزۡقُهُۥ فَلۡيُنفِقۡ مِمَّآ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُۚ لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا مَآ ءَاتَىٰهَاۚ سَيَجۡعَلُ ٱللَّهُ بَعۡدَ عُسۡرٖ يُسۡرٗا} (7)

{ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ } أي : لينفق الغني من غناه ، فلا ينفق نفقة الفقراء .

{ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ } أي : ضيق عليه { فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ } من الرزق .

{ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا } وهذا مناسب للحكمة والرحمة الإلهية حيث جعل كلا بحسبه ، وخفف عن المعسر ، وأنه لا يكلفه إلا ما آتاه ، فلا يكلف الله نفسًا إلا وسعها ، في باب النفقة وغيرها . { سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا } وهذه بشارة للمعسرين ، أن الله تعالى سيزيل عنهم الشدة ، ويرفع عنهم المشقة ، { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لِيُنفِقۡ ذُو سَعَةٖ مِّن سَعَتِهِۦۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيۡهِ رِزۡقُهُۥ فَلۡيُنفِقۡ مِمَّآ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُۚ لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا مَآ ءَاتَىٰهَاۚ سَيَجۡعَلُ ٱللَّهُ بَعۡدَ عُسۡرٖ يُسۡرٗا} (7)

ثم رسم - سبحانه - لعباده المنهج الذى لو ابتعوه لعاشوا آمنين مطمئنين فقال : { لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ } .

والإنفاق : بذل المال فى المصالح المتنوعة التى أحلها الله - تعالى - ، كالمأكل والمشرب ، والملبس ، والمسكن ، وإعطاء كل ذى حق حقه . .

والسعة : البسطة فى المال والرزق .

أى : على كل من أعطاه الله - تعالى - سعة وبسطة فى المال والرزق ، أن ينفق مما أعطاه الله - تعالى - وأن لا يبخل ، فإن البخل صفة قبيحة ، ولا سيما فى الأغنياء .

فعيكم - أيها الآباء - أن تعطوا بسخاء كل من يستحقون العطاء ، وعلى رأسهم الأمهات لأولادكم ، اللائى يقمن بإرضاعهم بعد مفارقتكم لهن ، وأن لا تبخلوا عليهن فى أجرة الرضاع ، أو فى النفقة على الأولاد .

ثم قال - تعالى - : { وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّآ آتَاهُ الله . . } أى : ومن كان رزقه ضيقا وليس واسعا .

. . فلينفق على قدر ماله ورزقه وطاقته ، مما آتاه الله - تعالى - من رزق .

وقوله : { لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْساً إِلاَّ مَآ آتَاهَا . . } تعليل لما قبله ، أى : فلينفق كل إنسان على نفسه وعلى زوجه ، وعلى أولاده ، وعلى أقاربه ، وعلى غيرهم . على حسب حاله ، فإن كان موسرا أنفق على حسب يسره ، وإن كان معسرا أنفق على حسب عسره . . . لأن الله - تعالى - لا يكلف نفسا إلا بقدر ما أعطاها من طاقة أو رزق .

روى ابن جرير أن عمر بن الخطاب سأل عن أبى عبيدة فقيل له : إنه يلبس الغليظ من الثياب ، ويأكل الخشن من الطعام ، فبعث إليه بألف دينار ، وقال للرسول : انظر ماذا يصنع أذا أخذها : فلما أخذها ، ما لبث أن لبس ألين الثياب ، وأكل أطيب الطعام . . . فجاء الرسول فأخبره فقال عمر : رحم الله أبا عبيدة ، لقد عمل بهذه الآية : { لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّآ آتَاهُ الله . . } .

ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة ببشارة لمن يتبع أمره فقال : { سَيَجْعَلُ الله بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً } أى : سيجعل الله - تعالى - بفضله وإحسانه - اليسر بعد العسر ، والسعة بعد الضيق ، والغنى بعد الفقر . . لمن شاء من عباده ، لأنه - سبحانه - هو الذى يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ، وهو بعباده خبير بصير .

قال الإمام ابن كثير : وقد روى الإمام أحمد عن أبى هريرة قال : دخل رجل على أهله . فلما رأى ما بهم من الفاقة خرج إلى البرية ، لما رأت امرأته ذلك قامت إلى الرحى فوضعتها ، وإلى التنور فسجرته - أى أوقدته - ، ثم قالت : اللهم ارزقنا ، فنظرت ، فإذا الجفنة قد امتلأت . .

قال : وذهبت إلى التنور فوجدته ممتلئا ، قال : فرجع الزوج فقال لأهله : أأصبتم بعدى شيئا ؟ فقالت امرأته : نعم من ربنا . . .

فذكر الرجل ذلك للنبى - صلى الله عليه وسلم - فقال : أما إنه لو لم ترفعها ، لم تزل تدور إلى يوم القيامة . .

وبعد هذه التشريعات الحكيمة التى تتعلق بالطلاق وما يترتب عليه من آثار ، وبعد هذا التذكير المتكرر بوجوب تقوى الله - تعالى - والمحافظة على أداء تكاليفه ، وبعد هذا الوعظ والمثر فى قلوب الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر . . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{لِيُنفِقۡ ذُو سَعَةٖ مِّن سَعَتِهِۦۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيۡهِ رِزۡقُهُۥ فَلۡيُنفِقۡ مِمَّآ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُۚ لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا مَآ ءَاتَىٰهَاۚ سَيَجۡعَلُ ٱللَّهُ بَعۡدَ عُسۡرٖ يُسۡرٗا} (7)

وقوله : { لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ } أي : لينفق على المولود والده ، أو وليه ، بحسب قدرته ، { وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا } كقوله : { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا } [ البقرة : 286 ] .

روى ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا حَكَّام ، عن أبي سنان قال : سأل عمر بن الخطاب عن أبي عبيدة ، فقيل : إنه يلبس الغليظ من الثياب ، ويأكل أخشن الطعام ، فبعث إليه بألف دينار ، وقال للرسول : انظر ما يصنع بها إذا هو أخذها : فما لبث أن لبس اللين من الثياب ، وأكل أطيب الطعام ، فجاءه الرسول فأخبره ، فقال : رحمه الله ، تأول هذه الآية : { لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ }{[29001]}

وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني في معجمه الكبير : حدثنا هاشم بن مرثد الطبراني ، حدثنا محمد بن إسماعيل بن عياش ، أخبرني أبي ، أخبرني ضَمْضَم بن زُرْعَة ، عن شُرَيح بن عبيد ، عن أبي مالك الأشعري - واسمه الحارث - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة نفر ، كان لأحدهم عشرة دنانير ، فتصدق منها بدينار . وكان لآخر عشر أواق ، فتصدق منها بأوقية . وكان لآخر مائة أوقية ، فتصدق منها بعشر أواق " . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هم في الأجر سواء ، كل قد تصدق بعشر ماله ، قال الله تعالى : { لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ } {[29002]}

هذا حديث غريب من هذا الوجه .

وقوله : { سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا } وعد منه تعالى ، ووعده حق ، لا يخلفه ، وهذه كقوله تعالى : { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا } [ الشرح : 5 ، 6 ]

وقد روى الإمام أحمد حديثا يحسن أن نذكره ها هنا ، فقال : حدثنا هاشم بن القاسم ، حدثنا عبد الحميد بن بَهْرَام ، حدثنا شَهْر بن حَوْشَب قال : قال أبو هريرة : بينما رجل وامرأة له في السلف الخالي لا يقدران على شيء ، فجاء الرجل من سفره ، فدخل على امرأته جائعا قد أصاب{[29003]} مَسْغَبَةً شديدة ، فقال لامرأته : عندك شيء ؟ قالت : نعم ، أبشر ، أتاك رزق الله ، فاستحثها ، فقال : ويحك ! ابتغي إن كان عندك شيء . قالت نعم ، هُنَيهة - ترجو رحمة الله - حتى إذا طال عليه الطوى{[29004]} قال : ويحك ! قومي فابتغي إن كان عندك شيء فائتيني به ، فإني قد بُلغتُ وجَهِدتُ . فقال : نعم ، الآن يُنضح التنور فلا تعجل . فلما أن سكت عنها ساعة وتحيّنت أن يقول لها ، قالت من عند نفسها : لو قمتُ فنظرتُ إلى تنوري ؟ فقامَتْ فنظرَت إلى تَنورها ملآن من جنُوبَ الغنم ، ورَحييها تطحنَان . فقامت إلى الرحى فنَفضتها ، واستخرجت ما في تنورها من جنوب الغنم .

قال أبو هريرة : فوالذي نفس أبي القاسم بيده ، هو{[29005]} قول محمد صلى الله عليه وسلم : " لو أخذت ما في رَحييها ولم تنفضها لطحنتا إلى يوم القيامة " {[29006]}

وقال في موضع آخر : حدثنا أبو عامر ، حدثنا أبو بكر ، عن هشام ، عن محمد - وهو ابن سيرين - عن أبي هريرة قال : دخل رجل على أهله ، فلما رأى ما بهم من الحاجة خرج إلى البَرِيَّة ، فلما رأت امرأته قامت إلى الرحى فوضعتها ، وإلى التنور فسَجَرته ، ثم قالت : اللهم ارزقنا . فنظرت ، فإذا الجفنة قد امتلأت ، قال : وذهبت إلى التنور فوجدته ممتلئًا ، قال : فرجع الزوج قال : أصبتم بعدي شيئا ؟ قالت امرأته : نعم ، من ربنا . قام إلى الرحى ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أما إنه لو لم ترفعها ، لم تزل تدور إلى يوم القيامة " {[29007]}


[29001]:- (1) تفسير الطبري (28/96).
[29002]:- (1) المعجم الكبير (3/292) وفي إسناده ضعف وانقطاع كما تقدم مرارًا.
[29003]:- (2) في م، أ: "أصابته".
[29004]:- (3) في م: "الطول".
[29005]:- (4) في م: "عن".
[29006]:- (5) المسند (2/421).
[29007]:- (6) المسند (2/513).
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لِيُنفِقۡ ذُو سَعَةٖ مِّن سَعَتِهِۦۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيۡهِ رِزۡقُهُۥ فَلۡيُنفِقۡ مِمَّآ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُۚ لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا مَآ ءَاتَىٰهَاۚ سَيَجۡعَلُ ٱللَّهُ بَعۡدَ عُسۡرٖ يُسۡرٗا} (7)

لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله أي فلينفق كل من الموسر والمعسر ما بلغه وسعه لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها فإنه تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها وفيه تطييب لقلب المعسر ولذلك وعد له باليسر فقال سيجعل الله بعد عسر يسرا أي عاجلا وآجلا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لِيُنفِقۡ ذُو سَعَةٖ مِّن سَعَتِهِۦۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيۡهِ رِزۡقُهُۥ فَلۡيُنفِقۡ مِمَّآ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُۚ لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا مَآ ءَاتَىٰهَاۚ سَيَجۡعَلُ ٱللَّهُ بَعۡدَ عُسۡرٖ يُسۡرٗا} (7)

ثم حض تعالى أهل الجدة على الإنفاق وأهل الإقتار على التوسط بقدر حاله . وهذا هو العدل بينهم لئلا تضيع هي ولا يكلف هو ما لا يطيق . واختلف العلماء في الذي يعجز عن نفقة امرأته ، فقال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو هريرة وابن المسيب والحسن : يفرق بينهما ، وقال أصحاب الرأي وعمر بن عبد العزيز وجماعة : لا يفرق بينهما ، ثم رجى تعالى باليسر تسهيلاً على النفوس وتطييباً لها ، وقرأ الجمهور : «يعظم » بالياء ، وقرأ الأعمش : «نعظم » بالنون واختلف عنه{[11171]} .


[11171]:لاحظ أن هذا تأخر عن موضعه.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{لِيُنفِقۡ ذُو سَعَةٖ مِّن سَعَتِهِۦۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيۡهِ رِزۡقُهُۥ فَلۡيُنفِقۡ مِمَّآ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُۚ لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا مَآ ءَاتَىٰهَاۚ سَيَجۡعَلُ ٱللَّهُ بَعۡدَ عُسۡرٖ يُسۡرٗا} (7)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّا آتاهُ اللّهُ": يقول تعالى ذكره: لينفق الذي بانت منه امرأته إذا كان ذا سعة من المال، وغني من سعة ماله وغناه على امرأته البائنة في أجر رضاع ولده منها، وعلى ولده الصغير.

"وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ "يقول: ومن ضيق عليه رزقه فلم يوسع عليه، فلينفق مما أعطاه الله على قدر ماله، وما أعطى منه...

وقوله: "لا يُكَلّفُ اللّهُ نَفْسا إلاّ ما آتاها" يقول: لا يكلف الله أحدا من النفقة على من تلزمه نفقته بالقرابة والرحم إلا ما أعطاه، إن كان ذا سعة فمن سعته، وإن كان مقدورا عليه رزقه فمما رزقه الله على قدر طاقته، لا يُكلف الفقير نفقة الغنيّ، ولا أحدَ من خلقه إلا فرضه الذي أوجبه عليه...

يقول تعالى ذكره: "سَيَجْعَل اللّهُ" للمقلّ من المال المقدور عليه رزقه "بَعْدَ عُسْر يُسْرا" يقول: من بعد شدّة رخاء، ومن بعد ضيق سعة، ومن بعد فقر غنى.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها} فهو يدل على أن العباد ما اكتسبوا من الأموال، فهي كلها مما آتاهم الله تعالى...

يجوز أن يكون قوله: {سيجعل الله بعد عسر يسرا} وعدا لجميع الأمة: أن من ابتلي بالعسر يتبعه اليسر. ويجوز أن يكون خطابا لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كانوا في عسر وضيق عيش، فوعدهم الله بعد ذلك العسر الذي كانوا فيه يسرا. وقد أنجز الله تعالى الوعد حيث فتح لهم الفتوح، ونصرهم على أعدائهم وغنموا أموالهم، والله أعلم...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

إذا اتسع رزقُ العبد فعلى قَدْرِ المُكنَةِ يُطَالَبُ بالإعطاء والنفقة فمن قدر عليه رزقه -أي ضيِّق- فلينفق مما آتاه الله...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

ثم حض تعالى أهل الجدة على الإنفاق وأهل الإقتار على التوسط بقدر حاله. وهذا هو العدل بينهم لئلا تضيع هي ولا يكلف هو ما لا يطيق...

ثم رجى تعالى باليسر تسهيلاً على النفوس وتطييباً لها...

أحكام القرآن لابن العربي 543 هـ :

قَوْله تَعَالَى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ من سَعَتِهِ}: هَذَا يُفِيدُ أَنَّ النَّفَقَةَ لَيْسَتْ مُقَدَّرَةً شَرْعًا، وَإِنَّمَا تَتَقَدَّرُ عَادَةً بِحَسَبِ الْحَالَةِ من الْمُنْفِقِ وَالْحَالَةُ من الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ، فَتُقَدَّرُ بِالِاجْتِهَادِ عَلَى مَجْرَى الْعَادَةِ...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{لينفق ذو سعة} أي مال واسع ولم يكلفه سبحانه جميع وسعه بل قال: {من سعته} التي أوسعها الله عليه. ولما كان الإعطاء من غير تقدير ملزوماً للسعة، كان التقدير كناية عن الضيق فقال: {ومن قدر} أي ضيق وسكنت عليه حركته ورقدت عنه معيشته {عليه رزقه} بأن جعله الله الذي لا يقدر على التضييق والتوسيع غيره بقدر ضرورياته فقط من غير وسع لشيء غيرها لأمر من الأمور التي يظهر الله بها عجز العباد رحمة لهم ليهذب به نفوسهم، وبناه للمفعول تعليماً للأدب معه سبحانه وتعالى: {فلينفق} أي وجوباً على المرضع وغيرها من كل ما أوجبه الله عليه أو ندبه إليه، وبشر سبحانه وتعالى بأنه لا يخلي أحداً من شيء يقوم به ما دام حياً بقوله مشيراً بالتبعيض إلى أن ما أوجبه سبحانه لا يستغرق ما وهبه: {مما آتاه الله} أي الملك الذي لا ينفذ ما عنده ولا حد لجوده... ولما كان تعالى له التكليف بما لا يطاق، أخبر بأنه رحم العباد بأنه لا يفعله، فقال معللاً أو مستأنفاً جواباً لمن يقول: فما يفعل من لم يكن له موجود أصلاً، محبباً في دينه صلى الله عليه وسلم مما فيه من اليسر: {لا يكلف الله} أي الذي له الكمال بأوصاف الرحمة والإنعام علينا بالتخفيف {نفساً} أي نفس كانت {إلا ما آتاها} وربما أفهم، أن من كلف إنفاقاً وجد من فضل ما عنده ما يسده من الأثاث الفاضل عن سد جوعته وستر عورته. ولما كان التذكير بالإعدام ربما أوجع، قال تعالى جابراً له وتطبيباً لقلبه نادباً إلى الإيمان بالغيب: {سيجعل الله} أي الملك الذي له الكمال كله فلا خلف لوعده، ونزع الجار زيادة في الخبر فقال: {بعد عسر} أي من الأمور التي تعسرت لا أنه يجعل ذلك بعد كل عسر {يسراً} أي لا بد من ذلك ولا يوجد أحد يستمر التقتير عليه طول عمره في جميع أحواله...

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :

{لاَ يُكَلّفُ الله نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا} جَلَّ أو قَلَّ فإنَّه تعالَى لا يكلفُ نفساً إلا وُسعَها وفيهِ تطييبٌ لقلبِ المُعسرِ وترغيبٌ لهُ في بذلِ مجهودِهِ وقد أُكِّدَ ذلكَ بالوعدِ حيثُ قيلَ {سَيَجْعَلُ الله بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً} أي عاجلاً أو آجلاً...

روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :

{سَيَجْعَلُ الله بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً} موعد لفقراء ذلك الوقت بفتح أبواب الرزق عليهم، أو لفقراء الأزواج إن أنفقوا ما قدروا عليه ولم يقصروا، وهو على الوجهين تذييل إلا أنه على الأول مستقل، وعلى الثاني غير مستقل...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ثم يفصل الأمر في قدر النفقة. فهو اليسر والتعاون والعدل. لا يجور هو، ولا تتعنت هي. فمن وسع الله عليه رزقه فلينفق عن سعة. سواء في السكن أو في نفقة المعيشة أو في أجر الرضاعة. ومن ضيق عليه في الرزق، فليس عليه من حرج، فالله لا يطالب أحدا أن ينفق إلا في حدود ما آتاه. فهو المعطي، ولا يملك أحد أن يحصل على غير ما أعطاه الله. فليس هناك مصدر آخر للعطاء غير هذا المصدر، وليست هناك خزانة غير هذه الخزانة: (لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها).. ثم لمسة الإرضاء، وإفساح الرجاء، للاثنين على السواء: (سيجعل الله بعد عسر يسرا).. فالأمر منوط بالله في الفرج بعد الضيق، واليسر بعد العسر. فأولى لهما إذن أن يعقدا به الأمر كله، وأن يتجها إليه بالأمر كله...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

أي الإِنفاق على قدر السعة...

ومعنى {قدر عليه رزقه} جعل رزقه مقدوراً، أي محدوداً بقدر معين وذلك كناية عن التضييق...

وجملة {لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها} تعليل لقوله: {ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله}...

والمقصود منه إقناع المنفَق عليه بأن لا يطلب من المنفِق أكثر من مقدُرته...

و {مما آتاه الله} يشمل المقدرة على الاكتساب فإذا كان مَن يجب عليه الإِنفاق قادراً على الاكتساب لِينفق من يجب عليه إنفاقه أو ليكمِّل له ما ضاق عنه ماله، يجبر على الاكتساب. وأما من لا قدرة له على الاكتساب وليس له ما ينفق منه فنفقته أو نفقة من يجب عليه إنفاقُه على مراتبها تكون على بيت مال المسلمين...

{سيجعل الله بعد عسر يسراً}... معناه: عسى أن يجعل الله بعد عُسركم يُسراً لكم فإن الله يجعل بعد عسر يسراً. وهذا الخبر لا يقتضي إلا أنّ من تصرفات الله أن يجعل بعد عسر قوم يسراً لهم، فمن كان في عسر رجَا أن يكون ممن يشمله فضل الله، فيبدل عسره باليسر. وليس في هذا الخبر وعْد لكل معسر بأن يصير عُسره يُسراً...

ومن بلاغة القرآن الإِتيان ب (عسر ويسراً) نكرتين غير معرفين باللام لئلا يتوهم من التعريف معنى الاستغراق كما في قوله: {فإن مع العسر يسراً...