هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا * }
أي : من رحمته بالمؤمنين ولطفه بهم ، أن جعل من صلاته عليهم ، وثنائه ، وصلاة ملائكته ودعائهم ، ما يخرجهم من ظلمات الذنوب والجهل ، إلى نور الإيمان ، والتوفيق ، والعلم ، والعمل ، فهذه أعظم نعمة ، أنعم بها على العباد الطائعين ، تستدعي منهم شكرها ، والإكثار من ذكر اللّه ، الذي لطف بهم ورحمهم ، وجعل حملة عرشه ، أفضل الملائكة ، ومن حوله ، يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا فيقولون : { رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَقِهِمْ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِي السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }
فهذه رحمته ونعمته عليهم في الدنيا .
وأما رحمته بهم في الآخرة ، فأجل رحمة ، وأفضل ثواب ، وهو الفوز برضا ربهم ، وتحيته ، واستماع كلامه الجليل ، ورؤية وجهه الجميل ، وحصول الأجر الكبير ، الذي لا يدري ولا يعرف كنهه ، إلا من أعطاهم إياه ، ولهذا قال : { تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا }
ثم بين - عز وجل - ما أعده للمؤمنين فى الآخرة فقال : { تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ } .
والتحية : أن يقول قائل للشخص : حياك الله ، أى : جعل لك حاية طيبة .
وهذه التحية للمؤمنين فى الآخرة ، تشمل تحية الله - تعالى - لهم ، كما فى قوله - سبحانه - : { سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ }
وتشمل تحية الملائكة لهم ، كما فى قوله - تعالى - : { وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عقبى الدار } كما تشمل تحية بعضهم لبعض كما فى قوله - عز وجل - : { دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللهم وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين } أى : تحية المؤمنين يوم يلقون الله - تعالى فى الآخرة ، أو عند قبض أرواحهم ، سلام وأمان لهم من كل ما يفزعهم أو يخيفهم أو يزعجهم .
{ وَأَعَدَّ لَهُمْ } - سبحانه - يوم القيامة { أَجْراً كَرِيماً } هو الجنة التى فيها مالا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر .
وقوله : { تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ } الظاهر أن المراد - والله أعلم - { تَحِيَّتُهُمْ } أي : من الله تعالى يوم يلقونه { سَلامٌ } أي : يوم يسلم عليهم كما قال تعالى : { سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ } [ يس : 58 ] .
وزعم قتادة أن المراد أنهم يحيي{[23627]} بعضهم بعضا بالسلام ، يوم يلقون الله في الدار الآخرة . واختاره ابن جرير .
قلت : وقد يستدل بقوله{[23628]} تعالى : { دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [ يونس : 10 ] ، وقوله : { وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا }{[23629]} يعني : الجنة وما فيها من المآكل والمشارب ، والملابس والمساكن ، والمناكح والملاذ والمناظر وما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر .
ثم أخبر تعالى برحمته بالمؤمنين تأنيساً لهم ، وقوله { يوم يلقونه } قيل يوم القيامة المؤمن تحييه الملائكة ب «السلام » ومعناه السلامة من كل مكروه ، وقال قتادة يوم دخولهم الجنة يحيي بعضهم بعضاً بالسلام ، أي سلمنا وسلمت من كل مخوف ، وقيل تحييهم الملائكة يومئذ ، و «الأجر الكريم » ، جنة الخلد في جواره تبارك وتعالى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.