إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{تَحِيَّتُهُمۡ يَوۡمَ يَلۡقَوۡنَهُۥ سَلَٰمٞۚ وَأَعَدَّ لَهُمۡ أَجۡرٗا كَرِيمٗا} (44)

وقولُه تعالى : { تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سلام } بيانٌ للأحكامِ الآجلةِ لرحمةِ الله تعالى بهم بعدَ بيانِ آثارها العاجلةِ التي هي الاعتناءُ بأمرِهم وهدايتُهم إلى الطَّاعةِ أي ما يُحيَّون به على أنَّه مصدرٌ أُضيفَ إلى مفعولِه يومَ لقائِه عند الموتِ أو عندَ البعثِ منَ القُبورِ أو عندَ دخولٍ الجنَّةِ تسليم عليهم منَ الله عزَّ وجَلَّ تعظيماٍ لهُم أو منَ الملائكةِ بشارةً لهم بالجنَّةِ أو تكرمة لهُم كما في قولِه تعالى : { والملائكة يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مّن كُلّ بَابٍ سلام عَلَيْكُمُ }[ سورة الرعد ، الآية23 ] أو إخبارٌ بالسَّلامةِ عن كلِّ مكروهٍ وآفةٍ . وقولُه تعالى { وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً } بيانٌ لأثارِ رحمتِه الفائضةِ عليهم بعدَ دُخولِ الجنَّةِ عقيبَ بيانِ آثارِ رحمتِه الواصلةِ إليهم قبلَ ذلكَ . ولعلَّ إيثارَ الجملةِ الفعليةِ على الاسمية المناسبة لما قبلها بأن يقال مثلاً : وأجرهم أجر كريم أو ولهم أجر كريم للمبالغة في التَّرغيبِ والتَّشويقِ إلى الموعُودِ ببيانِ أنَّ الأجرَ الذي هُو المقصدُ الأقصى مِنْ بينِ سائرِ آثارِ الرَّحمةِ موجودٌ بالفعلِ مهيئاً لهم معَ ما فيهِ من مُراعاةِ الفَواصلِ .