ثم قال تعالى : { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقهم لَيَقُولُنَّ اللَّهُ } أي : ولئن سألت المشركين عن توحيد الربوبية ، ومن هو الخالق ، لأقروا أنه اللّه وحده لا شريك له .
{ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ } أي : فكيف يصرفون عن عبادة اللّه والإخلاص له وحده ؟ !
فإقرارهم بتوحيد الربوبية ، يلزمهم به الإقرار بتوحيد الألوهية ، وهو من أكبر الأدلة على بطلان الشرك .
ثم بين - سبحانه - ما كان عليه المشركون من تناقض بين أقوالهم وأفعالهم فقال : { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله فأنى يُؤْفَكُونَ } .
أى : والله لئن سألت - يا محمد - هؤلاء الكافرين عمن خلقهم وخلق من يعبدونهم من دون الله ، ليقولن : الله هو الخالق لكل المخلوقات .
وقوله : { فأنى يُؤْفَكُونَ } استفهام قصد به التعجب من أحوالهم المتناقضة أى : دمتم قد اعترفتم بأن الخالق لكم ولغيركم هو الله ، فكيف انصرفتم عن عبادة الله إلى عبادة غيره .
وكيف أشركتكم مع غيره فى ذلك مع اعترافكم بأنه - سبحانه - هو الخالق لكل شئ .
يقال : أفك فلان فلانا يأفك إفكا - من باب طرب وعلم - إذا صرفه وقلبه عن الشئ . وسميت قرى قوم لوط بالمؤتفكات لأن جبريل جعل عاليها سافلها بأمر الله - تعالى - .
ثم قال : { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ } أي : ولئن سألت هؤلاء المشركين بالله العابدين معه غيره { مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ } أي : هم يعترفون{[26152]} أنه الخالق للأشياء جميعها ، وحده لا شريك له في ذلك ، ومع هذا يعبدون معه غيره ، ممن لا يملك شيئا ولا يقدر على شيء ، فهم في ذلك في غاية الجهل والسفاهة وسخافة العقل ؛ ولهذا قال : { فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ }
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنّ اللّهُ فَأَنّىَ يُؤْفَكُونَ * وَقِيلِهِ يَرَبّ إِنّ هََؤُلاَءِ قَوْمٌ لاّ يُؤْمِنُونَ } .
يقول تعالى ذكره : ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين بالله من قومك : من خلقهم ؟ ليقولنّ : اللّهُ خلقنا فَأنّى يُؤْفَكُونَ فأيّ وجه يصرفون عن عبادة الذي خلقهم ، ويحرمون إصابة الحقّ في عبادته .
بعد أن أمعن في إبطال أن يكون إله غير الله بما سِيق من التفصيلات ، جاء هنا بكلمة جامعة لإبطال زعمهم إلهية غير الله بقوله : { ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله } أي سألتهم سؤال تقرير عمن خلقهم فإنه يُقرّون بأن الله خلقهم ، وهذا معلوم من حال المشركين كقول ضِمام بن ثعلبة للنبيء صلى الله عليه وسلم « أسألك بربّك وربّ من قبلك آلله أرسلك » ولأجل ذلك أُكِّد إنهم يقرون لله بأنه الخالق فقال : { ليقولن الله } ، وذلك كاففٍ في سفاهة رأيهم إذ كيف يكون إلها من لم يخلق ، قال تعالى : { أفمن يخلق كمَن لا يخلق أفلا تذكرون } [ النحل : 17 ] .
والخطاب في قوله : { سألتهم } للنبيء صلى الله عليه وسلم ويجوز أن يكون لغير معيّن ، أي إن سألهم من يتأتى منه أن يسأل . وفرع على هذا التقرير والإقرار الإنكارُ والتعجيبُ من انصرافهم من عبادة الله إلى عبادة آلهة أخرى بقوله : { فأنى يؤفكون } .
و ( أنّى ) اسم استفهام عن المكان فمحله نصب على الظرفية ، أي إلى أيِّ مكان يصرفون . و { يؤفكون } يُصْرَفون : يقال : أفكَه عن كذا ، يأفِكه من بابْ ضَرب ، إذا صرفه عنه ، وبُني للمجهول إذ لم يصرفهم صارف ولكن صرفوا أنفسهم عن عبادة خالقهم ، فقوله : { فأنى يؤفكون } هو كقول العرب : أين يُذهَب بك ، أي أين تذهب بنفسك إذ لا يريدون أن ذاهباً ذهب به يسألونه عنه ولكن المراد : أنه لم يذهب به أحد وإنما ذهب بنفسه .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين بالله من قومك: من خلقهم؟ ليقولنّ: اللّهُ خلقنا.
"فَأنّى يُؤْفَكُونَ" فأيّ وجه يصرفون عن عبادة الذي خلقهم، ويحرمون إصابة الحقّ في عبادته.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
علمهم وعرفانهم بذلك يحتم وجوها:
يحتمل علم حقيقة على التسخير والاضطرار بأن أنشأ الله تعالى علما في قلوبهم، فعلموا بذلك حقيقة أن الله عز وجل هو خالق ذلك كله.
ويحتمل علموا علم الاستدلال بالتأمل والنظر، إذ من عادة العرب التأمل والنظر، فنظروا وتأمّلوا، فعرفوا بالاستدلال العقلي أنه كذلك..
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
فكيف لا يعتبرون؟ وكيف يتكبَّرون عن طاعة الله...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما كان التقدير لتقرير وجود إلهيته في الأرض بالاجتماع: فلئن سألتهم من ينجيهم في وقت كروبهم ليقولن: الله، ليس لمن ندعوه من دونه هناك فعل، فقال عطفاً عليه: {ولئن سألتهم} أي الكفار {من خلقهم} أي العابدين والمعبودين معاً، أجابوا بما يدل على عمى القلب الحقيقي المجبول عليه والمطبوع بطابع الحكمة الإلهية عليه، ولم يصدقوا في جواب مثله بقوله: {إذ سألتهم}: {ليقولن الله} الذي له جميع صفات الكمال هو الذي خلق الكل ليس لمن يدعوه منه شيء، ولذلك سبب عنه قوله: {فأنّى} أي كيف ومن أي جهة بعد أن أثبتوا له الخلق والأمر.
{يؤفكون} أي يقلبون عن وجوه الأمور إلى أقفائها من قالب ما كائناً من كان، فيدعون أن له شريكاً تارة بالولدية وتارة بغيرها، مع ما ركز في فطرهم مما ثبت به أنه لا شريك له لأن له الخلق والأمر كله.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
إقرارهم بتوحيد الربوبية، يلزمهم به الإقرار بتوحيد الألوهية، وهو من أكبر الأدلة على بطلان الشرك...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
يواجههم بمنطق فطرتهم، وبما لا يجادلون فيه ولا يشكون، وهو أن الله خالقهم. فكيف حينئذ يشركون معه أحداً في عبادته، أو يتوقعون من أحد شفاعة عنده لمن أشرك به: (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون؟) وكيف يصرفون عن الحق الذي تشهد به فطرتهم ويحيدون عن مقتضاه المنطقي المحتوم؟
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
بعد أن أمعن في إبطال أن يكون إله غير الله بما سِيق من التفصيلات، جاء هنا بكلمة جامعة لإبطال زعمهم إلهية غير الله بقوله: {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله} أي سألتهم سؤال تقرير عمن خلقهم فإنه يُقرّون بأن الله خلقهم، وهذا معلوم من حال المشركين كقول ضِمام بن ثعلبة للنبيء صلى الله عليه وسلم « أسألك بربّك وربّ من قبلك آلله أرسلك» ولأجل ذلك أُكّد إنهم يقرون لله بأنه الخالق فقال: {ليقولن الله}، وذلك كافٍ في سفاهة رأيهم إذ كيف يكون إلها من لم يخلق، قال تعالى: {أفمن يخلق كمَن لا يخلق أفلا تذكرون} [النحل: 17].
والخطاب في قوله: {سألتهم} للنبيء صلى الله عليه وسلم ويجوز أن يكون لغير معيّن أي إن سألهم من يتأتى منه أن يسأل. وفرع على هذا التقرير والإقرار الإنكارُ والتعجيبُ من انصرافهم من عبادة الله إلى عبادة آلهة أخرى بقوله: {فأنى يؤفكون}.
و (أنّى) اسم استفهام عن المكان فمحله نصب على الظرفية، أي إلى أيِّ مكان يصرفون.
و {يؤفكون} يُصْرَفون: يقال: أفكَه عن كذا، يأفِكه من بابْ ضَرب، إذا صرفه عنه، وبُني للمجهول إذ لم يصرفهم صارف ولكن صرفوا أنفسهم عن عبادة خالقهم.