مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَهُمۡ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۖ فَأَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ} (87)

ثم قال تعالى : { ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون } وفيه مسألتان :

المسألة الأولى : ظن قوم أن هذه الآية وأمثالها في القرآن تدل على أن القوم مضطرون إلى الاعتراف بوجود الإله للعالم ، قال الجبائي وهذا لا يصح لأن قوم فرعون قالوا لا إله لهم غيره ، وقوم إبراهيم قالوا { وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه } فيقال لهم لا نسلم أن قوم فرعون كانوا منكرين لوجود الإله ، والدليل على قولنا قوله تعالى : { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما } وقال موسى لفرعون { لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر } فالقراءة بفتح التاء في علمت تدل على أن فرعون كان عارفا بالله ، وأما قوم إبراهيم حيث قالوا { وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه } فهو مصروف إلى إثبات القيامة وإثبات التكاليف وإثبات النبوة .

المسألة الثانية : اعلم أنه تعالى ذكر هذا الكلام في أول هذه السورة وفي آخرها ، والمقصود التنبيه على أنهم لما اعتقدوا أن خالق العالم وخالق الحيوانات هو الله تعالى فكيف أقدموا مع هذا الاعتقاد على عبادة أجسام خسيسة وأصنام خبيثة لا تضر ولا تنفع ، بل هي جمادات محضة .

وأما قوله { فأنى تؤفكون } معناه لم تكذبون على الله فتقولون إن الله أمرنا بعبادة الأصنام ، وقد احتج بعض أصحابنا به على أن إفكهم ليس منهم بل من غيرهم بقوله { فأنى تؤفكون } وأجاب القاضي بأن من يضل في فهم الكلام أو في الطريق يقال له أين يذهب بك ، والمراد أين تذهب ، وأجاب الأصحاب بأن قول القائل أين يذهب بك ظاهره يدل على أن ذاهبا آخر ذهب به ، فصرف الكلام عن حقيقته خلاف الأصل الظاهر ، وأيضا فإن الذي ذهب به هو الذي خلق تلك الداعية في قلبه ، وقد ثبت بالبرهان الباهر أن خالق تلك الداعية هو الله تعالى .