ثم يعرض السياق مشهدا من مشاهد الدعوة في مكة ، والمشركون يسرعون الخطى إلى المكان الذي يكون فيه الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] يتلو القرآن . ثم يتفرقون حواليه جماعات . ويستنكر إسراعهم هذا وتجمعهم في غير ما رغبة في الاهتداء بما يسمعون :
فما للذين كفروا قبلك مهطعين ? عن اليمين وعن الشمال عزين ? . .
المهطع هو الذي يسرع الخطى مادا عنقه كالمقود . وعزين جمع عزة كفئة وزنا ومعنى . . وفي التعبير تهكم خفي بحركتهم المريبة . وتصوير لهذه الحركة وللهيئة التي تتم بها . وتعجب منهم . وتساؤل عن هذا الحال منهم ! وهم لا يسرعون الخطى تجاه الرسول ليسمعوا ويهتدوا ، ولكن فقط ليستطلعوا في دهشة ثم يتفرقوا كي يتحلقوا حلقات يتناجون في الكيد والرد على ما يسمعون !
و : { عزين } جمع عزة ، قال بعض النحاة أصلها عزوة ، وقال آخرون منهم : أصلها عزهة ، وجمعت بالواو والنون عوضاً مما انحذف منها نحو سنة وسنون ، ومعنى العزة : الجمع اليسير فكأنهم كانوا ثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة ومنه قول الراعي : [ الكامل ]
أخليفة الرحمن إن عشيرتي*** أمس سراتهم إليك عزينا{[11335]}
وقال أبو هريرة : خرج النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه وهم حلق متفرقون فقال : «ما لي أراكم عزين »{[11336]}
وموقع قوله : { عن اليمين وعن الشمال } مثل موقع { قبلك } وموقع { مهطعين . } والمقصود : كثرة الجهات ، أي واردين إليك .
والتعريف في { اليمين } و { الشمال } تعريف الجنس أو الألف واللام عوض عن المضاف إليه .
والمقصود من ذكر اليمين والشمال : الإِحاطة بالجهات فاكتفي بذكر اليمين والشمال ، لأنهما الجهتان اللتان يغلب حلولهما ، ومثله قول قَطَريّ بن الفُجَاءَةِ :
فلقد أراني للرماح دَريئَةً *** مِن عَنْ يميني مَرّة وأَمامي
و { عزِين } حال من { الذين كفروا } . و { عزين } : جمع عِزَة بتخفيف الزاي ، وهي الفِرقة من النّاس ، اسم بوزن فِعْلَة . وأصله عِزوة بوزن كِسوة ، وليست بوزن عِدَة . وجرى جمع عِزة على الإِلحاق بجمع المذكر السالم على غير قياس وهو من باب سَنَة من كل اسم ثلاثي حذفت لاَمه وعُوض عنها هاء التأنيث ولم يكسّر مثل عِضَة ( للقطعة ) .
وهذا التركيب في قوله تعالى : { فما للذين كفروا قِبَلك مهطعين } إلى قوله { جنة نعيم } يجوز أن يكون استعارة تمثيلية شبه حالهم في إسراعهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم بحال من يُظن بهم الاجتماع لطلب الهدى والتحصيل على المغفرة ليدخلوا الجنة لأن الشأن أن لا يلتف حول النبي صلى الله عليه وسلم إلاّ طالبوا الاهتداء بهديه .
والاستفهام على هذا مستعمل في أصل معناه لأن التمثيلية تجري في مجموع الكلام مع بقاء كلماته على حقائقها .
ويجوز أن يكون الكلام استفهاماً مستعملاً في التعجيب من حال إسراعهم ثم تكذيبهم واستهزائهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.