ومما يدل على صحته ، أنه جاء به هذا النبي الأمين ، الذي عرف قومه صدقه وأمانته ومدخله ومخرجه وسائر أحواله ، وهو لا يكتب بيده خطا ، ولا يقرأ خطا مكتوبا ، فإتيانه به في هذه الحال ، من أظهر البينات القاطعة ، التي لا تقبل الارتياب ، أنه من عند اللّه العزيز الحميد ، ولهذا قال : { وَمَا كُنْتَ تَتْلُو } أي : تقرأ { مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا } لو كنت بهذه الحال { لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ } فقالوا : تعلمه من الكتب السابقة ، أو استنسخه منها ، فأما وقد نزل على قلبك ، كتابا جليلا ، تحديت به الفصحاء والبلغاء ، الأعداء الألداء ، أن يأتوا بمثله ، أو بسورة من مثله ، فعجزوا غاية العجز ، بل ولا حدثتهم أنفسهم بالمعارضة ، لعلمهم ببلاغته وفصاحته ، وأن كلام أحد من البشر ، لا يبلغ أن يكون مجاريا له أو على منواله ، ولهذا قال : { بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ } .
ثم ساق - سبحانه - أبلغ الأدلة وأوضحها على أن هذا القرآن من عنده - تعالى - ، فقال : { وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَّرْتَابَ المبطلون } .
أى : أنت - أيها الرسول الكريم - ما كنت فى يوم من الأيام قبل أن ننزل عليك هذا القرآن - تالياً لكتاب من الكتب ، ولا عارفاً للكتابة ، ولو كنت ممن يعرف القراءة والكتابة ، لارتاب المبطلون فى شأنك ، ولقالوا إنك نقلت هذا القرآن بخطك من كتب السابقين .
و { مِن } فى قوله { مِن كِتَابٍ } لتأكيد نفى كونه صلى الله عليه وسلم قارئاً لأى كتاب من الكتب قبل نزول القرآن عليه .
وقوله : { وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ } لتأكيد نفى كونه صلى الله عليه وسلم يعرف الكتاب أو الخط .
قال الإِمام ابن كثير : وهكذا صفته صلى الله عليه وسلم فى الكتب المتقدمة ، كما قال - تعالى - : { الذين يَتَّبِعُونَ الرسول النبي الأمي الذي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التوراة والإنجيل . . } وهكذا كان صلوات الله وسلامه عليه - إلى يوم القيامة ، لا بحسن الكتابة ، ولا يخط سطرا وحلا حرفاً بيده ، بل كان له كتاب يكتبون بين يديه الوحى والرسائل إلى الأقاليم . .
والمراد بالمبطلين ، كل من شك فى كون هذا القرآن من عند الله - تعالى - سواء أكان من مشركى مكة أم من غيرهم .
وسماهم - سبحانه - مبطلين ، لأن ارتيابهم ظاهر بطلانه ومجانبته للحق ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد لبث فيهم قبل النبوة أربعين سنة ، يعرفون حسبه ونسبه ، ويعلمون حق العلم أنه أمى لا يعرف الكتابة والقراءة .
وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك . إذن لارتاب المبطلون . .
وهكذا يتتبع القرآن الكريم مواضع شبهاتهم حتى الساذج الطفولي منها . فرسول الله صلى الله عليه وسلم عاش بينهم فترة طويلة من حياته ، لا يقرأ ولا يكتب ؛ ثم جاءهم بهذا الكتاب العجيب الذي يعجز القارئين الكاتبين . ولربما كانت تكون لهم شبهة لو أنه كان من قبل قارئا كاتبا . فما شبهتهم وهذا ماضيه بينهم ?
ونقول : إنه يتتبع مواضع شبهاتهم حتى الساذج الطفولي منها . فحتى على فرض أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قارئا كاتبا ، ما جاز لهم أن يرتابوا . فهذا القرآن يشهد بذاته على أنه ليس من صنع البشر . فهو أكبر جدا من طاقة البشر ومعرفة البشر ، وآفاق البشر . والحق الذي فيه ذو طبيعة مطلقة كالحق الذي في هذا الكون . وكل وقفة أمام نصوصه توحي للقلب بأن وراءه قوة ، وبأن في عباراته سلطانا ، لا يصدران عن بشر !
{ وما كنت تتلو ما من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك } فإن ظهور هذا الكتاب الجامع لأنواع العلوم الشريفة أمي لم يعرف بالقراءة والتعلم خارق للعادة ، وذكر اليمين زيادة تصوير للمنفي ونفي للتجوز في الإسناد . { إذا لارتاب المبطلون } أي لو كنت ممن يخط ويقرأ لقالوا لعله تعلمه أو التقطه من كتب الأولين الأقدمين ، وإنما سماهم مبطلين لكفرهم أو لارتيابهم بانتفاء وجه واحد من وجوه الإعجاز المكاثرة ، وقيل لارتاب أهل الكتاب لوجدانهم نعتك على خلاف ما في كتبهم فيكون إبطالهم باعتبار الواقع دون المقدر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.