تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالَ ذَٰلِكَ بَيۡنِي وَبَيۡنَكَۖ أَيَّمَا ٱلۡأَجَلَيۡنِ قَضَيۡتُ فَلَا عُدۡوَٰنَ عَلَيَّۖ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٞ} (28)

ف { قَالَ } موسى عليه السلام -مجيبا له فيما طلبه منه- : { ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ } أي : هذا الشرط ، الذي أنت ذكرت ، رضيت به ، وقد تم فيما بيني وبينك . { أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ } سواء قضيت الثماني الواجبة ، أم تبرعت بالزائد عليها { وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ } حافظ يراقبنا ، ويعلم ما تعاقدنا عليه .

وهذا الرجل ، أبو المرأتين ، صاحب مدين ، ليس بشعيب النبي المعروف ، كما اشتهر عند كثير من الناس ، فإن هذا ، قول لم يدل عليه دليل ، وغاية ما يكون ، أن شعيبا عليه السلام ، قد كانت بلده مدين ، وهذه القضية جرت في مدين ، فأين الملازمة بين الأمرين ؟

وأيضا ، فإنه غير معلوم أن موسى أدرك زمان شعيب ، فكيف بشخصه ؟ " ولو كان ذلك الرجل شعيبا ، لذكره اللّه تعالى ، ولسمته المرأتان ، وأيضا فإن شعيبا عليه الصلاة والسلام ، قد أهلك اللّه قومه بتكذيبهم إياه ، ولم يبق إلا من آمن به ، وقد أعاذ اللّه المؤمنين أن يرضوا لبنتي نبيهم ، بمنعهما عن الماء ، وصد ماشيتهما ، حتى يأتيهما رجل غريب ، فيحسن إليهما ، ويسقي ماشيتهما ، وما كان شعيب ، ليرضى أن يرعى موسى عنده ويكون خادما له ، وهو أفضل منه وأعلى درجة ، والله أعلم ، [ إلا أن يقال : هذا قبل نبوة موسى فلا منافاة وعلى كل حال لا يعتمد على أنه شعيب النبي بغير نقل صحيح عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ]{[600]} .


[600]:- زيادة من هامش: ب.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالَ ذَٰلِكَ بَيۡنِي وَبَيۡنَكَۖ أَيَّمَا ٱلۡأَجَلَيۡنِ قَضَيۡتُ فَلَا عُدۡوَٰنَ عَلَيَّۖ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٞ} (28)

ثم حكى - سبحانه - ما رد به موسى فقال : { قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأجلين قَضَيْتُ فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ والله على مَا نَقُولُ وَكِيلٌ } .

أى : { قَالَ } موسى فى الرد على الشيخ الكبير { ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ } أى : ذلك الذى قلته لى واشترطته على ، كائن وحاصل بينى وبينك ، وكلانا مطالب بالوفاء به فاسم الإشارة مبتدأ ، وبينى وبينك خبره ، والإشارة مرجعها إلى ما تعاقدا عليه ، وأى فى قوله : { أَيَّمَا الأجلين } شرطية ، وجوابها ، { فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ } و ( وما ) مزيدة للتأكيد .

والمعنى : أى الأجلين ، أى الثمانية الأعوام أو العشرة الأعوام { قَضَيْتُ } أى : وفيت به ، وأديته معك أجيرا عندك { فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ } أى : فلا ظلم على ، وأصل العدوان : تجاوز الحد .

قال صاحب الكشاف ما ملخصه : أى قال موسى : ذلك الذى قلته . . . قائم بيننا جميعا لا يخرج كلانا عنه لا أنا عما اشترطت على ولا أنت عما اشترطت على نفسك . . . ثم قال : أى أجل من الأجلين قضيت - أطولهما أو أقصرهما - { فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ } أى : فلا يعتدى على فى طلب الزيادة عليه . فإن قلت : تصور العدوان إنما هو فى أحد الأجلين الذى هو الأقصر ، وهو المطالبة بتتمة العشر ، فما معنى تعليق العدوان بهما جميعا ؟

قلت : معناه ، كما أنى إن طولبت بالزيادة على العشر كان عدوانا لا شك فيه ، فكذلك إن طولبت بالزيادة على الثمانى . أراد بذلك تقرير أمر الخيار ، وأنه ثابت مستقر ، وأن الأجلين على السواء إما هذا وإما هذا من غير تفاوت بينهما فى القضاء ، وأما التتمة فهى موكولة إلى رأيى . إن شئت أتيت بها ، وإلا لم أجبر عليها .

والمقصود بقوله : { والله على مَا نَقُولُ وَكِيلٌ } . توثيق العهد وتأكيده ، وأنه لا سبيل لواحد منهما على الخروج عنه أصلا .

أى : والله - تعالى - شهيد ووكيل ورقيب على ما اتفقنا عليه ، وتعاهدنا على تنفيذه ، وكفى بشهادته - سبحانه - شهادة .

وقد ساق الإمام ابن كثير جملة من الآثار التى تدل على أن موسى - عليه السلام - قد قضى أطول الأجلين . ومن ذلك ما جاء عن ابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سألت جبريل : أى الأجلين قضى موسى ؟ قال : " أكملهما وأتمهما ، وفى رواية : أبرهما وأوفاهما " " .

هذا ، والمتأمل فى هذه الآيات الكريمة ، يرى فيها بجلاء ووضوح ، ما جبل عليه موسى - عليه السلام - من صبر على بأساء الحياة وضرائها ومن همة عالية تحمله فى كل موطن على إعانة المحتاج ، ومن طبيعة إيجابية تجعله دائما لا يقف أمام مالا يرضيه مكتوف اليدين ، ومن عاطفة رقيقة تجعله فى كل الأوقات دائم التذكر لخالقه ، كثير التضرع إليه بالدعاء .

كما يرى فيها الفطرة السوية ، والصدق مع النفس ، والحياء ، والعفاف ، والوضوح ، والبعد عن التكلف والالتواء ، كل ذلك متمثل فى قصة هاتين المرأتين اللتين سقى لهما موسى غنمهم ، واللتين إحداهما تمشى على استحياء ، ثم قالت لأبيها : يا أبت استأجره .

كما يرى فيها ما كان يتحلى به ذلك الشيخ الكبير من عقل راجح ، ومن قول طيب حكيم ، يدخل الأمان والاطمئنان على قلب الخائف ، ومن أبوة حانية رشيدة ، تستجيب للعواطف الشريفة ، وتعمل على تحقيق رغباتها عن طريق الزواج الذى شرعه الله - تعالى - .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ ذَٰلِكَ بَيۡنِي وَبَيۡنَكَۖ أَيَّمَا ٱلۡأَجَلَيۡنِ قَضَيۡتُ فَلَا عُدۡوَٰنَ عَلَيَّۖ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٞ} (28)

وقبل موسى العرض وأمضى العقد ؛ في وضوح كذلك ودقة ، وأشهد الله :

( قال ذلك بيني وبينك . أيما الأجلين قضيت فلا عدوان على . والله علي ما نقول وكيل ) .

إن مواضع العقد وشروط التعاقد لا مجال للغموض فيها ، ولا اللعثمة ، ولا الحياء . ومن ثم يقر موسى العرض ، ويبرم العقد ، على ما عرض الشيخ من الشروط . ثم يقرر هذا ويوضحه : ( أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي ) . . سواء قضيت ثماني سنوات أو أتممت عشرا ، فلا عدوان في تكاليف العمل ، ولا عدوان في تحتيم العشر ؛ فالزيادة على الثمانية اختيار . . ( والله على ما نقول وكيل ) . فهو الشهيد الموكل بالعدل بين المتعاقدين . وكفى بالله وكيلا .

بين موسى - عليه السلام - هذا البيان تمشيا مع استقامة فطرته ، ووضوح شخصيته ، وتوفية بواجب المتعاقدين في الدقة والوضوح والبيان . وهو ينوي أن يوفي بأفضل الأجلين كما فعل . فقد روي أن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أخبر أنه : " قضى أكثرهما وأطيبهما " .

وهكذا اطمأن بموسى - عليه السلام - المقام في بيت حميه ؛ وقد أمن من فرعون وكيده . ولحكمة مقدرة في علم الله كان هذا الذي كان . . فلندع الآن هذه الحلقة تمضي في طريقها حتى تنقضي . فقد سكت السياق فيها عند هذا الحد وأسدل الستار . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ ذَٰلِكَ بَيۡنِي وَبَيۡنَكَۖ أَيَّمَا ٱلۡأَجَلَيۡنِ قَضَيۡتُ فَلَا عُدۡوَٰنَ عَلَيَّۖ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٞ} (28)

وقوله تعالى إخبارا عن موسى ، عليه السلام : { قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ } ، يقول : إن موسى قال لصهره : الأمر على ما قلت من أنك استأجرتني على ثمان سنين ، فإن أتممت عشرًا فمن عندي ، فأنا متى فعلت أقلهما [ فقد ]{[22276]} برئت من العهد ، وخرجت من الشرط ؛ ولهذا قال : { أَيَّمَا الأجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ } أي : فلا حرج علي مع أن الكامل - وإن كان مباحًا لكنه فاضل من جهة أخرى ، بدليل من خارج . كما قال [ الله ]{[22277]} تعالى : { فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ } [ البقرة : 203 ] .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحمزة بن عمرو الأسلمي ، رضي الله عنه ، وكان كثير الصيام ، وسأله عن الصوم في السفر - فقال : " إن شئت فصم ، وإن شئت فأفطر " {[22278]} مع أن فعل الصيام راجح من دليل آخر .

هذا وقد دل الدليل على أن موسى عليه السلام ، إنما فعل أكمل الأجلين وأتمهما ؛ قال البخاري :

حدثنا محمد بن عبد الرحيم ، حدثنا سعيد بن سليمان ، حدثنا مَرْوان بن شُجاع ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير قال : سألني يهودي من أهل الحيرة : أي الأجلين قضى موسى ؟ فقلت : لا أدري حتى أقدم على حَبْر العرب فأسأَلَه . فقدمت فسألت ابن عباس ، رضي الله عنه ، فقال : قضى أكثرهما وأطيبهما ، إن رسول الله إذا قال فعل . هكذا رواه البخاري{[22279]} وهكذا رواه حكيم بن جبير وغيره ، عن سعيد بن جبير . ووقع في " حديث الفُتُون " ، من رواية القاسم بن أبي أيوب ، عن سعيد بن جبير ؛ أن الذي سأله رجل من أهل النصرانية . والأول أشبه ، والله أعلم ، وقد رُوي من{[22280]} حديث ابن عباس مرفوعا ، قال ابن جرير :

حدثنا أحمد بن محمد الطوسي ، حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان ، حدثني إبراهيم بن يحيى بن أبي يعقوب ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " سألت جبريل : أيّ الأجلين قضى موسى قال : أكملهما وأتمهما " {[22281]} .

ورواه ابن أبي حاتم ، عن أبيه ، عن الحميدي ، عن سفيان - وهو ابن عيينة - حدثني إبراهيم بن يحيى بن أبي يعقوب - وكان من أسناني أو أصغر مني - فذكره .

قلت : وإبراهيم هذا ليس بمعروف .

ورواه البزار عن أحمد بن أبان القرشي ، عن سفيان بن عيينة ، عن إبراهيم بن أعين ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكره . ثم قال : لا نعرفه مرفوعا عن ابن عباس إلا من هذا الوجه{[22282]} .

وقال{[22283]} ابن أبي حاتم : قُرئ على يونس بن عبد الأعلى ، أنبأنا ابن وهب ، أنبأنا عمرو بن الحارث ، عن يحيى بن ميمون الحضرمي ، عن يوسف بن تيرح : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل : أيّ الأجلين قضى موسى ؟ قال : " لا علم لي " . فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل ، فقال جبريل : لا علم لي ، فسأل جبريل ملكا فوقه فقال : لا علم لي . فسأل{[22284]} ذلك المَلَك ربه - عز وجل - عما سأله عنه جبريل عما سأله عنه محمد صلى الله عليه وسلم فقال الرب سبحانه وتعالى : " قضى أبرهما وأبقاهما - أو قال : أزكاهما " {[22285]} .

وهذا مرسل ، وقد جاء مرسلا من وجه آخر ، وقال{[22286]} سُنَيد : حدثنا حجاج ، عن ابن جُرَيْج قال : قال مجاهد : إن النبي صلى الله عليه وسلم سأل جبريل : " أيّ الأجلين قضى موسى ؟ " فقال : سوف أسأل إسرافيل . فسأله فقال : سوف أسأل الرب عز وجل . فسأله فقال : " أبرهما وأوفاهما " {[22287]} .

طريق أخرى مرسلة أيضا : قال ابن جرير : حدثنا ابن وكيع ، حدثنا أبي ، حدثنا أبو مَعْشَر ، عن محمد بن كعب القُرظي قال : سُئِل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الأجلين قضى موسى ؟ قال : " أوفاهما وأتمهما " {[22288]} .

فهذه طرق متعاضدة ، ثم قد{[22289]} روي [ هذا ]{[22290]} مرفوعا من رواية أبي ذر ، رضي الله عنه ، قال الحافظ أبو بكر البزار ، حدثنا أبو عبيد الله يحيى بن محمد بن السكن ، حدثنا إسحاق بن إدريس ، حدثنا عَوْبَد بن أبي عمران الجَوْني ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الصامت ، عن أبي ذر : أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئِل : أيّ الأجلين قَضَى موسى ؟ قال : " أوفاهما وأبرهما " ، قال : " وإن سئلتَ أي المرأتين تزوج ؟ فقل الصغرى منهما " .

ثم قال البزار : لا نعلم يروى عن أبي ذر إلا بهذا الإسناد{[22291]} .

وقد رواه ابن أبي حاتم من حديث عَوبَد بن أبي عمران - وهو ضعيف - ثم قد روي أيضا نحوه من حديث عتبة بن الندر{[22292]} بزيادة غريبة جدا ، فقال أبو بكر البزار : حدثنا عمر بن الخطاب السجستاني ، حدثنا يحيى بن بُكَيْر ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا الحارث بن يزيد عن علي بن رباح اللخمي قال : سمعت عتبة بن النّدر{[22293]} يقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل : أيّ الأجلين قَضَى موسى ؟ قال : " أبرهما وأوفاهما " . ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن موسى ، عليه السلام ، لما أراد فراق شعيب عليه السلام ، أمر امرأته أن تسأل أباها أن يعطيها من غنمه ما يعيشون به . فأعطاها ما ولدت غنمه في ذلك العام من قالِب لَون . قال : فما مرت شاة إلا ضرب موسى جنبها بعصاه ، فولدت قَوَالب ألوان كلها ، وولدت ثنتين وثلاثًا كل شاة ليس فيها فَشُوش ولا ضبُوب ، ولا كَمِيشة تُفَوّت الكف ، ولا ثَعُول " . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا{[22294]} افتتحتم الشام فإنكم ستجدون بقايا منها ، وهي السامرية " {[22295]} .

هكذا أورده البزار . وقد رواه ابن أبي حاتم بأبسط من هذا{[22296]} فقال :

حدثنا أبو زُرْعَة ، حدثنا يحيى بن عبد الله بن بُكَير ، حدثني عبد الله بن لهيعة( ح ) وحدثنا أبو زرعة ، حدثنا صفوان ، حدثنا الوليد ، حدثنا عبد الله بن لهيعة ، عن الحارث بن يزيد الحضرمي ، عن علي بن رباح اللخمي قال : سمعت عتبة بن النُّدّر{[22297]} السلمي - صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم - يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن موسى ، عليه السلام{[22298]} آجر نفسه بعفة فرجه وطُعمة بطنه . فلما وفى الأجل - قيل : يا رسول الله ، أي الأجلين ؟ قال - أبرهما وأوفاهما . فلما أراد فراق شعيب أمر امرأته أن تسأل أباها أن يعطيها من غنمه ما يعيشون به ، فأعطاها ما ولدت من غنمه من قالب{[22299]} لون من ولد ذلك العام ، وكانت غنمه سوداء حسناء ، فانطلق موسى ، عليه السلام إلى عصاه فَسَمَّاها من طرفها ، ثم وضعها في أدنى الحوض ، ثم أوردها فسقاها ، ووقف موسى بإزاء الحوض فلم تصدر منها شاة إلا ضرب جنبها شاة شاة قال : " فأتأمت وأثلثت ، ووضعت كلها قوالب ألوان ، إلا شاة أو شاتين ليس فيها فشوش . قال يحيى : ولا ضبون . وقال صفوان : ولا ضبُوب . قال أبو زرعة : الصواب ضَبُوب - ولا عَزُوز ولا ثَعُول ، ولا كميشة تُفَوّت الكف " ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " فلو افتتحتم الشام وجدتم بقايا تلك الغنم وهي السامرية " .

وحدثنا أبو زُرْعة ، حدثنا صفوان قال : سمعت الوليد قال : فسألت ابن لَهِيعة : ما الفشوش ؟ قال : التي تَفُشّ بلبنها واسعة الشَّخب . قلت : فما الضبوب ؟ قال : الطويلة الضرع تجره . قلت : فما العَزُوز ؟ قال : ضيقة الشَّخب . قال فما الثَعُول ؟ قال : التي ليس لها ضرع إلا كهيئة حلمتين . قلت : فما الكميشة ؟ قال : التي تُفَوّت الكف ، كميشة الضرع ، صغير لا يدركه الكف .

مدار هذا الحديث على عبد الله بن لَهِيعة المصري - وفي حفظه سوء - وأخشى أن يكون رفعه خطأ ، والله أعلم . وينبغي أن يُرْوَى ليس فيها فشوش ولا عزوز ، ولا ضبوب ولا ثَعول ولا كميشة ، لتذكر كل صفة ناقصة مع ما يقابلها من الصفات الناقصة . وقد روى ابن جرير من{[22300]} كلام أنس بن مالك - موقوفا عليه - ما يقارب بعضه بإسناد جيد{[22301]} ، فقال : حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا معاذ بن هشام ، حدثنا أبي ، عن قتادة ، حدثنا أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، قال : لما دعا نبي الله موسى ، عليه السلام ، صاحبه إلى الأجل الذي كان بينهما ، قال له صاحبه : كل شاة ولدت على غير لونها فذلك ولدها لك . فعمد فرفع حبالا على الماء ، فلما رأت الخيال فزعت فجالت جولة ، فولدن كلهن بلقًا إلا شاة واحدة ، فذهب بأولادهن ذلك العام{[22302]} .


[22276]:- زيادة من أ.
[22277]:- زيادة من ف ، أ.
[22278]:- رواه أحمد في مسنده (3/493) والنسائي في السنن (4/185).
[22279]:- صحيح البخاري برقم (2684).
[22280]:- في ت : "روى طرق مرسلة من".
[22281]:- تفسير الطبري (20/44).
[22282]:- قال الحافظ ابن حجر في لسان الميزان (1/124) "إبراهيم بن يحيى العدني عن الحكم بن أبان وعنه سفيان بن عيينة بخبر منكر والرجل نكرة ، وحديثه عن الحميدي ومتنه : سأل النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام أي الأجلين قضى موسى ، انتهى. وهذا الرجل ذكره ابن حبان في الثقات. وقال الأزدي : لا يتابع في حديثه ، وأخرج الحاكم حديثه المذكور في المستدرك".
[22283]:- في ف : "ثم قال".
[22284]:- في ف ، أ : "عز وجل".
[22285]:- مسند البزار برقم (2245) "كشف الأستار".
[22286]:- في ف ، أ : "فقال".
[22287]:- تفسير الطبري (20/44).
[22288]:- تفسير الطبري (20/44).
[22289]:- في ف : "وقد".
[22290]:- زيادة من ف ، أ.
[22291]:- مسند البزار برقم (2244) "كشف الأستار".
[22292]:- في ف ، أ : "المنذر".
[22293]:- في ف ، أ : "المنذر".
[22294]:- في أ : "إنكم إذا".
[22295]:- مسند البزار برقم (2246) "كشف الأستار".
[22296]:- في ت : "بزيادة غريبة".
[22297]:- في ت ، ف ، أ : "المنذر".
[22298]:- في ت : "صلى الله عليه وسلم".
[22299]:- في ت : "قابله".
[22300]:- في ت : "عن".
[22301]:- في ت : "ما يقارب هذا".
[22302]:- تفسير الطبري (20/44).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالَ ذَٰلِكَ بَيۡنِي وَبَيۡنَكَۖ أَيَّمَا ٱلۡأَجَلَيۡنِ قَضَيۡتُ فَلَا عُدۡوَٰنَ عَلَيَّۖ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٞ} (28)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيّمَا الأجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيّ وَاللّهُ عَلَىَ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ } .

يقول تعالى ذكره : قالَ وموسى لأبي المرأتين ذلكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أي هذا الذي قلت من أنك تزوّجني أحدى ابنتيك على أن آجرك ثماني حِجَج ، واجب بيني وبينك ، على كل واحد منا الوفاء لصاحبه بما أوجب له على نفسه .

وقوله : أيّمَا الأجَلَيْنِ قَضَيْتُ يقول : أيّ الأجلين من الثماني الحجج والعشر الحجج قضيت ، يقول : فرغت منها فوفيتكها رعي غنمك وماشيتك فَلا عُدْوَانَ عَليّ يقول : فليس لك أن تعتدي عليّ ، فتطالبني بأكثر منه ، و«ما » في قوله : أيّمَا الأجَلَيْنِ صلة يوصل بها أيّ على الدوام ، وزعم أهل العربية أن هذا أكثر في كلام العرب من أيّ ، وأنشد قول الشاعر :

وأيّهُما ما أتْبَعَنّ فإنّنِي *** حَرِيصٌ عَلى أثْرِ الّذِي أنا تابِعُ

وقال عباس بن مِرداس :

فَأَيّي ما وأيّكَ كانَ شَرّا *** فَقِيدَ إلى المَقامَةِ لا يَرَاها

وقوله : وَاللّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ كان ابن إسحاق يرى هذا القول من أبي المرأتين .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : قال موسى ذلكَ بَيْني وبَيْنَكَ أيّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَليّ قال : نعم . واللّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ فزوّجه ، وأقام معه يكفيه ، ويعمل له في رعاية غنمه ، وما يحتاج إليه منه ، وزوجة موسى صفورا أو أختها : شرفا أو لَيّا .

حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : قال ابن عباس الجارية التي دعته هي التي تزوّج .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، قال له إنّي أُرِيدُ أنْ أُنْكِحَكَ إحْدَى ابْنَتيّ هاتَيْنِ عَلى أنْ تَأْجُرَنِي . . . إلى آخر الاَية ، قال : وأيتهما تريد أن تنكحني ؟ قال : التي دعتك ، قال : لا . ألا وهي بريئة مما دخل نفسك عليها ، فقال : هي عندك كذلك ، فزوّجه . وبنحو الذي قلنا في قوله : أيّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : قالَ ذلكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أيّمَا الأجَلَيْنِ قَضَيْتُ إما ثمانيا ، وإما عشرا .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني ابن لهيعة ، عن عمارة بن غزية ، عن يحيى بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، وسأله رجل قال أيّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَليّ قال : فقال القاسم : ما أبالي أيّ ذلك كان ، إنما هو موعد وقضاء .

وقوله : وَاللّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ يقول : والله على ما أوجب كلّ واحد منا لصاحبه على نفسه بهذا القول ، شهيد وحفيظ . كالذي .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد وَاللّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ قال : شهيد على قول موسى وخَتَنه . وذكر أن موسى وصاحبه لما تعاقدا بينهما هذا العقد ، أمر إحدى ابنتيه أن تعطِيَ موسى عصا من العصيّ التي تكون مع الرعاة ، فأعطته إياه ، فذكر بعضهم أنها العصا التي جعلها الله له آية . وقال بعضهم تلك عصا أعطاه إياها جبريل عليه السلام . ذكر من قال ذلك :

حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : أمر يعني أبا المرأتين إحدى ابنتيه أن تأتيه ، يعني أن تأتيَ موسى بعصا ، فأتته بعصا ، وكانت تلك العصا عصا استودعها إياه مَلَك في صورة رجل ، فدفعها إليه ، فدخلت الجارية ، فأخذت العصا ، فأتته بها فلما رآها الشيخ قال : لا ، ائتيه بغيرها ، فألقتها تريد أن تأخذ غيرها ، فلا يقع في يدها إلاّ هي ، وجعل يردّدها ، وكل ذلك لا يخرج في يدها غيرها فلما رأى ذلك عمد إليها ، فأخرجها معه ، فَرعَى بها . ثم إن الشيخ ندم وقال : كانت وديعة ، فخرج يتلقى موسى ، فلما لقيه قال : أعطني العصا ، فقال موسى : هي عَصَاي ، فأبى أن يعطيه ، فاختصما ، فرضيا أن يجعلا بينهما أوّل رجل يلقاهما ، فأتاهما ملك يمشي ، فقال : ضعوها في الأرض ، فمن حملها فهي له ، فعالجها الشيخ فلم يطقها ، وأخذ موسى بيده فرفعها ، فتركها له الشيخ ، فرعَى له عشر سنين . قال عبد الله بن عباس . كان موسى أحقّ بالوفاء .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : قال يعني أبا الجارية لما زوّجها لموسى : أدخل ذلك البيت فخذ عصا ، فتوكأ عليها ، فدخل ، فلما وقف على باب البيت ، طارت إليه تلك العصا ، فأخذها ، فقال : اردُدها وخذ أخرى مكانها ، قال : فردّها ، ثم ذهب ليأخذ أخرى ، فطارت إليه كما هي ، فقال : لا أردها ، فعل ذلك ثلاثا ، فقال : ارددها ، فقال : لا أجد غيرها اليوم ، فالتفت إلى ابنته ، فقال لابنته : إن زوجك لنبيّ . ذكر من قال التي كانت آيةً عصا أعطاها موسى جبرائيل عليه السلام :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي بكر ، قال : سألت عكرِمة قال : أما عصا موسى ، فإنها خرج بها آدم من الجنة ، ثم قبضها بعد ذلك جبرائيل عليه السلام ، فلقي موسى بها ليلاً ، فدفعها إليه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَالَ ذَٰلِكَ بَيۡنِي وَبَيۡنَكَۖ أَيَّمَا ٱلۡأَجَلَيۡنِ قَضَيۡتُ فَلَا عُدۡوَٰنَ عَلَيَّۖ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٞ} (28)

{ قال ذلك بيني وبينك } أي ذلك الذي عاهدتني فيه قائم بيننا لا نخرج عنه . { أيما الأجلين } أطولهما أو أقصرهما . { قضيت } وفيتك إياه . { فلا عدوان علي } لا تعتدي علي بطلب الزيادة فكما لا أطالب بالزيادة على العشر لا أطالب بالزيادة على الثمان ، أو فلا أكون متعديا بترك الزيادة عليه كقولك لا إثم علي ، وهو أبلغ في إثبات الخيرة وتساوي الأجلين في القضاء من أن يقال إن قضيت الأقصر فلا عدوان علي . وقرئ { أيما } كقوله :

تنظرت نصرا والسماكين أيما *** علي من الغيث استهلت مواطره

وأي الأجلين ما قضيت فتكون ما مزيدة لتأكيد الفعل أي : أي الأجلين جردت عزمي لقضائه ، وعدوان بالكسر . { والله على ما نقول } من المشارطة . { وكيل } شاهد حفيظ .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَ ذَٰلِكَ بَيۡنِي وَبَيۡنَكَۖ أَيَّمَا ٱلۡأَجَلَيۡنِ قَضَيۡتُ فَلَا عُدۡوَٰنَ عَلَيَّۖ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٞ} (28)

لما فرغ كلام شعيب قرره موسى عليه السلام وكرر معناه على جهة التوثق في أن الشرط إنما وقع في ثمان حجج ، و { أيما } استفهام نصبه ب { قضيت } وما صلة للتأكيد ، وقرأ الحسن «أيْما » بسكون الياء ، وقرأ ابن مسعود «أي الأجلين ما قضيت » ، وقرأ الجمهور «فلا عُدوان » بضم العين وقرأ أبو حيوة «فلا عِدوان » بكسر العين ، والمعنى لا تبعة علي من قول ولا فعل ، و «الوكيل » الشاهد القائم بالأمر ، قال ابن زيد : ولما كمل هذا النكاح بينهما أمر شعيب موسى أن يسير إلى بيت له فيه عصيّ وفيه هذا العصا ، فروي أن العصا وثبت إلى موسى فأخذها وكانت عصا آدم وكانت من عير ورقة الريحان ، فروي أن شعيباً أمره بردها ففعل وذهب يأخذ غيرها ، فوثبت إليه ، وفعل ذلك ثالثة ، فلما رأى شعيب ذلك علم أنه يرشح للنبوءة فتركها له ، وقيل إنما تركها له لأنه أمر موسى بتركها ، فأبى موسى ذلك فقال له شعيب : نمد إليها جميعاً فمن طاوعته فهي له ، فمد إليها شعيب يده فثقلت ، ومد إليها موسى فخفت ووثبت إليه ، فعلما أن هذا من الترشيح ، وقال عكرمة : إن عصا موسى إنما دفعها إليه جبريل ليلاً عند توجهه إلى مدين .