تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَجَعَلۡنَا بَيۡنَهُمۡ وَبَيۡنَ ٱلۡقُرَى ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَا قُرٗى ظَٰهِرَةٗ وَقَدَّرۡنَا فِيهَا ٱلسَّيۡرَۖ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا ءَامِنِينَ} (18)

فلما أصابهم ما أصابهم ، تفرقوا وتمزقوا ، بعدما كانوا مجتمعين ، وجعلهم اللّه أحاديث يتحدث بهم ، وأسمارا للناس ، وكان يضرب بهم المثل فيقال : " تفرقوا أيدي سبأ " فكل أحد يتحدث بما جرى لهم ، ولكن لا ينتفع بالعبرة فيهم إلا من قال اللّه : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَجَعَلۡنَا بَيۡنَهُمۡ وَبَيۡنَ ٱلۡقُرَى ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَا قُرٗى ظَٰهِرَةٗ وَقَدَّرۡنَا فِيهَا ٱلسَّيۡرَۖ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا ءَامِنِينَ} (18)

ثم بين - سبحانه - نقمة أخرى أصابتهم بسبب جهلهم وحمقهم ، وكيف أن هذه النقمة قد حلت محل نعمة كانوا فيها ، فقال - تعالى - : { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ القرى التي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السير سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ } .

أى : وجعلنا - بقدرتنا ورحمتنا بين أهل سبأ { وَبَيْنَ القرى التي بَارَكْنَا فِيهَا } كمكة فى الجزيرة العربية ، وكبيت المقدس فى بلاد الشام ، جعلنا بينهم وبين تلك القرى المباركة ، { قُرًى ظَاهِرَةً } أى : قرى متقاربة متواصلة ، بحيث يرى من فى إحداها غيرها .

{ وَقَدَّرْنَا فِيهَا السير } أى : وجعلنا زمن السير من قربة إلى أخرى مقدرا محددا ، بحيث لا يتجاوز مدة معينة قد تكون نصف يوم أو أقل .

وقالوا : كان المسافر يخرج من قرية ، فيدخل الأخرى قبل حلول الظلام بها .

وقوله : { سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ } مقول لقول محذوف . أى : وقلنا لهم : سيروا فى تلك القرى المتقاربة العارمة بالخيرات ، والتى توصلكم إلى القرى المباركة . . سيروا فيها ليالى وأياما آمنين من كل شر سواء سرتم بالليل أم بالنهار ، فإن الأمن فيها مستتب فى كل الأوقات : وفى كل الأحوال .

فالآية الكريمة تحكى نعمة عظمى أخرى أنعم الله - تعالى - بها على أهل سبأ ، وهى نعمة تيسير سبل السفر لهم إلى القرى المباركة ، وتهيئة الأمان والاطمئان لهم خلال سفرهم ، وهى نعمة عظمى لا يدرك ضخامتها إلا من مارس الأسفار من مكان إلى آخر .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَجَعَلۡنَا بَيۡنَهُمۡ وَبَيۡنَ ٱلۡقُرَى ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَا قُرٗى ظَٰهِرَةٗ وَقَدَّرۡنَا فِيهَا ٱلسَّيۡرَۖ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا ءَامِنِينَ} (18)

10

وكان العمران ما يزال متصلاً بينهم وبين القرى المباركة : مكة في الجزيرة ، وبيت المقدس في الشام . فقد كانت اليمن ما تزال عامرة في شمال بلاد سبأ ومتصلة بالقرى المباركة . والطريق بينهما عامر مطروق مسلوك مأمون :

( وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة ، وقدّرنا فيها السير . سيروا فيها ليالي وأياماً آمنين ) . .

وقيل كان المسافر يخرج من قرية فيدخل الأخرى قبل دخول الظلام . فكان السفر فيها محدود المسافات ، مأموناً على المسافرين . كما كانت الراحة موفورة لتقارب المنازل وتقارب المحطات في الطريق .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَجَعَلۡنَا بَيۡنَهُمۡ وَبَيۡنَ ٱلۡقُرَى ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَا قُرٗى ظَٰهِرَةٗ وَقَدَّرۡنَا فِيهَا ٱلسَّيۡرَۖ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا ءَامِنِينَ} (18)

15

يذكر تعالى ما كانوا فيه من الغِبْطة والنعمة ، والعيش الهني الرغيد ، والبلاد الرخية ، والأماكن الآمنة ، والقرى المتواصلة المتقاربة ، بعضها من بعض ، مع كثرة أشجارها وزروعها وثمارها ، بحيث إن مسافرهم لا يحتاج إلى حَمل زاد ولا ماء ، بل حيث نزل وجد ماء وثمرا ، ويَقيل في قرية ويبيت في أخرى ، بمقدار ما يحتاجون إليه في سيرهم ؛ ولهذا قال تعالى : { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا } ، قال وهب بن منبه : هي قرى بصنعاء . وكذا قال أبو مالك .

وقال مجاهد ، والحسن ، وسعيد بن جبير ، ومالك عن زيد بن أسلم ، وقتادة ، والضحاك ، والسُّدِّي ، وابن زيد وغيرهم{[24263]} : يعني : قرى الشام . يعنون أنهم كانوا يسيرون من اليمن إلى الشام في قرى ظاهرة متواصلة .

وقال العوفي ، عن ابن عباس : القرى التي باركنا فيها{[24264]} : بيت المقدس .

وقال العوفي ، عنه أيضا : هي قرى عربية بين المدينة والشام .

{ قُرًى ظَاهِرَةً } أي : بينة واضحة ، يعرفها المسافرون ، يَقيلون في واحدة ، ويبيتون في أخرى ؛ ولهذا قال : { وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ } أي : جعلناها بحسب ما يحتاج المسافرون إليه ، { سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ } أي : الأمن حاصل لهم في سيرهم ليلا ونهارا .


[24263]:- في ت: "وخلق غيرهما".
[24264]:- في ت: "هي".