{ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ } أي : امتنعوا من الفيئة ، فكان ذلك دليلا على رغبتهم عنهن ، وعدم إرادتهم لأزواجهم ، وهذا لا يكون إلا عزما على الطلاق ، فإن حصل هذا الحق الواجب منه مباشرة ، وإلا أجبره الحاكم عليه أو قام به .
{ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } فيه وعيد وتهديد ، لمن يحلف هذا الحلف ، ويقصد بذلك المضارة والمشاقة .
ويستدل بهذه الآية على أن الإيلاء ، خاص بالزوجة ، لقوله : { من نسائهم } وعلى وجوب الوطء في كل أربعة أشهر مرة ، لأنه بعد الأربعة ، يجبر إما على الوطء ، أو على الطلاق ، ولا يكون ذلك إلا لتركه واجبا .
وجواب الشرط في قوله { وَإِنْ عَزَمُواْ الطلاق } محذوف والتقدير وإن عزموا الطلاق فقد وجب عليهم ما اعتزموه ، والطلاق منصوب على نزع الخافض لأن عزم يتعدى بعلى .
وفي قوله : { فَإِنَّ الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ } وعيد شديد لمن يحلف على ترك مباشرة امرأته أو يمسكها بقصد إيذائها ومضارتها .
أي فإن الله - تعالى - سميع لكل ما كان من الزوج الحالف ، عليم بما يقع منه من مضار أو غيرها ، وسيجزيه يوم القيامة بما يستحقه .
قال القرطبي ما ملخصه : وقد جعل الله للزوج مدة أربعة أشهر في تأديب المرأة بالهجر ، وقد آلى النبي صلى الله عليه وسلم من أزواجه شهر تأديبا لهن - عندما طالبنه بزيادة النفقة - وقد قيل : الأربعة الأشهر هي التي لا تستطيع أن تصبر عنه أكثر منها ، وقد روى أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - سأل بعض النساء عن مقدار صبر المرأة عن زوجها فقلن أربعة أشهر ، فجعل عمر مدة الرجل في الغزو أربعة أشهر ، فإذا مضت أر بعة أشهر استرد الغازين ووجه بقوم آخرين ، وهذا - والله أعلم - يقوى اختصاص مدة الإِيلاء بأربعة أشهر " .
وعلى أية حال فإن الطبائع تختلف في مثل هذه الأمور ، والأربعة الأشهر مدة كافية ليختبر الرجل نفسه وميوله ، فإما أن يعود إلى معاشرة زوجه بالطريقة التي شرعها الله ، وإما أن تعاد إلى الزوجة حريتها بالطلاق ، ليبدأ كلاهما حياة زوجية جديدة مع شخص آخر . فذلك أكرم للزوجة وأعف وأصون ، وأنفع للرجل كذلك وأشرف . وقد اختار الله هذه المدة وهو الأعلم بحكمة اختياره فعلينا أن نتقبل ما شرعه لنا طائعين خاشعين .
هذا وجمهور - العلماء على أن الطلاق لا يقع بانتهاء هذه المدة ، وإنما بانتهائها يأمره الحاكم بالفيئة ، فإن تقبل أمر الحاكم بالرضا أمهله مدة يمكنه الفيئة فيها ، وإن لم يتقبله بالرضا أمره بالطلاق ، فإن طلق فبها وإلا طلقها الحاكم منه .
وعليه فإن الفاء في قوله تعالى : { فَإِنْ فَآءُو } لترتيب الحكم الذي يحصل بعد مدة التربص .
وقال الأحناف إن الطلاق يقع بمجرد انتهاء هذه المدة وهي الأربعة الأشهر ، والرجوع إنما يكون خلالها فلا زيادة فوقها ، ويكفى في مراجعته لنفسه تلك المدة ، وما دام لم يرجع إلى معاشرة امرأته خلالها فقد آثر فراقها ، ولا يصح أن نعطيه أية مهلة من الوقت بعدها . وعليه تكون الفاء عندهم للتفصيل ، أي تفصيل ما يحصل من الزوج في هذه المدة .
وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد نهت المسلم عن اتخاذ الحلف بالله حاجزاً بينه وبين فعل الخير ، وأمرته بأن يحفظ لسانه عن الإِكثار من الحلف بالله في الأمور الصغيرة والكبيرة ، وحذرته من تعمد الأيمان الكاذبة التي تؤدي إلى غضب الله - تعالى - لأن اليمين الكاذتبة الفاجرة من كبائر الذنوب ، وحذرته كذلك من أن يهجر زوجته بقصد إيذائها والإِضرار بها ، لأن الحياة الزوجية يجب أن تقوم على المودة والرحمة ، وأرشدته إلى أن أقصى مدة لهجر الزوجة بقصد تأديبها وعلاج أعوجاجها هي أربعة أشهر يراجع فيها نفسه ، فإما أن يعود إليها ويكفر عن يمينه ، وإما أن يقع بينهما الفراق { وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ الله كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ } وبهذه الأحكام السامية يكون الإِسلام قد شرع للرجل والمرأة ما ينفعهما ويصون كرامتهما ، ويحفظ لهما حريتهما وحسن استمتاعهما بالحياة .
( وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )
وفي هذه الحالة ينبغي أن تفك هذه العقدة ؛ وأن ترد إلى الزوجة حريتها بالطلاق . فإما طلق وإما طلقها عليه القاضي . وذلك ليحاول كل منهما أن يبدأ حياة زوجية جديدة مع شخص جديد . فذلك أكرم للزوجة وأعف وأصون ؛ وأروح للرجل كذلك وأجدى ؛ وأقرب إلى العدل والجد في هذه العلاقة التي أراد الله بها امتداد الحياة لا تجميد الحياة .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِنْ عَزَمُواْ الطّلاَقَ فَإِنّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }
اختلف أهل التأويل في معنى قول الله تعالى ذكره وَإنْ عَزَمُوا الطّلاقَ فقال بعضهم : معنى ذلك : للذين يؤلون أن يعتزلوا من نسائهم تربص أربعة أشهر ، فإن فاءوا فرجعوا إلى ما أوجب الله لهن من العشرة بالمعروف في الأشهر الأربعة التي جعل الله لهم تربصهم عنهن وعن جماعهن وعشرتهن في ذلك بالواجب ، فإن الله لهم غفور رحيم ، وإن تركوا الفيء إليهن في الأشهر الأربعة التي جعل الله لهم التربص فيهن حتى ينقضين طلق منهم نساؤهم اللاتي آلوا منهنّ بمضيهن ، ومضيهن عند قائلي ذلك هو الدلالة على عزم المولي على طلاق امرأته التي آلى منها .
ثم اختلف متأولو هذا التأويل بينهم في الطلاق الذي يلحقها بمضيّ الأشهر الأربعة ، فقال بعضهم : هو تطليقة بائنة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا محمد بن بشر ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن خلاس أو الحسن ، عن عليّ قال : إذا مضت أربعة أشهر ، فهي تطليقة بائنة .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا معاذ بن هشام ، قال : حدثنا أبي ، عن قتادة أن عليا وابن مسعود كانا يجعلانها تطليقة إذا مضت أربعة أشهر فهي أحقّ بنفسها . قال قتادة : وقول عليّ وعبد الله أعجب إليّ في الإيلاء .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن : أن عليا قال في الإيلاء : إذا مضت أربعة أشهر بانت بتطليقة .
حدثنا ابن أبي الشوارب ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا معمر ، عن عطاء الخراساني ، عن أبي سلمة أن عثمان بن عفان وزيد بن ثابت كانا يقولان : إذا مضت الأربعة الأشهر فهي واحدة بائنة .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، قال : أخبرنا عطاء الخراساني ، قال : سمعني أبو سلمة بن عبد الرحمن أسأل ابن المسيب عن الإيلاء ، فمررت به ، فقال : ما قال لك ابن المسيب ؟ فحدثته بقوله . فقال : أفلا أخبرك ما كان عثمان بن عفان وزيد بن ثابت يقولان ؟ قلت : بلى . قال : كانا يقولان : إذا مضت أربعة أشهر فهي واحدة وهي أحقّ بنفسها .
حدثنا عليّ بن سهل ، قال : حدثنا الوليد ، عن الأوزاعي ، عن عطاء الخراساني ، قال : حدثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن ، أن عثمان بن عفان ، قال : إذا مضت أربعة أشهر من يوم آلى فتطليقة بائنة .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن معمر ، أو حدثت عنه ، عن عطاء الخراساني ، عن أبي سلمة عن عثمان وزيد أنهما كانا يقولان : إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة .
حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن عقلمة ، قال : آلى عبد الله بن أنيس من امرأته ، فمكثت ستة أشهر ، فأتى ابن مسعود فسأله ، فقال : أعلمها أنها قد ملكت أمرها . فأتاها فأخبرها ، وأصدقها رطلاً من وَرِق .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين ، عن إبراهيم ، عن عبد الله أنه كان يقول في الإيلاء : إذا مضت الأربعة الأشهر فهي تطليقة بائنة .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، عن عبد الله ، مثل ذلك .
حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا أبو معاوية عن الأعمش ، عن إبراهيم ، قال : آلى عبد الله بن أنيس من امرأته ، قال : فخرج فغاب عنها ستة أشهر ، ثم جاء فدخل عليها ، فقيل : إنها قد بانت منك . فأتى عبد الله فذكر ذلك له ، فقال له عبد الله : قد بانت منك ، فأتها وأعلمها وأخطبها إلى نفسها فأتاها فأعلمها أنها قد بانت منه وخطبها إلى نفسها ، وأصدقها رطلاً من وَرِق .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، عن عطاء ، قال : حدثنا داود ، عن عامر ، عن ابن مسعود أنه قال في الإيلاء : إذا مضت أربعة أشهر فهي واحدة بائنة .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثني عبد الأعلى ، قال : حدثنا داود ، عن عامر : أن رجلاً من بني هلال يقال له فلان ابن أنيس أو عبد الله بن أنيس ، أراد من أهله ما يريد الرجل من أهله ، فأبت ، فحلف أن لا يقربها . فطرأ على الناس بعث من الغد ، فخرج فغاب ستة أشهر ، ثم قدم فأتى أهله ، ما يرى أن عليه بأسا . فخرج إلى القوم فحدثهم بسخطه على أهله حيث خرج وبرضاه عنهم حين قدم . فقال القوم : فإنها قد حرمت عليك . فأتى ابن مسعود فسأله عن ذلك ، فقال ابن مسعود : أما علمت أنها حرمت عليك ؟ قال لا . قال : فانطلق فاستأذن عليها ، فإنها ستنكر ذلك ، ثم أخبرها أن يمينك التي كنت حلفت عليها صارت طلاقا ، وأخبرها أنها واحدة وأنها أملك بنفسها ، فإن شاءت خطبتها فكانت عندك على ثنتين ، وإلا فهي أملك بنفسها .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا ابن مهدي : قال : حدثنا سفيان ، عن عليّ بن بذيمة ، عن أبي عبيدة ، عن مسروق ، عن عبد الله ، قال في الإيلاء : إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة ، وتعتدّ ثلاثة قروء .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا ابن مهدي ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور والأعمش ومغيرة ، عن إبراهيم : أن عبد الله بن أنيس آلى من امرأته ، فمضت أربعة أشهر ، ثم جامعها وهو ناس ، فأتى علقمة ، فذهب به إلى عبد الله ، فقال عبد الله : بانت منك فأخطبها إلى نفسها ، فأصدقها رطلاً من فضة .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : حدثنا أيوب ، وحدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال : حدثنا أيوب ، عن أبي قلابة : أن النعمان بن بشير آلى من امرأته ، فضرب ابن مسعود فخذه وقال : إذا مضت أربعة أشهر فاعترف بتطليقة .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعتمر ، قال : سمعت داود ، عن عامر أن ابن مسعود قال في المؤلي : إذا مضت أربعة أشهر ولم يفىء فقد بانت منه امرأته بواحدة وهو خاطب .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا بن مهدي ، قال : حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس قال : عزم الطلاق انقضاء الأربعة الأشهر .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، مثله .
حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن عطاء ، عن ابن عباس أنه قال في الإيلاء : إذا مضت أربعة أشهر فهي واحدة بائنة .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا خالد بن مخلد ، عن جعفر بن برقان ، عن عبد الأعلى بن ميمون بن مهران ، عن عكرمة أنه قال : إذا مضت الأربعة الأشهر فهي تطليقة بائنة . فذكر ذلك عن ابن عباس .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو نعيم ، عن يزيد بن زياد بن أبي الجعد ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، قال : عزيمة الطلاق انقضاء الأربعة .
حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا وكيع ، قال : حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، مثله .
حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا ابن فضل ، قال : حدثنا الأعمش ، عن حبيب ، عن سعيد بن جبير : أن أمير مكة سأله عن المؤلي ، فقال : كان ابن عمر يقول : إذا مضت أربعة أشهر ملكت أمرها ، وكان ابن عباس يقول ذلك .
حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا حفص ، عن الحجاج ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، قال : إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة .
حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا حفص ، عن حجاج ، عن سالم المكي ، عن ابن الحنفية ، مثله .
حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : حدثنا أبي وشعيب ، عن الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب عن أبان بن صالح ، عن ابن شهاب : أن قبيصة بن ذؤيب قال في الإيلاء : هي تطليقة بائنة وتأتنف العدّة وهي أملك بأمرها .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن الشعبي ، عن شريح أنه أتاه رجل فقال : إني آليت من امرأتي فمضت أربعة أشهر قبل أن أفيء . فقال شريح : وَإِنْ عَزَمُوا الطّلاقَ فَإنّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ لم يزده عليها . فأتى مسروقا فذكر ذلك له ، فقال : يرحم الله أبا أمية لو أنا قلنا مثل ما قال لم يفرج أحد عنه ، وإنما أتاه ليفرج عنه . ثم قال : هي تطليقة بائنة ، وأنت خاطب من الخطاب .
حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن مغيرة أنه سمع الشعبي يحدث أنه شهد شريحا وسأله رجل عن الإيلاء فقال : لِلّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائهم تَربّصُ أرْبَعَةِ أشْهُرٍ الآية ، قال : فقمت من عنده ، فأتيت مسروقا ، فقلت : يا أبا عائشة وأخبرته بقول شريح ، فقال : يرحم الله أبا أمية ، لو أن الناس كلهم قالوا مثل هذا من كان يفرج عنا مثل هذا ثم قال : إذا مضت أربعة أشهر فهي واحدة بائنة .
حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا أبو داود ، عن جرير بن حازم ، قال : قرأت في كتاب أبي قلابة عند أيوب : سألت سالم بن عبد الله وأبا سلمة بن عبد الرحمن فقالا : إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة .
حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا أبو داود ، عن جرير بن حازم ، عن قيس بن سعد ، عن عطاء ، قال : إذا مضت أربعة أشهر ، فهي تطليقة بائنة ، ويخطبها في العدّة .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا معتمر ، عن أبيه في الرجل يقول لامرأته : والله لا يجمع رأسي ورأسك شيء أبدا ويحلف أن لا يقربها أبدا ، فإن مضت أربعة أشهر ولم يفىءْ كانت تطليقة بائنة وهو خاطب قول عليّ وابن مسعود وابن عباس والحسن .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن ، أنه سئل عن رجل قال لامرأته : إن قربتك فأنت طالق ثلاثا ، قال : فإذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة ، وسقط ذلك .
حدثنا سوار ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، وحدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا وكيع جميعا ، عن يزيد بن إبراهيم ، قال : سمعت الحسن ومحمدا في الإيلاء ، قالا : إذا مضت أربعة أشهر فقد بانت بتطليقة بائنة ، وهو خاطب من الخطاب .
حدثنا يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن ابن عون ، عن محمد ، قال : كنا نتحدث في الألية أنها إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثام ، عن الأعمش ، عن إبراهيم في الإيلاء قال : إن مضت ، يعني أربعة أشهر بانت منه .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن قتادة ، عن النخعي قال : إن قربها قبل الأربعة الأشهر فقد بانت منه بثلاث ، وإن تركها حتى تمضي الأربعة الأشهر بانت منه بالإيلاء في رجل قال لامرأته : أنت طالق ثلاثا إن قربتك سنة .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا معاذ بن هشام ، قال : ثني أبي ، عن قتادة ، قال : أَعْتَم عبيد الله بن زياد عند هند في ليلة أم عثمان ابنة عمر بن عبيد الله فلما أتاها أمرت جواريها ، فأغلقن الأبواب دونه ، فحلف أن لا يأتيها حتى تأتيه ، فقيل له : إن مضت أربعة أشهر ذهبت منك .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال : حدثنا عوف ، قال : بلغني أن الرجل إذا آلى من امرأته فمضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة ، ويخطبها إن شاء .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : لِلّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائهمْ تَرَبّصْ أرْبَعَةِ أشْهُرٍ في الذي يقسم ، وإن مضت الأربعة الأشهر فقد حرمت عليه ، فتعتد عدّة المطلقة وهو أحد الخطّاب .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن قبيصة بن ذؤيب ، قال : إذا مضت الأربعة الأشهر فهي تطليقة بائنة .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : لِلّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبّصُ أرْبَعَةِ أشْهُرٍ فَإنْ فَاءُوا فَإنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وهذا في الرجل يؤلي من امرأته ويقول : والله لا يجتمع رأسي ورأسك ، ولا أقربك ، ولا أغشاك فكان أهل الجاهلية يعدّونه طلاقا ، فحدّ الله لهما أربعة أشهر ، فإن فاء فيها كفر يمينه وهي امرأته ، وإن مضت أربعة أشهر ولم يفىء فهي تطليقة بائنة ، وهي أحقّ بنفسها ، وهو أحد الخطّاب .
حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، مثله .
حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : لِلّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبّصُ أرْبَعَةِ أشْهُرٍ قال : كان ابن مسعود وعمر بن الخطاب يقولان : إذا مضت أربعة أشهر فهي طالق بائنة ، وهي أحقّ بنفسها .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا أبو وهب ، عن جويبر ، عن الضحاك : لِلّذِينَ يُؤْلُونَ الآية ، هو الذي يحلف أن لا يقرب امرأته ، فإن مضت أربعة أشهر ولم يفيء ولم يطلق بانت منه بالإيلاء ، فإن رجعت إليه فمهر جديد ، ونكاح ببينة ، ورضا من المؤلي .
وقال آخرون : بل الذي يلحقها بمضي الأربعة الأشهر تطليقة يملك فيها الزوج الرجعة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : حدثنا مالك ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام قالا : إذا آلى الرجل من امرأته فمضت أربعة أشهر ، فواحدة وهو أملك لرجعتها .
حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن مالك ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، قال : إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة يملك الرجعة .
حدثنا أبو هشام قال : حدثنا ابن مهديّ ، قال : حدثنا سفيان ، عن إسماعيل بن أمية ، عن مكحول ، قال : إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة ، يملك الرجعة .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن ، قال : هي واحدة وهو أحقّ بها ، يعني إذا مضت الأربعة الأشهر . وكان الزهري يفتي بقول أبي بكر هذا .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : حدثنا الليث ، قال : ثني يونس ، قال : قال ابن شهاب : حدثني سعيد بن المسيب أنه قال : إذا آلى الرجل من امرأته فمضت الأربعة الأشهر قبل أن يفيء فهي تطليقة وهو أملك بها ما كانت في عدتها .
حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا يحيى بن يمان ، قال : حدثنا أبو يونس القويّ ، قال : قال لي سعيد بن المسيب : ممن أنت ؟ قال : قلت من أهل العراق ، قال : لعلك ممن يقول : إذا مضت أربعة أشهر فقد بانت ؟ لا ولو مضت أربع سنين .
حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : حدثنا حجاج بن رشدين قال : حدثنا عبد الجبار بن عمر ، عن ربيعة أنه قال في الإيلاء : إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة ، وتستقبل عدتها ، وزوجها أحق برجعتها .
3حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : كان ابن شبرمة يقول : إذا مضت أربعة أشهر فله الرجعة ويخاصم بالقرآن ، ويتأوّل هذه الآية : وَبُعُولَتُهُنّ أحَقّ بِرَدّهِنّ فِي ذَلِكَ ثم نزع : لِلّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبّصُ أرْبَعَةِ أشْهُرٍ فَإنْ فَاءُوا فَإنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإنْ عَزَمُوا الطّلاقَ فَإنّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ .
حدثنا عليّ بن سهل ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، قال : قال أبو عمرو : ونحن في ذلك يعني في الإيلاء على قول أصحابنا الزهري ومكحول أنها تطليقة يعني مضي الأربعة الأشهر وهو أملك بها في عدتها .
وقال آخرون : معنى قوله : لِلّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ إلى قوله : فَإنّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ للذين يؤلون على الاعتزال من نسائهم تنظر أربعة أشهر بأمره وأمرها ، فإن فاءوا بعد انقضاء الأشهر الأربعة إليهنّ ، فرجعوا إلى عشرتهن بالمعروف ، وترك هجرانهن ، وأتوا إلى غشيانهن وجماعهن ، فإن الله غفور رحيم ، وإن عزموا الطلاق فأحدثوا لهن طلاقا بعد الأشهر الأربعة ، فإن الله سميع لطلاقهم إياهن ، عليم بما فعلوا بهن من إحسان وإساءة .
وقال متأوّلو هذا التأويل : مضيّ الأشهر الأربعة يوجب للمرأة المطالبة على زوجها المؤلي منها بالفيء أو الطلاق ، ويجب على السلطان أن يقف الزوج على ذلك ، فإن فاء أو طلق ، وإلا طلق عليه السلطان . ذكر من قال ذلك :
حدثنا عليّ بن سهل ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، قال : أخبرنا المثنى بن الصباح ، عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب ، أن عمر قال في الإيلاء : لا شيء عليه حتى يوقف ، فيطلق أو يمسك .
حدثني عبد الله بن أحمد بن شبويه ، قال : حدثنا ابن أبي مريم ، قال : حدثنا يحيى بن أيوب ، عن المثنى ، عن عمرو بن شعيب ، عن سعيد بن المسيب ، عن عمر بن الخطاب ، مثله .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا غندر ، قال : حدثنا شعبة ، عن سماك ، قال : سمعت سعيد بن جبير يحدّث عن عمر بن الخطاب أنه قال في الإيلاء : إذا مضت أربعة أشهر لم يجعله شيئا .
حدثنا أبو هشام الرفاعي ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن الشيباني ، عن الشعبي ، عن عمرو بن سلمة ، عن عليّ أنه كان يقف المؤلي بعد الأربعة الأشهر حتى يفيء أو يطلق .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى ، عن سفيان ، عن الشيباني ، عن الشعبي ، عن عمرو بن سلمة ، عن عليّ قال في الإيلاء : يوقف .
حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن الشيباني ، عن بكير بن الأخنس ، عن مجاهد ، عن ابن أبي ليلى ، عن عليّ أنه كان يقفه .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى ، عن سفيان ، عن الشيباني ، عن بكير بن الأخنس ، عن مجاهد ، عن ابن أبي ليلى ، عن عليّ أنه كان يوقفه .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن مروان بن الحكم ، عن عليّ قال : يوقف المؤلي عند انقضاء الأربعة الأشهر حتى يفيء أو يطلق . قال أبو كريب ، قال ابن إدريس : وهو قول أهل المدينة .
حدثنا أبو هشام الرفاعي ، قال : حدثنا ابن فضيل ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن مروان ، عن عليّ مثله .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن مروان بن الحكم ، عن عليّ ، قال : المؤلي إما أن يفيء ، وإما أن يطلق .
حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا وكيع ، عن مسعر ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن طاوس ، أن عثمان كان يقف المؤلي بقول أهل المدينة .
حدثنا أحمد بن حازم ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا مسعر ، عن حبيب بن أبي ثابت ، قال : لقيت طاوسا فسألته ، فقال : كان عثمان يأخذ بقول أهل المدينة .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الصمد ، قال : حدثنا همام ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي الدرداء أنه قال : ليس له أجل وهي معصية ، يوقف في الإيلاء ، فإما أن يمسك ، وإما أن يطلق .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا همام ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب أن أبا الدرداء قال في الإيلاء : إذا مضت أربعة أشهر فإنه يوقف ، إما أن يفيء ، وإما أن يطلق .
3حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا معاذ بن هشام ، قال : حدثنا أبي ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، أن أبا الدرداء كان يقول : هي معصية ، ولا تحرم عليه امرأته بعد الأربعة الأشهر ، ويجعل عليها العدة بعد الأربعة الأشهر .
3حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة أن أبا الدرداء وسعيد بن المسيب قالا : يوقف عند انقضاء الأربعة الأشهر ، فإما أن يفيء ، وإما أن يطلق ، ولا يزال مقيما على معصية حتى يفيء أو يطلق .
3حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة أن أبا الدرداء وعائشة قالا : يوقف المؤلي عند انقضاء الأربعة ، فإما أن يفيء ، وإما أن يطلق .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أبي الدرداء وسعيد بن المسيب ، نحوه .
3حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : حدثنا الحسن ، عن ابن أبي مليكة ، قال : قالت عائشة : يوقف عند انقضاء الأربعة الأشهر ، فإما أن يفيء ، وإما أن يطلق . قال : قلت : أنت سمعتها ؟ قال : لا تبكّتني .
حدثنا إبراهيم بن مسلم بن عبد الله ، قال : حدثنا عمران بن ميسرة ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : حدثنا حسن بن الفرات بإسناده عن عائشة ، مثله .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : حدثنا عبد الجبار بن الورد ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة ، مثله .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني عبيد الله بن عمر ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة أنها قالت : إذا آلى الرجل أن لا يمسّ امرأته فمضت أربعة أشهر ، فإما أن يمسكها كما أمره الله ، وإما أن يطلقها لا يوجب عليه الذي صنع طلاقا ولا غيره .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس بن يزيد وناجية بن بكر وابن أبي الزناد ، عن أبي الزناد ، قال : أخبرني القاسم بن محمد : أن خالد بن العاص المخزومي كانت عنده ابنة أبي سعيد بن هشام ، وكان يحلف فيها مرارا كثيرة أن لا يقربها الزمان الطويل ، قال : فسمعت عائشة تقول له : ألا تتقي الله يا ابن العاص في ابنة أبي سعيد ؟ أما تحرج ؟ أما تقرأ هذه الآية التي في سورة البقرة ؟ قال : فكأنها تؤثمه ، ولا ترى أنه فارق أهله .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر أنه قال في المؤلي : لا يحلّ له إلا ما أحلّ الله له ، إما أن يفيء ، وإما أن يطلق .
حدثنا تميم بن المنتصر ، قال : أخبرنا عبد الله بن نمير ، قال : أخبرنا عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، نحوه .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : حدثنا عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : لا يجوز للمؤلي أن لا يفعل ما أمره الله ، يقول : يبيّن رجعتها ، أو يطلق عند انقضاء الأربعة الأشهر يبين رجعتها ، أو يطلق قال أبو كريب : قال ابن إدريس وزاد فيه : وراجعته فيه ، فقال قولاً معناه : إن له الرجعة .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : حدثنا شعبة ، عن سماك ، عن سعيد بن جبير أن عمر قال نحوا من قول ابن عمر .
حدثنا مجاهد بن موسى ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا جرير بن حازم ، قال : أخبرنا نافع أن ابن عمر قال في الإيلاء : يوقف عند الأربعة الأشهر .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر أنه قال : إذا آلى الرجل أن لا يمسّ امرأته فمضت أربعة أشهر ، فإما أن يمسكها كما أمره الله ، وإما أن يطلقها ولا يوجب عليه الذي صنع طلاقا ولا غيره .
3حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن أيوب ، عن سعيد بن جبير ، قال : سألت ابن عمر عن الإيلاء فقال : الأمراء يقضون بذلك .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : يوقف المؤلي بعد انقضاء الأربعة ، فإما أن يطلق ، وإما أن يفيء .
3حدثنا عبد الله بن أحمد بن شبويه ، قال : حدثنا ابن أبي مريم ، قال : حدثنا يحيى بن أيوب ، عن عبيد الله بن عمر ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، قال : سألت اثني عشر رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن الرجل يؤلي من امرأته ، فكلهم يقول : ليس عليه شيء حتى تمضي الأربعة الأشهر فيوقف ، فإن فاء وإلا طلق .
3حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال : حدثنا داود ، عن سعيد بن المسيب في الرجل يؤلي من امرأته قال : كان لا يرى أن تُدخل عليه فَرَقُه حتى يطلق .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن داود ، عن سعيد بن المسيب في الإيلاء : إذا مضت أربعة أشهر إنما جعله الله وقتا لا يحلّ له أن يجاوز حتى يفيء أو يطلق ، فإن جاوز فقد عصى الله لا تحرُمُ عليه امرأته .
حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا ابن فضيل ، عن داود بن أبي هند ، عن سعيد بن المسيب ، قال : إذا مضت أربعة أشهر ، فإما أن يفيء ، وإما أن يطلق .
حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن ابن المسيب في الإيلاء : يوقف عند انقضاء الأربعة الأشهر ، فإما أن يفيء ، وإما أن يطلق .
حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن معمر ، أو حدثته عنه ، عن عطاء الخراساني ، قال : سألت ابن المسيب عن الإيلاء ، فقال : يوقف .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن المسيب ، وعن ابن طاوس ، عن أبيه ، قالا : يوقف المؤلي بعد انقضاء الأربعة ، فإما أن يفيء ، وإما أن يطلق .
حدثنا عليّ بن سهل ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، قال : ثني مالك بن أنس ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام مثل ذلك . يعني مثل قول عمر بن الخطاب في الإيلاء : لا شيء عليه ، حتى يوقف ، فيطلق ، أو يمسك .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد أنه قال في الإيلاء : يوقف .
حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح . وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : لِلّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبّصُ أرْبَعَةِ أشْهُرٍ قال إذا مضى أربعة أشهر أخذ فيوقف حتى يراجع أهله ، أو يطلق .
حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن أيوب ، عن سليمان بن يسار : أن مروان وقفه بعد ستة أشهر .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال : حدثنا داود ، عن عمر بن عبد العزيز في الإيلاء ، قال : يوقف عند الأربعة الأشهر حتى يفيء ، أو يطلق .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ عن ابن عباس قوله : لِلّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبّصُ أرْبَعَةِ أشْهُرٍ هو الرجل يحلف لامرأته بالله لا ينكحها ، فيتربص أربعة أشهر ، فإن هو نكحها كفر عن يمينه ، فإن مضت أربعة أشهر قبل أن ينكحها أجبره السلطان إما أن يفيء فيراجع ، وإما أن يعزم فيطلق ، كما قال الله سبحانه .
3حدثنا موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : لِلّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبّصُ أرْبَعَةِ أشْهُرٍ فَإنْ فَاءُوا الآية ، قال : كان عليّ وابن عباس يقولان : إذا آلى الرجل من امرأته فمضت الأربعة الأشهر فإنه يوقف فيقال له أمسكت أو طلقت ، فإن أمسك فهي امرأته ، وإن طلق فهي طالق .
3حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : لِلّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ قال : هو الرجل يحلف أن لا يصيب امرأته كذا وكذا ، فجعل الله له أربعة أشهر يتربص بها . وقال : قول الله تعالى ذكره : تَرَبّصُ أرْبَعَةِ أشْهُرٍ يتربص بها فَإنْ فَاءُوا فإنّ اللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإنْ عَزَمُوا الطّلاقَ فإنّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ فإذا رفعته إلى الإمام ضرب له أجلاً أربعة أشهر ، فإن فاء وإلا طلق عليه ، فإن لم ترفعه فإنما هو حق لها تركته .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب ، عن مالك ، قال : لا يقع على المؤلي طلاق حتى يوقف ، ولا يكون مؤليا حتى يحلف على أكثر من أربعة أشهر ، فإذا حلف على أربعة أشهر فلا إيلاء عليه ، لأنه يوقف عند الأربعة أشهر ، وقد سقطت عنه اليمين ، فذهب الإيلاء .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، عن ابن زيد ، قال : قال ابن عمر : حتى يرفع إلى السلطان ، وكان أبي يقول ذلك ويقول : لا والله وإن مضت أربع سنين حتى يوقف .
حدثنا أحمد بن حازم ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا فطر ، قال : قال محمد بن كعب القرظي وأنا معه : لو أن رجلاً آلى من امرأته أربع سنين لم نكنها منه حتى نجمع بينهما ، فإن فاء فاء ، وإن عزم الطلاق عزم .
حدثنا أحمد بن حازم ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا عبد العزيز الماجشون ، عن داود بن الحصين ، قال : سمعت القاسم بن محمد يقول : يوقف إذا مضت الأربعة .
وقال آخرون : ليس الإيلاء بشيء . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أحمد بن حازم ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن عمرو بن دينار ، قال : سألت ابن المسيب عن الإيلاء فقال : ليس بشيء .
حدثنا أحمد بن حازم ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : ثني جعفر بن باقان ، عن ميمون بن مهران ، قال : سألت ابن عمر عن رجل آلى من امرأته فمضت أربعة أشهر فلم يفىء إليها ، فتلا هذه الآية : لِلّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائهِمْ تَرَبّصُ أرْبَعَةِ أشْهُرٍ . . . الآية .
حدثنا أحمد بن حازم ، قال : حدثنا أبونعيم ، قال : حدثنا مسعر ، عن حبيب بن أبي ثابت ، قال : أرسلت إلى عطاء أسأله عن المؤلي ، فقال : لا علم لي به .
وقال آخرون من أهل هذه المقالة : بل معنى قوله : وَإنْ عَزَمُوا الطّلاقَ وإن امتنعوا من الفيئة بعد استيقاف الإمام إياهم على الفيء أو الطلاق . ذكر من قال ذلك :
حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، قال : يوقف المؤلي عند انقضاء الأربعة ، فإن فاء جعلها امرأته ، وإن لم يفىءْ جعلها تطليقة بائنة .
حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، قال : يوقف المؤلي عند انقضاء الأربعة ، فإن لم يفىء فهي تطليقة بائنة .
قال أبو جعفر : وأشبه هذه الأقوال بما دل عليه ظاهر كتاب الله تعالى ذكره ، قول عمر بن الخطاب وعثمان وعليّ رضي الله عنهم ومن قال بقولهم في الطلاق : أن قوله : فإنْ فاءُوا فإنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإنْ عَزَمُوا الطّلاقَ فإنّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ إنما معناه : فإن فاءوا بعد وقف الإمام إياهم من بعد انقضاء الأشهر الأربعة ، فرجعوا إلى أداء حق الله عليهم لنسائهم اللاتي آلوا منهن ، فإن الله لهم غفور رحيم ، وإن عزموا الطلاق فطلقوهن ، فإن الله سميع لطلاقهم إذا طلقوا ، عليم بما أتوا إليهن .
وإنما قلنا ذلك أشبه بتأويل الآية ، لأن الله تعالى ذكره ذكر حين قال : وَإنْ عَزَمُوا الطّلاقَ فإنّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ، ومعلوم أن انقضاء الأشهر الأربعة غير مسموع ، وإنما هو معلوم ، فلو كان عزم الطلاق انقضاء الأشهر الأربعة لم تكن الآية مختومة بذكر الله الخبر عن الله تعالى ذكره أنه سَمِيعٌ عَلِيمٌ كما أنه لم يختم الآية التي ذكر فيها الفيء إلى طاعته في مراجعة المؤلي زوجته التي آلى منها وأداء حقها إليها بذكر الخبر عن أنه شديد العقاب ، إذ لم يكن موضع وعيد على معصية ، ولكنه ختم ذلك بذكر الخبر عن وصفه نفسه تعالى ذكره بأنه غفور رحيم ، إذ كان موضع وعد المنيب على إنابته إلى طاعته ، فكذلك ختم الآية التي فيها ذكر القول ، والكلام بصفة نفسه بأنه للكلام سميع وبالفعل عليم ، فقال تعالى ذكره : وإن عزم المؤلون على نسائهم على طلاق من آلوا منه من نسائهم ، فإن الله سميع لطلاقهم إياهن إن طلقوهن ، عليم بما أتوا إليهن مما يحلّ لهم ، ويحرم عليهم . وقد استقصينا البيان عن الدلالة على صحة هذا القول في كتابنا «كتاب اللطيف من البيان عن أحكام شرائع الدين » فكرهنا إعادته في هذا الموضع .
قوله : { وإن عزموا الطلاق } دليل على شرط محذوف ، دل عليه قوله : { فإن فاءو } فالتقدير : وإن لم يفيئوا فقد وجب عليهم الطلاق ، فهم بخير النظرين بين أن يفيئوا أو يطلقوا فإن عزموا الطلاق فقد وقع طلاقهم .
وقوله { فإن الله سميع عليم } دليل الجواب ، أي فقد لزمهم وأمضى طلاقهم ، فقد حد الله للرجال في الإيلاء أجلاً محدوداً ، لا يتجاوزونه ، فإما أن يعودوا إلى مضاجعة أزواجهم ، وإما أن يطلقوا ، ولا مندوحة لهم غير هذين .
وقد جعل الله للمولي أجلاً وغاية ، أما الأجل فاتفق عليه علماء الإسلام ، واختلفوا في الحالف على أقل من أربعة أشهر ، فالأئمة الأربعة على أنه ليس بإيلاء ، وبعض العلماء : كإسحاق بن راهويه وحماد يقول : هو إيلاء ، ولا ثمرة لهذا الخلاف فيما يظهر ، إلاّ ما يترتب على الحلف بقصد الضرِّ من تأديب القاضي إياه إذا رفعت زوجه أمرها إلى القاضي ومِن أمرِه إياه بالفَيْئَة .
وأما الغاية فاختلفوا أيضاً في الحاصل بعد مضي الأجل ، فقال مالك والشافعي : إن رفعته امرأته بعد ذلك يوقف لدى الحاكم ، فإما أن يفىء أو يطلق بنفسه ، أو يطلق الحاكم عليه ، وروي ذلك عن اثنى عشر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقال أبو حنيفة : إن مضت المدة ولم يفيءْ فقد بانت منه ، واتفق الجميع على أن غير القادر يكفي أن يفيء بالعزم ، والنية ، وبالتصريح لدى الحاكم ، كالمريض والمسجون والمسافر .
واحتج المالكية بأن الله تعالى قال : { فإن الله سميع عليم } فدل على أن هنالك مسموعاً ؛ لأن وصف الله بالسميع معناه العليم بالمسموعات ، على قول المحققين من المتكلمين ، لا سيما وقد قرن بعليم ، فلم يبق مجال لاحتمال قول القائلين من المتكلمين بأن السميع مرادف للعليم وليس المسموع إلاّ لفظ المولي ، أو لفظ الحاكم ، دون البينونة الاعتبارية . وقوله { عليم } يرجع للنية والقصد . وقال الحنفية { سميع } لإيلائه ، الذي صار طلاقاً بمضي أجله ، كأنهم يريدون أن صيغة الإيلاء جعلها الشرع سبب طلاق ، بشرط مضي الأمد { عليم } بنية العازم على ترك الفَيئة . وقول المالكية أصح ؛ لأن قوله : { فإن الله سميع عليم } جُعل مفرعاً عن عزم الطلاق لا عن أصل الإيلاء ؛ ولأن تحديد الآجال وتنهيتها موكول للحكام .
وقد خفي على الناس وجه التأجيل بأربعة أشهر ، وهو أجل حدده الله تعالى ، ولم نطلع على حكمته ، وتلك المدة ثلث العام ، فلعلها ترجع إلى أن مثلها يعتبر زمناً طويلاً ، فإن الثلث اعتبر معظم الشيء المقسوم ، مثل ثلث المال في الوصية ، وأشار به النبي عليه الصلاة والسلام على عبد الله بن عمرو بن العاص في صوم الدهر . وحاول بعض العلماء توجيهه بما وقع في قصة مأثورة عن عمر بن الخطاب ، وعزا ابن كثير في « تفسيره » روايتها لمالك في « الموطأ » عن عبد الله بن دينار . ولا يوجد هذا في الروايات الموجودة لدينا : وهي رواية يحيى بن يحيى الليثي ، ولا رواية ابن القاسم والقعنبي وسويد بن سعيد ومحمد بن الحسن الشيباني ، ولا رواية يحيى بن يحيى بن بكير التميمي التي يرويها المهدي بن تومرت ، فهذه الروايات التي لدينا فلعلها مذكورة في رواية أخرى لم نقف عليها . وقد ذكر هذه القصة أبو الوليد الباجي في شرحه على الموطأ المسمى « بالمنتقى » ، ولم يعزها إلى شيء من روايات « الموطأ » : أن عمر خرج ليلة يطوف بالمدينة يتعرف أحوال الناس فمر بدار سمع امرأة بها تنشد :
أَلاَ طَالَ هذا الليلُ واسَود جانبه *** وأَرَّقني أَن لا خليلَ أُلاَعِبُه
فلولا حذار الله لا شيء غيـره *** لَزعزعَ من هذا السرير جوانبه
فاستدعاها من الغد فأخبرته أن زوجها أرسل في بعث العراق ، فاستدعى عمر نساء فسألهن عن المدة التي تستطيع المرأة فيها الصبر على زوجها قلن شهران ويقل صبرها في ثلاثة أشهر ، وينفد في أربعة أشهر وقيل إنه سأل ابنته حفصة فأمر عمر قواد الأجناد ألا يمسكوا الرجل في الغزو أكثر من أربعة أشهر ، فإذا مضت استردَّ الغازين ووجه قوماً آخرين .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وإن عزموا الطلاق} "فإن حققوا {الطلاق}: أنفذوا في السراح، فلم يجامعها أربعة أشهر، بانت منه بتطليقه.
{فإن الله سميع}: ليمينه، {عليم} يعني عالم بها...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
اختلف أهل التأويل في معنى قول الله تعالى ذكره:"وَإنْ عَزَمُوا الطّلاقَ" فقال بعضهم: معنى ذلك: للذين يؤلون أن يعتزلوا من نسائهم تربص أربعة أشهر، فإن فاءوا فرجعوا إلى ما أوجب الله لهن من العشرة بالمعروف في الأشهر الأربعة التي جعل الله لهم تربصهم عنهن وعن جماعهن وعشرتهن في ذلك بالواجب، فإن الله لهم غفور رحيم، وإن تركوا الفيء إليهن في الأشهر الأربعة التي جعل الله لهم التربص فيهن حتى ينقضين طلق منهم نساؤهم اللاتي آلوا منهنّ بمضيهن، ومضيهن عند قائلي ذلك هو الدلالة على عزم المولي على طلاق امرأته التي آلى منها.
ثم اختلف متأولو هذا التأويل بينهم في الطلاق الذي يلحقها بمضيّ الأشهر الأربعة؛ فقال بعضهم: هو تطليقة بائنة. وقال آخرون: بل الذي يلحقها بمضي الأربعة الأشهر تطليقة يملك فيها الزوج الرجعة.
وقال آخرون: معنى قوله: "لِلّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ "إلى قوله: "فَإنّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ": للذين يؤلون على الاعتزال من نسائهم تنظر أربعة أشهر بأمره وأمرها، فإن فاءوا بعد انقضاء الأشهر الأربعة إليهنّ، فرجعوا إلى عشرتهن بالمعروف، وترك هجرانهن، وأتوا إلى غشيانهن وجماعهن، فإن الله غفور رحيم، وإن عزموا الطلاق فأحدثوا لهن طلاقا بعد الأشهر الأربعة، فإن الله سميع لطلاقهم إياهن، عليم بما فعلوا بهن من إحسان وإساءة.
وقال متأوّلو هذا التأويل: مضيّ الأشهر الأربعة يوجب للمرأة المطالبة على زوجها المؤلي منها بالفيء أو الطلاق، ويجب على السلطان أن يقف الزوج على ذلك، فإن فاء أو طلق، وإلا طلق عليه السلطان.
وقال آخرون: ليس الإيلاء بشيء. وقال آخرون من أهل هذه المقالة: بل معنى قوله: "وَإنْ عَزَمُوا الطّلاقَ": وإن امتنعوا من الفيئة بعد استيقاف الإمام إياهم على الفيء أو الطلاق.
وأشبه هذه الأقوال بما دل عليه ظاهر كتاب الله تعالى ذكره؛ أن قوله: "فإنْ فاءُوا فإنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإنْ عَزَمُوا الطّلاقَ فإنّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" إنما معناه: فإن فاءوا بعد وقف الإمام إياهم من بعد انقضاء الأشهر الأربعة، فرجعوا إلى أداء حق الله عليهم لنسائهم اللاتي آلوا منهن، فإن الله لهم غفور رحيم، وإن عزموا الطلاق فطلقوهن، فإن الله سميع لطلاقهم إذا طلقوا، عليم بما أتوا إليهن.
وإنما قلنا ذلك أشبه بتأويل الآية، لأن الله تعالى ذكره ذكر حين قال: "وَإنْ عَزَمُوا الطّلاقَ فإنّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ"، ومعلوم أن انقضاء الأشهر الأربعة غير مسموع، وإنما هو معلوم، فلو كان عزم الطلاق انقضاء الأشهر الأربعة لم تكن الآية مختومة بذكر الله الخبر عن الله تعالى ذكره أنه سَمِيعٌ عَلِيمٌ كما أنه لم يختم الآية التي ذكر فيها الفيء إلى طاعته في مراجعة المؤلي زوجته التي آلى منها وأداء حقها إليها بذكر الخبر عن أنه شديد العقاب، إذ لم يكن موضع وعيد على معصية، ولكنه ختم ذلك بذكر الخبر عن وصفه نفسه تعالى ذكره بأنه غفور رحيم، إذ كان موضع وعد المنيب على إنابته إلى طاعته، فكذلك ختم الآية التي فيها ذكر القول، والكلام بصفة نفسه بأنه للكلام سميع وبالفعل عليم، فقال تعالى ذكره: وإن عزم المؤلون على نسائهم على طلاق من آلوا منه من نسائهم، فإن الله سميع لطلاقهم إياهن إن طلقوهن، عليم بما أتوا إليهن مما يحلّ لهم، ويحرم عليهم. وقد استقصينا البيان عن الدلالة على صحة هذا القول في كتابنا «كتاب اللطيف من البيان عن أحكام شرائع الدين» فكرهنا إعادته في هذا الموضع.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
إنْ ملَّ حق صحبتها، وأكَّد العزم على مفارقتها، فإن الله مطلع على حاله وسره، فإن بدا له بادٍ من ندم فلا يُلبِس بأركان الطلاق، فإن الله سبحانه عليم أنه طلَّقها. ولمَّا كان الفراق شديداً عَزَّى المرأة بأن قال إنه {سمِيعُ} أي سمعنا موحش تلك القالة، فهذا تعزية لها من الحق سبحانه...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{وَإِنْ عَزَمُواْ الطلاق} فتربصوا إلى مُضيِّ المدة {فَإِنَّ الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ} وعيد على إصرارهم وتركهم الفيئة،
فإن قلت: كيف موقع الفاء إذا كانت الفيئة قبل انتهاء مدّة التربص؟ قلت: موقع صحيح لأن قوله {فَإِن فَآءُوا}، {وَإِنْ عَزَمُواْ} تفصيل لقوله {لّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نّسَائِهِمْ} والتفصيل يعقب المفصل، كما تقول: أنا نزيلكم هذا الشهر، فإن أحمدتكم أقمت عندكم إلى آخره، وإلا لم أقم إلا ريثما أتحوّل.
فإن قلت: ما تقول في قوله: {فَإِنَّ الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ} وعزمهم الطلاق بما يعلم ولا يسمع؟ قلت: الغالب أن العازم للطلاق وترك الفيئة والضرار، لا يخلو من مقاولة ودمدمة ولا بد له من أن يحدّث نفسه ويناجيها بذلك، وذلك حديث لا يسمعه إلا الله كما يسمع وسوسة الشيطان.
التفسير القيم لابن القيم 751 هـ :
{وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم} فإن الطلاق لما كان لفظا يسمع، ومعنى يقصد، عقبه باسم {السميع} لما نطق به {العليم} بمضمونه.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما كان الحال في مدة الإيلاء شبيهاً بحال الطلاق وليس به قال مبيناً أن الطلاق لا يقع بمجرد مضي الأربعة الأشهر بل إما أن يفيء أو يطلق فإن أبى طلق عليه الحاكم: {وإن عزموا الطلاق} فأوقع عليه العزم من غير حرف جر بمعنى أنهم تركوا ما كانوا فيه من الذبذبة وجعلوا الطلاق عزيمة واقعاً من غير مجمجة ولا ستر، والعزم الإجماع على إنفاذ الفعل، والطلاق هو في المعنى بمنزلة إطلاق الشيء من اليد الذي يمكن أخذه بعد إطلاقه -قاله الحرالي.
ولما كان المطلق ربما ندم فحمله العشق على إنكار الطلاق رهبه بقوله: {فإن الله} أي الملك الذي له الجلال والإكرام {سميع} أي لعبارتهم عنه.
قال الحرالي: في إشارته إعلام بأن الطلاق لا بد له من ظاهر لفظ يقع مسموعاً... {عليم} أي به وبنيتهم فيه.
قال الحرالي: وفيه تهديد بما يقع في الأنفس والبواطن من المضارة والمضاجرة بين الأزواج في أمور لا تأخذها الأحكام ولا يمكن أن يصل إلى علمها الحكام فجعلهم أمناء على أنفسهم فيما بطن وظهر، ولذلك رأى العلماء أن الطلاق أمانة في أيدي الرجال كما أن العدد والاستبراء أمانة في أيدي النساء، فلذلك انتظمت آية تربص المرأة في عدتها بآية تربص الزوج في إيلائه...
وبقي من أحكام الإيلاء قسم ثالث ترك التصريح به إشارة إلى أنهم ينبغي أن يكونوا في غاية النزاهة عنه وهو الإصرار على الإضرار، وأشار بصفتي المغفرة والرحمة لفاعل ضده إلى أن مرتكبه يعامل بضدهما مما حكمه معروف في الفقه والله الموفق.
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
{وإن عزموا الطلاق} أي صمموا قصده وعزموا على أن لا يعودوا إلى ملامسة نسائهم {فإن الله سميع عليم} أي فليراقبوا الله تعالى عالمين أنه سميع لإيلائهم وطلاقهم، عليم بنيتهم فيه، فإن كانوا يريدون به إيذاء النساء ومضارتهن فهو يتولى عقابهم، وإن كان لهم عذر شرعي بأن كان الباعث على الإيلاء تربية النساء لأجل إقامة حدود الله، وعلى الطلاق ترك غشيان امرأته فلا يجوز له أن يتربص أكثر من أربعة أشهر فإن تاب وعاد قبل انقضائها لم يكن عليه إثم، وإن أتمها تعين عليه أحد الأمرين الفيئة والرجوع إلى المعاشرة الزوجية أو الطلاق، وعليه أن يراقب الله تعالى فيما يختاره منهما. فإن لم يطلق هو بالقول كان مطلقا بالفعل، أي أنها تطلق منه بعد انتهاء المدة رغم أنفه منعا للضرر، وقيل ترفع أمرها إلى الحاكم فيطلق عليه، والمسألة خلافية في هذا ولكن لا خلاف في عدم جواز بقائها على عصمته وعدم إباحة مضارتها. وقد فضل الله تعالى الفيئة على الطلاق إذ جزاء الفيئة المغفرة والرحمة، وهدى إلى مراقبته في العزم على الطلاق، وذكر المؤلي بسمعه تعالى لما يقول وعلمه بما يسره في نفسه ويقصده من عمله.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وفي هذه الحالة ينبغي أن تفك هذه العقدة؛ وأن ترد إلى الزوجة حريتها بالطلاق. فإما طلق وإما طلقها عليه القاضي. وذلك ليحاول كل منهما أن يبدأ حياة زوجية جديدة مع شخص جديد. فذلك أكرم للزوجة وأعف وأصون؛ وأروح للرجل كذلك وأجدى؛ وأقرب إلى العدل والجد في هذه العلاقة التي أراد الله بها امتداد الحياة لا تجميد الحياة.
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
{وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم} هذا هو الفرض القاسي الغليظ بعد الفرض الرحيم الرفيق، وهذه هي العقوبة التي وضعها الشارع الحكيم، و الطلاق في هذه الحال هو عقوبة عادلة، لأنه من جنس الجريمة، وهي نتيجة طبيعية لمن يظلم زوجه في العشرة الزوجية، وهو باب الفضيلة، إذ يمنع الزوج من أن تتقحم في الرذيلة. وقد أشار الله سبحانه إلى غضبه وعقوبته إن عزم الطلاق، فقد جعل جزاء الشرط كونه سميعا عليما، إذ قال: {وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم] أي أن الله سبحانه وتعالى سميع إلى ما كان من الزوج الحالف، قد سمع يمينه التي لم يرد بها خيرا، وكلامه الذي لم يرد به إلا ضرا، عليم بما وقع منه من مضارة وإيذاء، وأنه لم يحسن العشرة الزوجية، ولم يحسن الفراق، فإنه لم يسرحها بمعروف، بل تركها هملا حتى أنقذها الله من ظلمه بحكمه العادل الحاسم الرحيم. وإن الله سبحانه إذا كان عليما بما وقع، سميعا لما قيل فإنه لابد يوم القيامة مجاز الإحسان إحسانا والسوء سوءا. والطلاق ليس العقوبة الكاملة، إنما العقوبة الكاملة يوم الجزاء الأوفى، وعندئذ تجزى كل نفس بما كسبت، وإلى الله مرجع الأمور.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
[و] ما [تجدر] الإشارة إليه، فهو أنَّ اللّه قد فرض على الإنسان أن يتراجع عن يمينه في الحالة التي يتحوّل فيها اليمين إلى عنصر مضاد للحكم الشرعي، وإلى وسيلة من وسائل الضغط النفسي على الآخرين بالاعتداء على حقوقهم الشرعية؛ وبذلك كانت هذه الآية نموذجاً تطبيقياً للآية السابقة: {وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّه عُرْضَةً لأيْمَانِكُمْ}.