تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكۡرٞ لِّلۡعَٰلَمِينَ} (52)

قال تعالى { وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ } أي : وما هذا القرآن الكريم ، والذكر الحكيم ، إلا ذكر للعالمين ، يتذكرون به مصالح دينهم ودنياهم .

تم تفسير سورة القلم ، والحمد لله رب العالمين .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكۡرٞ لِّلۡعَٰلَمِينَ} (52)

ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة ، ببيان ما كان عليه الكافرون من كراهية للنبى صلى الله عليه وسلم ومن حقد عليه ، فقال - تعالى - : { وَإِن يَكَادُ الذين كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُواْ الذكر وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ . وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ } .

وقولهك { لَيُزْلِقُونَكَ } من الزَّلَق - بفتحتين - ، وهو تزحزح الإِنسان عن مكانه ، وقد يؤدى به هذا التزحزح إلى السقوط على الأرض ، يقال : زَلَقه يَزْلِقه ، و أزْلقه يُزْلِقه إزلافا ، إذا نحاه وأبعده عن مكانه ، واللام فيه للابتداء .

قال الشوكانى : قرأ الجمهور : { لَيُزْلِقُونَكَ } بضم الياء من أزلقه ، أى : أزل رجله . .

وقرأ نافع وأهل المدينة { لَيُزْلِقُونَكَ } - بفتح الياء - من زلق عن موضعه .

و { إن } هى المخففة من الثقيلة ، - واسمها ضمير الشأن محذوف ، و " لما " ظرفية منصوبة بيزلقونك . أو هى حرف ، وجوابها محذوف لدلالة ما قبلها عليه . أى : لما سمعوا الذكر كادوا يزلقونك . .

أى : وإن يكاد الذين كفروا ليهلكونك ، أو ليزلون قدمك عن موضعها ، أو ليصرعونك بأبصارهم من شدة نظرهم إليك شزرا ، بعيون ملؤها العداوة والبغضاء حين سمعوا الذكر ، وهو القرآن الكريم . .

{ وَيَقُولُونَ } على سبيل البغض لك { إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ } أى : إن الرسول صلى الله عليه وسلم لمن الأشخاض الذين ذهبت عقولهم . .

{ وَمَا هُوَ } أى : القرآن الذى أنزلناه عليك { إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ } أى : تذكير بالله - تعالى - وبدينه وبهداياته . . وشرف لهم وللعالمين جميعا .

وجاء قوله { يَكَادُ } بصيغة المضارع ، للإِشارة إلى استمرار ذلك فى المستقبل .

وجاء قوله { سَمِعُواْ } بصيغة الماضى ، لوقوعه مع { لما } وللإِشعار بأنهم قد حصل منهم هذا القول السَّيئ .

وجاء قوله { لَيُزْلِقُونَكَ } بلام التأكيد للإشعار بتصميم على هذه الكراهية ، وحرصهم عليها .

وقوله - سبحانه - : { وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ } رد على أكاذيبهم وإبطال لأقوالهم الزائفة ، حيث وصفوه صلى الله عليه وسلم بالجنون لأنه إذا ما كان ما جاء به شرف وموعظة وهداية وتذكير بالخير للناس . . لم يكن معقولا أن يكون مبلغة مجنونا .

ومنهم من فسر قوله - تعالى - { لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ . . . } أى : ليحدسونك عن طريق النظر الشديد بعيونهم . .

قال الإِمام ابن كثير : وقوله : { وَإِن يَكَادُ الذين كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ } قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما : { لَيُزْلِقُونَكَ } : لينقذونك بأبصارهم ، أى : لَيعَينوك بأبصارهم ، بمعنى ليحسدونك لبغضهم إياك ، لولا وقاية الله لك ، وحمايتك منهم .

وفى هذه الآية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حق بأمر الله - عز وجل - ، كما وردت بذلك الأحاديث المروية من طرق متعددة كثيرة .

ثم ساق - رحمه الله - جملة من الأحاديث فى هذا المعنى ، منها ما رواه أبو داود فى سننه ، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا رقية إلا من عين أو حُمَه - أى : سم - ، أودم لا يرقأ " .

وروى الإمام مسلم فى صحيحه عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " العين حق ، ولو كان شئ سابَق القدر سَبَقَت العين " .

وعن ابن عباس - أيضا - قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين فيقول : " أعيذ كما بكلمات الله التامة ، من كل شيطان وهامة - والهامة كل ذات سم يقتل - ، ومن كل عين لامة " " .

وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " العين حق حتى لتورد الرجل القبر ، والجمل القدر ، وإن أكثر هلاك أمتى فى العين " .

وبعد : فهذا تفسير محرر لسورة " ن " نسأل الله - تعالى - أن يجعله خالصا لوجهه ، ونافعا لعباده .

والحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات ، وصلى الله عليه سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكۡرٞ لِّلۡعَٰلَمِينَ} (52)

يعقب عليه بالقول الفصل الذي ينهي كل قول :

( وما هو إلا ذكر للعالمين ) .

والذكر لا يقوله مجنون ، ولا يحمله مجنون . .

وصدق الله وكذب المفترون . .

ولا بد قبل نهاية الحديث من لفتة إلى كلمة( للعالمين ) . . هنا والدعوة في مكة تقابل بذلك الجحود ، ويقابل رسولها بتلك النظرات المسمومة المحمومة ، ويرصد المشركون لحربها كل ما يملكون . . وهي في هذا الوقت المبكر ، وفي هذا الضيق المستحكم ، تعلن عن عالميتها . كما هي طبيعتها وحقيقتها . فلم تكن هذه الصفة جديدة عليها حين انتصرت في المدينة - كما يدعي المفترون اليوم - إنما كانت صفة مبكرة في أيام مكة الأولى . لأنهاحقيقة ثابتة في صلب هذه الدعوة منذ نشأتها .

كذلك أرادها الله . وكذلك اتجهت منذ أيامها الأولى . وكذلك تتجه إلى آخر الزمان . والله الذي أرادها كما أرادها هو صاحبها وراعيها . وهو المدافع عنها وحاميها . وهو الذي يتولى المعركة مع المكذبين . وليس على أصحابها إلا الصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكۡرٞ لِّلۡعَٰلَمِينَ} (52)

وقوله : وَإنْ يَكادُ الّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بأبْصَارِهِمْ يقول جلّ ثناؤه : وإن يكاد الذين كفروا يا محمد يَنْفُذونك بأبصارهم من شدة عداوتهم لك ويزيلونك فيرموا بك عند نظرهم إليك غيظا عليك . وقد قيل : إنه عُنِيَ بذلك : وإن يكان الذين كفروا مما عانوك بأبصارهم ليرمون بك يا محمد ، ويصرعونك ، كما تقول العرب : كاد فلان يصرعني بشدّة نظره إليّ قالوا : وإنما كانت قريش عانوا لمجنون ، فقال الله لنبيه عند ذلك : وإن يكاد الذين كفروا ليرمونك بأبصارهم لَمّا سَمِعُوا الذّكْرَ وَيَقُولُونَ إنّهُ لمَجْنُونٌ . وبنحو الذي قلنا في معنى لَيُزْلِقُونَكَ قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، في قوله : وَإنْ يكادُ الّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَك بأبْصَارِهِم لَمّا سَمِعُوا الذّكْرَ يقول : يَنْفُذونك بأبصارهم من شدّة النظر ، يقول ابن عباس : يقال للسهم : زَهَق السهم أو زلق .

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : لَيُزْلِقونَك بأبْصَارِهِمْ يقول : لَيَنْفُذونك بأبصارهم .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله وَإنْ يكادُ الّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بأبْصَارِهِمْ يقول : ليزهقونك بأبصارهم .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا معاوية ، عن إبراهيم ، عن عبد الله أنه كان يقرأ : «وَإنْ يَكادُ الّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْهِقُونَكَ » .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : لَيُزْلِقُونَكَ قال : لينفذونك بأبصارهم .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة في قوله : لَيُزْلِقُونَكَ بأبْصَارِهِمْ قال : ليزهقونك ، وقال الكلبي ليصْرَعونك .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَإنْ يَكادُ الّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقونَكَ بأبْصَارِهِمْ لينفذونك بأبصارهم معاداة لكتاب الله ، ولذكر الله .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَإنْ يَكادُ الّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بأبْصَارِهمْ يقول : يَنْفذونك بأبصارهم من العداوة والبغضاء .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله لَيُزْلِقُونَكَ فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة «لَيَزْلِقُونَكَ » بفتح الياء من زلقته أزلقه زَلْقا . وقرأته عامة قرّاء الكوفة والبصرة لَيُزْلِقُونَكَ بضم الياء من أزلقه يُزْلِقه .

والصواب من القول في ذلك عند أنهما قراءتان معروفتان ، ولغتان مشهورتان في العرب متقاربتا المعنى والعرب تقول للذي يحلِق الرأس : قد أزلقه وزلقه ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب .

وقوله لمَا سَمِعُوا الذّكْرَ يقول : لما سمعوا كتاب الله يتلى وَيَقُولُونَ إنّهُ لَمَجْنُونٌ يقول تعالى ذكره : يقول هؤلاء المشركون الذين وصف صفتهم إن محمدا لمجنون ، وهذا الذي جاءنا به من الهذيان الذي يَهْذِي به في جنونه وَما هُوَ إلاّ ذكْرٌ للْعَالمِينَ وما محمد إلا ذِكر ذَكّر الله به العالَمينِ الثقلين الجنّ والإنس .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكۡرٞ لِّلۡعَٰلَمِينَ} (52)

وما هو إلا ذكر للعالمين لما جننوه لأجل القرآن بين أنه ذكر عام لا يدركه ولا يتعاطاه إلا من كان أكمل الناس عقلا وأميزهم رأيا .

ختام السورة:

عن النبي صلى الله عليه وسلم من قرأ سورة القلم أعطاه الله ثواب الذين حسن الله أخلاقهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكۡرٞ لِّلۡعَٰلَمِينَ} (52)

ثم قرر تعالى أن هذا القرآن العزيز { ذكر للعالمين } من الجن والإنس ، ووعظ لهم وحجة عليهم ، فالحمد لله الذي أنعم علينا به وجعلنا أهله وحماته لا رب غيره .

نجز تفسير سورة «ن والقلم » بحمد الله تعالى وعونه وصلى الله على محمد وآله وسلم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكۡرٞ لِّلۡعَٰلَمِينَ} (52)

وقوله : { وما هو إلاّ ذكر للعالمين } إبطال لقولهم : { إنه لمجنون } لأنهم قالوه في سياق تكذيبهم بالقرآن فإذا ثبت أن القرآن ذكْر بطَلَ أن يكون مبلّغه مجنوناً . وهذا من قبيل الاحتباك إذ التقدير : ويقولون إنه لمجنون وإِن القرآن كلام مجنون ، وما القرآن إلاّ ذكر وما أنت إلاّ مُذكر .