غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكۡرٞ لِّلۡعَٰلَمِينَ} (52)

1

ثم أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم عن حسد قومه وحرصهم على إيقاع المكروه به بعد أن صبره وشجعه فقال { وإن يكاد } هي مخففة من الثقيلة واللام دليل عليها .

زلقه وأزلقه بمعنى . يقال زلق الرأس وأزلقه أي حلقه . قال جار الله : يعني أنهم من شدة تخوفهم ونظرهم إليك سراً بعيون العداوة والبغضاء يكادون يزلون قدمك أو يهلكونك من قولهم " نظر إليّ نظرا يكاد يصرعني أو يكاد يأكلني " أي لو أمكنه بنظره الصرع أو الأكل لفعله . ثم بين بقوله { لما سمعوا الذكر } أن هذا النظر كان يشتد منهم في حال قراءة النبي صلى الله عليه وسلم القرآن حسداً على ما أوتي من النبوة . { ويقولون إنه لمجنون } حيرة في أمره وتنفيراً عنه مع علمهم بأنه أعقلهم .

ثم قال تعالى { وما هو } أي القرآن { إلا ذكر } وموعظة { للعالمين } وفيه استجهال أن يجنبن من جاء بمثله من الآداب والحكم وأصول كل العلوم والمعارف . واعلم أن للعقلاء خلافاً في أن الإصابة بالعين هل لها في الجملة حقيقة أم لا ؟ وبتقدير كونها حقيقة فهل الآية مفسر بها أم لا ؟ أما المقام الأول فقد شرحناه في أول " البقرة " في قوله { واتبعوا ما تتلوا الشياطين } [ الآية :102 ] وفي يوسف في قوله { يا بني لا تدخلوا من باب واحد } [ الآية : 67 ] والذي نقوله هاهنا : فمنهم من أنكر ذلك بناء على أن تأثير الجسم في الجسم لا يعقل إلا بواسطة المماسة وهو ضعيف لأن النفوس والأمزجة له تأثيرات خاصة . ويروى أنه صلى الله عليه وسلم قال " العين تدخل الرجل القبر والجمل القدر " وأما المقام الثاني فقد قال بعض المفسرين : كانت العين في بني أسد ، وكان الرجل منهم يتجوع ويرتاض وثلاثة أيام فلا يمر به شيء فيقول فيه : لم أر كاليوم مثله إلا عانه . فالتمس الكفار من بعض من كانت له هذه الصفة أن يقول في رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : لم أر كاليوم رجلاً مثله . فعصمه الله تعالى . طعن الجبائي في هذا التأويل وقال : الإصابة بالعين مقرونة باستحسان الشيء ، والقوم كانوا يبغضون النبي صلى الله عليه وسلم وأجيب بأنهم كانوا يبغضونه من حيث الدين إلا أنهم كانوا يستحسنون مصاحبته بإيراده الأعاجيب من الحجج والبيان وأنواع المعجزات . وعن الحسن : دواء الإصابة بالعين أن تقرأ هذه الآية وبالله التوفيق .

/خ51