تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكۡرٞ لِّلۡعَٰلَمِينَ} (52)

وما هو إلا ذكر للعالمين .

ما هو إلا تذكير للعالمين ، وبيان لجميع ما يحتاجون إليه من أمور دينهم ، فكيف يحكم على من أنزل عليه القرآن بالجنون ، والقرآن مشتمل على الذروة العليا من الفصاحة والبيان والتشريع والآداب وأخبار السابقين ، وحكم ما بين اللاحقين ، وأخبار القيامة والبعث ، وكلما تكرر حلا ، ولا تنقضي عجائبه ، وهو معجز بما فيه من علوم وفنون وأخبار وأحكام يصدّقها العلم ، ولا تتصادم مع العقل ، فهو حقّا تذكير للعامين ، وسبيل من سبل الهداية لأهل المشارق والمغارب .

وقيل : معنى الذكر : الشرف والفضل ، لقوله تعالى : وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون . ( الزخرف : 44 ) .

وإذا تأملنا السياق أدركنا أن المراد هو : الوحي والرسالة ودعوة الإسلام تذكير للعالمين .

كما قال سبحانه وتعالى : وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين . ( الأنبياء : 107 ) .

وقد ادعى المستشرقون أن القرآن في مكة كان محليّا للعرب ، فلما انتقل المسلمون إلى المدينة وأصبحت لهم دولة ، بدأ النبي صلى الله عليه وسلم يكاتب الملوك ويدعوهم للإسلام ، واتجه القرآن إلى العالمية ، وإذا علمنا أن سورة القلم من أوائل ما نزل بمكة أدركنا أن عالمية الدعوة كانت وهي في بدايات أمرها ، فهي دعوة الله إلى الناس كافة .

قال تعالى : وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون . ( سبأ : 28 ) .

ختام السورة:

خلاصة ما اشتملت عليه سورة القلم

1- محاسن الأخلاق النبوية إلى قوله تعالى : وإنك لعلى خلق عظيم .

2- سوء أخلاق بعض الكفار وجزاؤهم من قوله تعالى : فستبصر ويبصرون . إلى قوله تعالى : سنسمه على الخرطوم .

3- ضرب المثل لهم بأصحاب الجنة من قوله تعالى : إن بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة . . . إلى قوله تعالى : كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون .

4- تقريع المجرمين وتوبيخهم وإقامة الحجج عليهم .

5- تهديد المشركين المكذبين بالقرآن في قوله تعالى : فذرني ومن يكذب بهذا الحديث . . .

6- أمره صلى الله عليه وسلم بالصبر على أذى المشركين حتى لا يكون كصاحب الحوت .

i الحرد : المنع .

ii العين تدخل الرجل القبر :

قال السيوطي في الدر المنثور : وأخرج أبو نعيم في الحلية عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم فال : ( العين تدخل الرجل القبر والجمل القدر ) .

iii إن العين لتولع بالرجل :

رواه أحمد في مسنده ( 20795 ) من حديث أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن العين لتولع بالرجل بإذن الله حتى يصعد حالقا ثم يتردى منه ) .

iv كان خلقه القرآن :

رواه مسلم في أثناء حديث طويل من كتاب صلاة المسافرين ، باب جامع صلاة الليل ، ومن نام عنه أو مرض ( 746 ) عن زرارة أن سعد بن هشام بن عامر أراد أن يغزو في سبيل الله ، فقدم المدينة فأراد أن يبيع عقارا له بها ، فيجعله في السلاح والكراع ، ويجاهد الروم حتى يموت ، فلما قدم المدينة لقي أناسا من أهل المدينة فنهوه عن ذلك ، وأخبروه أن رهطا ستة أرادوا ذلك في حياة نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فنهاهم نبي الله صلى الله عليه وسلم ، وقال ( أليس لكم فيّ أسوة ) ؟ فلما حدثوه بذلك راجع امرأته ، وقد كان طلقها ، وأشهد على رجعتها ، فأتى ابن عباس فسأله عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال ابن عباس : ألا أدلك على أعلم أهل الأرض بوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : من ؟ قال : عائشة ، فأتها فاسألها ، ثم ائتني فأخبرني بردها عليك ، فانطلقت إليها فأتيت على حكيم بن أفلح . فاستلحقته إليها . فقال : ما أنا بقاربها لأني نهيتها أن تقول في هاتين الشيعتين شيئا فأبت فيهما إلا مضيا . قال : فأقسمت عليه فجاء ، فانطلقنا إلى عائشة فاستأذنا عليها ، فأذنت لنا ، فدخلنا عليها . فقالت : أحكيم ؟ ( فعرفته ) فقال : نعم . فقالت : من معك ؟ قال : سعيد بن هشام . قالت : من هشام ؟ قال : ابن عامر . فترحمت عليه . وقالت خيرا . ( قال قتادة : وكان أصيب يوم أحد ) فقلت : يا أم المؤمنين ، أنبئيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم . قالت : ألست تقرأ القرآن ؟ قلت : بلى . قالت : فإن خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن . قال : فهممت أن أقوم . . . الحديث . وأحمد مختصرا ( 23460 ، 24139 ، 24629 ) .

v خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين :

رواه البخاري في الأدب ( 6068 ) ومسلم في الفضائل ( 2309 ) والترمذي في البر والصلة ( 2015 ) واللفظ له . من حديث أنس قال : خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين ، فما قال لي أف قط ، وما قال لشيء صنعته : لم صنعته ، ولا لشيء تركته : لم تركته ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقا ولا مسست خزا قط ولا حريرا ولا شيئا كان ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا شممت مسكا قط ولا عطرا كان أطيب من عرق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال الترمذي : وفي الباب عن عائشة والبراء ، وهذا حديث حين صحيح .

vi لا يبلغني أحد من أصحابي عن أحد شيئا :

رواه أبو داود في الأدب ( 4860 ) والترمذي في المناقب ( 3896 ، 3897 ) وأحمد في مسنده ( 3750 ) من حديث عبد الله ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يبلغني أحد من أصحابي عن أحد شيئا ، فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر ) وقال الترمذي : حديث غريب .

vii إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير :

رواه البخاري في الوضوء ( 218 ) وفي الجنائز ( 1361 ، 1378 ) وفي الأدب ( 6052 ) ومسلم في الطهارة ( 292 ) والنسائي في الجنائز ( 2069 ) وابن ماجة في الطهارة ( 347 ) وأحمد في مسنده ( 1981 ) من حديث ابن عباس قال : مرّ النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال : ( إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير ، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول ، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة ) . ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين فغرز في كل قبر واحدة ، قالوا : يا رسول الله ، لم فعلت هذا ؟ قال : ( لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا ) . وقال محمد بن المثنى : وحدثنا وكيع قال : حدثنا الأعمش قال : سمعت مجاهدا مثله : يستتر من بوله . ورواه ابن ماجة في الطهارة ( 349 ) وأحمد في مسنده ( 19860 ) من حديث أبي بكرة قال : مرّ النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال : ( إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير ، أما أحدهما فيعذب في البول ، وأما الآخر فيعذب في الغيبة ) .

viii لا يدخل الجنة قتات :

رواه البخاري في الأدب ( 6056 ) ومسلم في الإيمان ( 105 ) من حديث همام قال : كنا مع حذيفة ، فقيل له : إن رجلا يرفع الحديث إلى عثمان ، فقال له حذيفة : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا يدخل الجنة قتات ) .

ix ألا أخبركم بخياركم :

رواه أحمد في مسنده ( 27052 ) من حديث أسماء بنت يزيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ألا أخبركم بخياركم ) ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : ( الذين إذا رءوا ذكر الله تعالى ) ثم قال : ( ألا أخبركم بشراركم ؟ المشاءون بالنميمة ، المفسدون بين الأحبة ، الباغون للبرآء العنت ) .

x فيها ما لا عين رأت :

رواه البخاري في بدء الخلق ( 3244 ) ، وفي التفسير ( 4779 ، 4780 ) وفي التوحيد ( 7498 ) ومسلم في الجنة ( 2824 ) ، والترمذي في التفسير ( 3197 ، 3292 ) ، وابن ماجة في الزهد ( 4328 ) ، وأحمد ( 9365 ، 9688 ، 10051 ) والدارمي في الرقاق ( 2828 ) من حديث أبي هريرة .

xi يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة :

رواه البخاري في تفسير القرآن ( 4919 ) وفي التوحيد ( 7440 ) ، ومسلم في الإيمان ( 183 ) من حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة ، فيبقى كل من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقا واحدا ) .

ورواه الدارمي في الرقاق ( 2803 ) من حديث أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إذا جمع الله العباد في صعيد واحد نادى مناد : ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون ، فيلحق كل قوم بما كانوا يعبدون ويبقى الناس على حالهم فيأتيهم فيقول : ما بال الناس ذهبوا وأنتم ها هنا ؟ فيقولون : ننتظر إلهنا ، فيقول : هل تعرفونه : فيقولون : إذا تعرف إلينا عرفناه . فيكشف لهم عن ساقه فيقعون سجودا فذلك قول الله تعالى : { يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون } ويبقى كل منافق فلا يستطيع أن يسجد ، ثم يقودهم إلى الجنة ) .

xii تفسير القرآن لأبي المظفر السمعاني ( 426 -489 ه ) المجلد السادس من الملك إلى الناس ، ص 30 ، دار الوطن للنشر ، الرياض .

xiii تفسير البغوي ( معالم التنزيل ) للحسين بن مسعود البغوي المتوفى ( 516 ه ) المجلد 8 ، ص 201 دار طيبة للنشر والتوزيع بالرياض سنة 1412 ه .

xiv تفسير المراغي ، الجزء 29 ص ( 45 ، 46 ) .

xv إن الله ليملي للظالم ، حتى إذا أخذه لم يفلته :

رواه البخاري في التفسير باب : قوله : { وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد } ( 4409 ) ومسلم في البر والصلة والآداب ، باب : تحريم الظلم ( 2583 ) وابن ماجة في الفتن باب العقوبات ( 4018 ) عن أبي موسى رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله ليملي للظالم ، حتى إذا أخذه لم يفلته ) . قال : ثم قرأ : { وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد } .

xvi العين تدخل الرجل القبر :

تقدم تخريجه ، انظر هامش ( 12 ) .

xvii تفسير أبي السعود ، لقاضي القضاة الإمام أبي السعود محمد بن محمد العمّاديّ ، المتوفى سنة ( 951 ه ) .

xviii روح المعاني ، للعلامة الآلوسي البغدادي ، تفسير الجزءين 29-30 ، ص38 .

xix المرجع السابق ، وقد استشهد بهذه الفقرة التفسير الوسيط بإشراف مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ص1546 .