التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكۡرٞ لِّلۡعَٰلَمِينَ} (52)

51

تعليق على جملة

{ وما هو إلا ذكر للعالمين }

وجملة{ وما هو إلا ذكر للعالمين } التي اختتمت بها السورة عظيمة المدى في إطلاقها ؛ حيث ينطوي فيها إعلان كون الرسالة المحمدية دعوة شاملة لجميع الأجناس والألوان والأديان والبلدان في جميع الأزمان . وتبكير ورودها يعني أن ذلك كان هدفا محكماً من أهداف هذه الرسالة منذ بدئها خلافاً لما يحلو لبعض المستشرقين أن يزعموه من أن هذه الرسالة للعرب فقط ، أو بأن عمومها قد كان تطوراً متأخراً . ولقد تكرر هذا المعنى في آيات كثيرة مكية ومدنية متنوعة الأساليب قوية المدى . منها آيات سورة ص هذه : { إن هو إلا ذكر للعالمين{[2281]} ( 87 ) ولتعلمن نبأه بعد حين( 88 ) } ، وآية سورة الأنعام هذه : { قل لا أسئلكم عليه أجراً إن هو إلا ذكرى للعالمين( 90 ) } ، وفي سورة الأنبياء آية تضمنت المعنى مع زيادة تقرير كون رسالة النبي صلى الله عليه وسلم هي رحمة للعالمين وهي : { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين( 107 } ، وفي سورة الأعراف آية تأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعلان كون رسالته للناس جميعا وهي : { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ( 158 ) } . وهذا بالإضافة إلى آيات عديدة وجهت فيها الدعوة إلى أهل الكتاب مثل آيات سورة المائدة هذه : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ( 15 ) } ، وهذه { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ( 19 ) } . وهناك آيات ذات مدى عظيم ؛ حيث تضمنت تقريراً ربانياً بأن الله قد أرسل رسوله بالهدى ودين الحق وبأنه سيظهره على الدين كله على ما جاء في آية سورة الفتح هذه : { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا( 28 ) } ، وآية سورة الصف هذه : { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون( 9 ) }{[2282]} حيث ينطوي في هذا تأييد لعموم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم ووعد رباني بأنها ستعم البشرية وتظهر على سائر الأديان لأنها رسالة الحق والهدى ، ولن يخلف الله وعده .

هذا : ويلحظ أن فصول السورة قد نزلت بمناسبة مواقف الكفار وأقوالهم واحتوت رداً عليهم وإنذاراً وتثبيتاً وتأييداً للنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين . فهي من قسم الوسائل ويصح أن تكون نموذجاً كاملاً من نماذجه المبكرة في النزول . ومع ذلك فقد تخللتها مبادئ اجتماعية وإيمانية محكمة أيضا ، مما فيه صورة من صور التنزيل القرآني التي تكررت في كثير من فصول القرآن وسوره

/خ52


[2281]:- في سورتي يوسف والتكوير فصل مماثل أيضا.
[2282]:في سورة التوبة آية مماثلة.