تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرِ ٱسۡمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلۡ إِلَيۡهِ تَبۡتِيلٗا} (8)

{ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ } شامل لأنواع الذكر كلها { وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا } أي : انقطع إلى الله تعالى ، فإن الانقطاع إلى الله والإنابة إليه ، هو الانفصال بالقلب عن الخلائق ، والاتصاف بمحبة الله ، وكل ما يقرب إليه ، ويدني من رضاه .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرِ ٱسۡمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلۡ إِلَيۡهِ تَبۡتِيلٗا} (8)

ثم أمره - سبحانه - بعد ذلك بالمداومة على ذكره ليلا ونهارا فقال : { واذكر اسم رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً . رَّبُّ المشرق والمغرب لاَ إله إِلاَّ هُوَ فاتخذه وَكِيلاً } .

وقوله - سبحانه - { وَتَبَتَّلْ } من التبتل ، وهو الاشتغال الدائم بعبادة الله - تعالى - ، والانقطاع لطاعته . ومنه قولهم بتل فلان الحبل ، إذا قطعه ، وارمأة بتول .

أى : منقطعة عن الزواج ، ومتفرغة لعبادة الله - تعالى -والمراد به هنا : التفرغ لما يرضى الله - تعالى - ، والاشتغال بذلك عن كل شئ سواه .

أى : ودوام - أيها الرسول الكريم - على ذكر الله - تعالى - عن طريق تسبيحه ، وتحميده وتكبيره ، وتفرغ لعبادته وطاعته تفرغا تاما ، دون أن يشغلك عن ذلك شاغل .

فربك - عز وجل - هو { رَّبُّ المشرق والمغرب } . أى : هو - سبحانه - رب جهتى الشروق والغروب للشمس .

{ لاَ إله إِلاَّ هُوَ } مستحق للعبادة والطاعة ، وما دام الأمر كذلك { فاتخذه وَكِيلاً } .

أى : فاتخذه وكيلك الذى تفوض إليه أمرك ، وتلجأ إليه فى كل أحوالك . . إذ الوكيل هو الذى توكل إليه الأمور ، ويترك له التصرف فيها .

وليس المراد بقوله - تعالى - : { واذكر اسم رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً } الانقطاع التام عن الأعمال ، لأن هذا يتنافى مع قوله - تعالى - قبل ذلك : { إِنَّ لَكَ فِي النهار سَبْحَاً طَوِيلاً } وإنما المراد التنبيه إلى أنه صلى الله عليه وسلم ينبغى له أن لا يشغله السبح الطويل بالنهار ، عن طاعته - عز وجل - وعن المداومة على مراقبته وذكره .

ومما لا شك فيه أن ما كان يقوم به النبى صلى الله عليه وسلم من الاشتغال بأمر الدعوة إلى وحدانية الله - تعالى - ، ومن تعليم الناس العلم النافع ، والعمل الصالح . . كل ذلك يندرج تحت المواظبة على ذكر الله - تعالى - ، وعلى التفرغ لعبادته .

وقال - سبحانه - { وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً } ولم يقل تبتلا حتى يكون الفعل موافقا لمصدره ، للإِشارة إلى أن التبتل والانقطاع إلى الله يحتاجان إلى عمل اختيارى منه صلى الله عليه وسلم ، بأن يجرد نفسه عن كل ما سوى الله - تعالى - ، وبذلك يحصل التبتل الذى هو أثر للتبتيل ، بمعنى ترويض النفس وتعويدها على العبادة والطاعة .

ووصف - سبحانه - ذاته بأنه { رَّبُّ المشرق والمغرب } ، لمناسبة الأمر بذكره فى الليل والنهار ، وهما وقت ابتداء طلوع الشمس وغروبها ، فكأنه - سبحانه - يقول : داوم على طاعتى لأنى أنا رب جميع جهات الأرض ، التى فيها تشرق الشمس وتغرب .

والمراد بالمشرق والمغرب هنا جنسهما ، فهما صادقان على كل مشرق من مشارق الشمس ، التى هى ثلاثمائة وستون مشرقا - كما يقول العلماء - وعلى كل مغرب من مغاربها التى هى كذلك .

والمراد بالمشرقين والمغربين كما جاء فى سورة الرحمن : مشرق ومغرب الشتاء والصيف .

والمراد بالمشارق والمغارب كما جاء فى سورة المعارج : مشرق ومغرب كل يوم للشمس والكواكب .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرِ ٱسۡمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلۡ إِلَيۡهِ تَبۡتِيلٗا} (8)

( واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا ) . .

وذكر اسم الله ، ليس هو مجرد ترديد هذا الاسم الكريم باللسان ، على عدة المسبحة المئوية أو الألفية ! إنما هو ذكر القلب الحاضر مع اللسان الذاكر ؛ أو هو الصلاة ذاتها وقراءة القرآن فيها . والتبتل هو الانقطاع الكلي عما عدا الله ، والاتجاه الكلي إليه بالعبادة والذكر ، والخلوص من كل شاغل ومن كل خاطر ، والحضور مع الله بكامل الحس والمشاعر .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرِ ٱسۡمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلۡ إِلَيۡهِ تَبۡتِيلٗا} (8)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَاذْكُرِ اسْمَ رَبّكَ وَتَبَتّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً * رّبّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لاَ إِلََهَ إِلاّ هُوَ فَاتّخِذْهُ وَكِيلاً * وَاصْبِرْ عَلَىَ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً } .

يقول تعالى ذكره : وَاذْكُرْ يا محمد اسْمَ رَبّكَ فادعه به وَتَبَتّلْ إلَيْهِ تَبْتِيلاً يقول : وانقطع إليه انقطاعا لحوائجك وعبادتك دون سائر الأشياء غيره وهو من قولهم : تبتّلتُ هذا الأمر ومنه قيل لأمّ عيسى بن مريم البتول ، لانقطاعها إلى الله ويقال للعابد المنقطع عن الدنيا وأسبابها إلى عبادة الله : قد تبتل ومنه الخبر الذي رُوي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم «أنه نهى عن التبتّل » . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَتَبَتّلْ إلَيْهِ تَبْتِيلاً قال : أخلص له إخلاصا .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا يحيى ، عن ابن أبي نجيح ، عن الحكم ، عن مِقْسم ، عن ابن عباس : وَتَبَتّلْ إلَيْهِ تَبْتِيلاً قال : أخلص له إخلاصا .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد وَتَبَتّلْ إلَيْهِ تَبْتِيلاً قال : أخلص له إخلاصا .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن مجاهد ، مثله ، إلا أنه قال : أخْلِصْ إليه .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد وَتَبَتّلْ إلَيْهِ تَبْتِيلاً قال : أخلص إليه إخلاصا .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي يحيى المكي ، في قوله وَتَبَتّلْ إلَيْهِ تَبْتِيلاً قال : أخلص إليه إخلاصا .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : وَتَبَتّلْ إلَيْهِ تَبْتِيلاً قال : أخلص إليه المسألة والدعاء .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن أبي زائدة ، عن أشعث ، عن الحسن ، في قوله : وَتَبَتّلْ إلَيْهِ تَبْتِيلاً قال : بَتّل نفسك واجتهد .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَتَبَتّلْ إلَيْهِ تَبْتِيلاً يقول : أخلص له العبادة والدعوة .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، بنحوه .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَتَبَتّلْ إلَيْهِ تَبْتِيلاً قال : أخلص إليه إخلاصا .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله وَتَبَتّلْ إلَيْهِ تَبْتِيلاً قال : أي تفرّغ لعبادته ، قال : تبتل فحبذا التبتل إلى الله ، وقرأ قول الله : فإذَا فَرَغْتَ فانْصَبْ قال : إذا فرغت من الجهاد فانصب في عبادة الله وَإلى رَبّكَ فارْغَبْ .