تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَيَقُولُونَ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ ءَايَةٞ مِّن رَّبِّهِۦۖ فَقُلۡ إِنَّمَا ٱلۡغَيۡبُ لِلَّهِ فَٱنتَظِرُوٓاْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُنتَظِرِينَ} (20)

{ وَيَقُولُونَ ْ } أي : المكذبون المتعنتون ، { لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ ْ } يعنون : آيات الاقتراح التي يعينونها كقولهم : { لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا ْ } الآيات .

وكقولهم : { وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا ْ } الآيات .

{ فَقُلْ ْ } لهم إذا طلبوا منك آية { إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ ْ } أي : هو المحيط علما بأحوال العباد ، فيدبرهم بما يقتضيه علمه فيهم وحكمته البديعة ، وليس لأحد تدبير في حكم ولا دليل ، ولا غاية ولا تعليل .

{ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ ْ } أي : كل ينتظر بصاحبه ما هو أهل له ، فانظروا لمن تكون العاقبة .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَيَقُولُونَ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ ءَايَةٞ مِّن رَّبِّهِۦۖ فَقُلۡ إِنَّمَا ٱلۡغَيۡبُ لِلَّهِ فَٱنتَظِرُوٓاْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُنتَظِرِينَ} (20)

ثم حكى - سبحانه - لونا آخر من ألوان تعنت المشركين وجهالاتهم فقال - تعالى - :

{ وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الغيب . . . } .

ومرادهم بالآية التي طلبوها : آية كونية سوى القرآن الكريم ، بأن تكون معه - صلى الله عليه وسلم - ناقة كنافة صالح - عليه السلام - أو تكون معه عصا كعصا موسى - عليه السلام - وكأنهم لا يعتبرون القرآن آية كبرى ، ومعجزة عظمى على صدقة - صلى الله عليه وسلم - .

ومرادهم بإنزالها عليه : ظهورها على يديه - صلى الله عليه وسلم - حتى يروا ذلك بأعينهم .

أى : " ويقول هؤلاء المشركون لنبيهم - صلى الله عليه وسلم - هلا أنزل الله عليك آية أخرى سوى القرآن الكريم تكون شاهدة لك بالنبوة ، كأن تعيد إلى الحياة آباءنا ، وكأن تتحول جبال مكة إلى بساتين " .

ومطالبهم هذه إنما طلبوها على سبيل العناد والتعنت لا على سبيل الاسترشاد والثبت ، قال - تعالى - : { وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ الملائكة وَكَلَّمَهُمُ الموتى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ ليؤمنوا إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله . . . } وقوله : { فَقُلْ إِنَّمَا الغيب للَّهِ فانتظروا إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ المنتظرين } أمر من الله - تعالى - لرسوله - صلى الله عليه وسلم - بأن يرد عليهم بما يفحمهم .

أى : قل لهم في الجواب على هذه المطالب المتعنتة : إن هذه المطالب التي طلبتموها هي من علم الغيب الذي استأثر الله به ، فقد يجيبكم إليها - سبحانه - وقد لا يجيبكم ، فانتظروا في ما يقضيه الله في أمر تعنتكم في مطالبكم ، إني معكم من المنتظرين لقضائه وقدره ، ولما يفعله بي وبكم .

فالجملة الكريمة تهديد لهم على تعنتهم وجهلهم ، وتهوينهم من شأن القرآن الكريم ، مع أنه أصدق معجزة للرسول - صلى الله عليه وسلم - وأعظمها .

ولقد حكى القرآن - في آيات أخرى كثيرة - المطالب المتعنته التي طلبها المشركون من النبي - صلى الله عليه وسلم - والتي تدل على عنادهم وجحودهم ، ومن ذلك قوله - تعالى - : { وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرض يَنْبُوعاً . أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأنهار خِلالَهَا تَفْجِيراً . أَوْ تُسْقِطَ السمآء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بالله والملائكة قَبِيلاً . أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ ترقى في السمآء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً } كما حكى أيضاً - سبحانه - أنه لو أجابهم إلى مطالبهم لما آمنوا ، لأنهم معاندون جاحدون فقال - تعالى - { إِنَّ الذين حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ . وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حتى يَرَوُاْ العذاب الأليم } وقال - سبحانه - : { وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً في قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الذين كَفَرُواْ إِنْ هذآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَيَقُولُونَ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ ءَايَةٞ مِّن رَّبِّهِۦۖ فَقُلۡ إِنَّمَا ٱلۡغَيۡبُ لِلَّهِ فَٱنتَظِرُوٓاْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُنتَظِرِينَ} (20)

1

وبعد هذا التعقيب يمضي في الاستعراض لما يقول المستخلفون :

( ويقولون : لولا أنزل عليه آية من ربه ! فقل : إنما الغيب لله ، فانتظروا إني معكم من المنتظرين ) .

فكل الآيات التي يحتويها هذا الكتاب العظيم المعجز لا تكفيهم . وكل آيات الله المبثوثة في تضاعيف الكون لا تكفيهم . وهم يقترحون خارقة كخوارق الرسل في الأمم قبلهم . غير مدركين طبيعة الرسالة المحمدية . وطبيعة معجزتها . فهي ليست معجزة وقتية تنتهي بمشاهدة جيل ، إنما هي المعجزة الدائمة التي تخاطب القلب والعقل في جيل بعد جيل .

ويوجه الله رسوله أن يحيلهم على الله الذي يعلم ما في غيبه ، ويقدر إن كان سيبرز لهم خارقة أو لا يبرز :

( فقل : إنما الغيب لله . فانتظروا إني معكم من المنتظرين ) . .

وهو جواب في طيه الإمهال وفي طيه التهديد . . وفي طيه بعد ذلك بيان حدود العبودية في جانب الألوهية . فإن محمدا [ ص ] وهو أعظم الأنبياء المرسلين ، لا يملك من أمر الغيب شيئا ، فالغيب كله لله . ولا يملك من أمر الناس شيئا ، فأمرهم موكول إلى الله . . وهكذا يتحدد مقام العبودية في جانب مقام الألوهية ، ويخط خط بارز فاصل بين الحقيقتين لا شبهة بعده ولا ريبة