تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَيَسۡتَعۡجِلُونَكَ بِٱلۡعَذَابِ وَلَن يُخۡلِفَ ٱللَّهُ وَعۡدَهُۥۚ وَإِنَّ يَوۡمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلۡفِ سَنَةٖ مِّمَّا تَعُدُّونَ} (47)

{ 47 - 48 } { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ * وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ }

أي : يستعجلك هؤلاء المكذبون بالعذاب ، لجهلهم ، وظلمهم ، وعنادهم ، وتعجيزا لله ، وتكذيبا لرسله ، ولن يخلف الله وعده ، فما وعدهم به من العذاب ، لابد من وقوعه ، ولا يمنعهم منه مانع ، وأما عجلته ، والمبادرة فيه ، فليس ذلك إليك يا محمد ، ولا يستفزنك عجلتهم وتعجيزهم إيانا . فإن أمامهم يوم القيامة ، الذي يجمع فيه أولهم وآخرهم ، ويجازون بأعمالهم ، ويقع بهم العذاب الدائم الأليم ، ولهذا قال : { وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ } من طوله ، وشدته ، وهو له ، فسواء أصابهم عذاب في الدنيا ، أم تأخر عنهم العذاب ، فإن هذا اليوم ، لا بد أن يدركهم .

ويحتمل أن المراد : أن الله حليم ، ولو استعجلوا العذاب ، فإن يوما عنده كألف سنة مما تعدون ، فالمدة ، وإن تطاولتموها ، واستبطأتم فيها نزول العذاب ، فإن الله يمهل المدد الطويلة ولا يهمل ، حتى إذا أخذ الظالمين بعذابه لم يفلتهم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَيَسۡتَعۡجِلُونَكَ بِٱلۡعَذَابِ وَلَن يُخۡلِفَ ٱللَّهُ وَعۡدَهُۥۚ وَإِنَّ يَوۡمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلۡفِ سَنَةٖ مِّمَّا تَعُدُّونَ} (47)

ثم أكد - سبحانه - انطماس بصائرهم ، حيث بين أنهم بدل أن يتوبوا إلى الله ويستغفروه ، استعجلوا العذاب فقال : { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب وَلَن يُخْلِفَ الله وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } .

أى : أن هؤلاء الطغاة بدل أن يسيروا فى الأرض فيعتبروا ويتعظوا ، أخذوا يطلبون منك - ايها الرسول الكريم - نزول العذاب عاجلا ، على سبيل الاستهزاء بك والاستخفاف بما هددناهم به ، ويقولون لك : متى هو ؟

فالجملة الكريمة { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب } خبرية فى اللفظ ، استفهامية فى المعنى .

وقوله - سبحانه - : { وَلَن يُخْلِفَ الله وَعْدَهُ } جملة حالية جىء بها لتهديهم على استعجالهم العذاب ، أى : والحال أن الله - تعالى - لن يخلف ما وعدهم به من العذاب ، بل هو منجزه فى الوقت الذى يريده هو وليس الذى يريدونه هم .

وقوله - سبحانه - : { وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } جملى مستأنفة سيقت لبيان أن حساب الأزمان فى تقدير الله - تعالى - يخالف ما يقدره البشر .

أى : دعهم - أيها الرسول الكريم - يستعجلون العذاب ، فذلك دأب الظالمين فى كل حين ، وسبيل الجاهلين فى كل زمان ، واعلمهم أن الله - تعالى - لن يخلف وعده إياهم به فى الوقت المحدد لذلك ، وإن يوما عنده - تعالى - كألف سنة مما يعده هؤلاء فى دنياهم ، وسيأتيهم هذا اليوم الذى يطول عليهم طولا شديدا ، لمايرون فيه من عذاب مهين .

قال القرطبى : قوله - تعالى - : { وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } قال ابن عباس ومجاهد : يعنى من الأيام التى خلق فيها السموات والأرض . وقال عكرمة : يعنى من أيام الآخرة ، أعلمهم الله إذ استعجلوه بالعذاب فى أيام قصيرة أنه يأتيهم به فى أيام طويلة .

وقال الفراء : هذا ويعد لهم بامتداد عذابهم فى الآخرة .

وقيل المعنى : وإن يوما فى الخوف والشدة فى الآخرة كألف سنة من سنىّ الدنيا فيها خوف وشدة . . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَيَسۡتَعۡجِلُونَكَ بِٱلۡعَذَابِ وَلَن يُخۡلِفَ ٱللَّهُ وَعۡدَهُۥۚ وَإِنَّ يَوۡمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلۡفِ سَنَةٖ مِّمَّا تَعُدُّونَ} (47)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللّهُ وَعْدَهُ وَإِنّ يَوْماً عِندَ رَبّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مّمّا تَعُدّونَ } .

يقول تعالى ذكره : ويستعجلونك يا محمد مشركو قومك بما تَعِدهم من عذاب الله على شركهم به وتكذيبهم إياك فيما أتيتهم به من عند الله في الدنيا ، ولن يخلف الله وعده الذي وعدك فيهم من إحلال عذابه ونقمته بهم في عاجل الدنيا . ففعل ذلك ، ووفى لهم بما وعدهم ، فقتلهم يوم بدر .

واختلف أهل التأويل في اليوم الذي قال جلّ ثناؤه : وَإنّ يَوْما عِنْدَ رَبّكَ كألْفِ سَنَةٍ مِمّا تَعُدّونَ أيّ يوم هو ؟ فقال بعضهم : هو من الأيام التي خلق الله فيها السموات والأرض . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن سِماك ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس : وَإنّ يَوْما عِنْدَ رَبّكَ كألْفِ سَنَةٍ مِمّا تَعُدّونَ قال : من الأيام التي خلق الله فيها السموات والأرض .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، في قوله : وَإنّ يَوْما عِنْدَ رَبّكَ . . . الاَية ، قال : هي مثل قوله في «الم تَنْزِيلُ » سواء ، هو هو الاَية .

وقال آخرون : بل هو من أيام الاَخرة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن سماك ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس ، قال : مقدار الحساب يوم القيامة ألف سنة .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، قال : حدثنا سعيد الجريريّ ، عن أبي نَضْرة عن سمير بن نهار ، قال : قال أبو هريرة : يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل الأغنياء بمقدار نصف يوم . قلت : وما نصف يوم ؟ قال : أو ما تقرأ القرآن ؟ قلت : بلى . قال : وَإنّ يَوْما عِنْدَ رَبّكَ كألْفِ سَنَةٍ مِمّا تَعُدّونَ .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثني عبد الرحمن ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر ، عن مجاهد : وَإنّ يَوْما عِنْدَ رَبّكَ كألْفِ سَنَة قال : من أيام الاَخرة .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن سماك ، عن عكرمة ، أنه قال في هذه الاَية : وَإنّ يَوْما عِنْدَ رَبّكَ كألْفِ سَنَةٍ مِمّا تَعُدّونَ قال : هذه أيام الاَخرة . وفي قوله : ثُمّ يَعْرُجُ إلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَة مِمّا تَعُدّونَ قال : يوم القيامة وقرأ : إنّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدا وَنَرَاهُ قَرِيبا .

وقد اختلف في وجه صرف الكلام من الخبر عن استعجال الذين استعجلوا العذاب إلى الخبر عن طول اليوم عند الله ، فقال بعضهم : إن القوم استعجلوا العذاب في الدنيا ، فأنزل الله : وَلَنْ يُخْلِفَ اللّهُ وَعْدَهُ في أن ينزل ما وعدهم من العذاب في الدنيا ، وإن يوما عند ربك من عذابهم في الدنيا والاَخرة كألف سنة مما تعدّون في الدنيا .

وقال آخرون : قيل ذلك كذلك إعلاما من الله مستعجليه العذاب أنه لا يعجل ، ولكنه يُمْهل إلى أجل أجّله ، وأن البطيء عندهم قريب عنده ، فقال لهم : مقدار اليوم عندي ألف سنة مما تعدّونه أنتم أيها القوم من أيامكم ، وهو عندكم بطيء وهو عندي قريب .

وقال آخرون : معنى ذلك : وإن يوما من الثقل وما يخاف كألف سنة .

والقول الثاني عندي أشبه بالحقّ في ذلك وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر عن استعجال المشركين رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعذاب ، ثم أخبر عن مبلغ قدر اليوم عنده ، ثم أتبع ذلك قوله : وكأيّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظالِمَةٌ فأخبر عن إملائه أهل القرية الظالمة وتركه معاجلتهم بالعذاب ، فبين بذلك أنه عنى بقوله : وَإنّ يَوْما عِنْدَ رَبّكَ كألْفِ سَنَةٍ مِمّا تَعُدّونَ نفي العجلة عن نفسه ووصفها بالأناة والانتظار . وإذ كان ذلك كذلك ، كان تأويل الكلام : وإن يوما من الاَيام التي عند الله يوم القيامة ، يوم واحد كألف سنة من عددكم ، وليس ذلك عنده ببعيد وهو عندكم بعيد فلذلك لا يعجل بعقوبة من أراد عقوبته حتى يبلغ غاية مدّته .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَيَسۡتَعۡجِلُونَكَ بِٱلۡعَذَابِ وَلَن يُخۡلِفَ ٱللَّهُ وَعۡدَهُۥۚ وَإِنَّ يَوۡمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلۡفِ سَنَةٖ مِّمَّا تَعُدُّونَ} (47)

{ ويستعجلونك بالعذاب } المتوعد به . { ولن يخلف الله وعده } لامتناع الخلف في خبره فيصيبهم ما أوعدهم به ولو بعد حين لكنه صبور لا يعجل بالعقوبة . { وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون } بيان لتناهي صبره وتأنيه حتى استقصر المدد الطوال ، أو لتمادي عذابه وطول أيامه حقيقية ، أو من حيث إن أيام الشدائد مستطالة ، وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي بالياء .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَيَسۡتَعۡجِلُونَكَ بِٱلۡعَذَابِ وَلَن يُخۡلِفَ ٱللَّهُ وَعۡدَهُۥۚ وَإِنَّ يَوۡمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلۡفِ سَنَةٖ مِّمَّا تَعُدُّونَ} (47)

عطف على جملة { وإن يكذبوك } [ الحج : 42 ] عطف القصة على القصة فإن من تكذيبهم أنهم كذبوا بالوعيد وقالوا : لو كان محمد صادقاً في وعيده لعُجّل لنا وعيده ، فكانوا يسألونه التعجيل بنزول العذاب استهزاء ، كما حكى الله عنهم في قوله : { وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم } [ الأنفال : 32 ] ، وقال : { ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين } [ السجدة : 28 ] فذكر ذلك في هذه الآية بمناسبة قوله { فأمليت للكافرين } [ الحج : 44 ] الآية .

وحُكي { ويستعجلونك } بصيغة المضارع للإشارة إلى تكريرهم ذلك تجديداً منهم للاستهزاء وتوركاً على المسلمين .

والخطاب للنبيء صلى الله عليه وسلم والمقصود إبلاغه إياهم .

والباء من قوله { بالعذاب } زائدة لتأكيد معنى الاستعجال بشدّته كأنه قيل يحرصون على تعجيله . وقد تقدم ذلك عند قوله تعالى : { ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة } في أول [ سورة الرعد : 6 ] .

ولما كان استعجالهم إياه تعريضاً منهم بأنهم موقنون بأنه غير واقع أعقب بقوله : { ولن يخلف الله وعده } ، أي فالعذاب الموعود لهم واقع لا محالة لأنه وعدٌ من الله والله لا يخلف وعده . وفيه تأنيس للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين لئلا يستبطئونه .

وقوله : { وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون } عطف على جملة { ولن يخلف الله وعده } ، فإن الله توعدهم بالعذاب وهو صادق على عذاب الدنيا والآخرة وهم إنما استعجلوا عذاب الدنيا تهكماً وكناية عن إيقانهم بعدم وقوعه بلازم واحد ، وإيماء إلى عدم وقوع عذاب الآخرة بِلازمين ، فَردّ الله عليهم رداً عاماً بقوله : { ولن يخلف الله وعده } ، وكان ذلك تثبيتاً للمؤمنين ، ثم أعقبه بإنذارهم بأن عذاب الآخرة لا يفلتون منه أيضاً وهو أشدّ العذاب .

فقوله : { وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون } خبر مستعمل في التعريض بالوعيد ، وهذا اليوم هو يوم القيامة .

وفي معنى هذه الآية قوله تعالى : { يستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين } [ العنكبوت : 5354 ] .

وليس المراد بقوله : { وإن يوماً عند ربك } إلى آخره استقصار أجل حلول العذاب بهم في الدنيا كما درج عليه أكثر المفسرين لعدم رشاقة ذلك على أن هذا الاستقصار يغني عنه قوله عقب هذا : { وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها } [ الحج : 48 ] .

والخطاب في { تعدون } للنبيء صلى الله عليه وسلم والمؤمنين . وقرأ الجمهور { تعدون } بالفوقية ، وقرأه ابن كثير ، وحمزة ، والكسائي { مما يعدون } بياء الغائبين . أي مما يعده المشركون المستعجلون بالعذاب .