تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمَآ أَنتُم بِمُعۡجِزِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِي ٱلسَّمَآءِۖ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٖ} (22)

{ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ } أي : يا هؤلاء المكذبون ، المتجرؤن على المعاصي ، لا تحسبوا أنه مغفول عنكم ، أو معجزون للّه في الأرض ولا في السماء ، فلا تغرنكم قدرتكم وما زينت لكم أنفسكم وخدعتكم ، من النجاة من عذاب الله ، فلستم بمعجزين الله في جميع أقطار العالم .

{ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ } يتولاكم ، فيحصل لكم مصالح دينكم ودنياكم ، { وَلَا نَصِيرٍ } ينصركم ، فيدفع عنكم المكاره .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَآ أَنتُم بِمُعۡجِزِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِي ٱلسَّمَآءِۖ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٖ} (22)

{ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأرض وَلاَ فِي السمآء } أى : وما أنتم - أيها الناس - بقادرين على أن تفلتوا أو تهربوا من لقاء الله - تعالى - ومن حسابه ، سواء أكنتم فى الأرض ، أم كنتم فى السماء ، إذ ليست هناك قوة فى هذا الوجود تحول بينكم وبين الانقلاب إليه - سبحانه - والوقوف بين يديه للحساب والجزاء .

قال الشوكانى : { وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأرض وَلاَ فِي السمآء } قال الفراء : ولا من فى السماء يمعجزين الله فيها . . والمعنى : أنه لا يعجزه - سبحانه - أهل الأرض ولا أهل السماء فى السماء لو كنتم فيها ، كما تقول : لا تفوتنى فلان هاهنا ولا بالبصرة . يعنى : ولا بالبصرة لو صار إليها . .

وقوله - سبحانه - : { وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } مؤكد لما قبله . أى : لستم بقادرين على الهرب من لقاء الله - تعالى - فى الآخرة . وليس سواه ناصر ينصركم ، أو من قريب يدفع عنكم حكمه وقضاءه - سبحانه - .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمَآ أَنتُم بِمُعۡجِزِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِي ٱلسَّمَآءِۖ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٖ} (22)

وأما قوله : وَما أنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأرْضِ وَلا فِي السّماءِ فإن ابن زيد قال في ذلك ما :

حدثني يونس ، قال : أخبرن ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله وَما أنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأرْضِ وَلا فِي السّماءِ قال : لا يُعجزه أهل الأرضين في الأرضين ولا أهل السموات في السموات إن عصوه ، وقرأ : مثقالُ ذَرّةٍ في السّموات ولا فِي الأرض ، وَلا أصْغَرُ مِنْ ذلكَ ولا أكْبَرُ إلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ .

وقال في ذلك بعض أهل العربية من أهل البصرة : وما أنتم بمعجزين من في الأرض ولا من في السماء مُعْجِزِينَ قال : وهو من غامض العربية للضمير الذي لم يظهر في الثاني . قال : ومثله قول حسان بن ثابت :

أمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللّهِ مِنْكُمْ *** ويَمْدَحُهُ وَيَنْصُرُهُ سَوَاءُ ؟

أراد : ومن ينصره ويمدحه ، فأضمر «مَنْ » . قال : وقد يقع في وهم السامع أن النصر والمدح لمَنْ هذه الظاهرة ومثله في الكلام : أكرمْ من أتاك وأتى أباك ، وأكرم من أتاك ولم يأت زيدا . تريد : ومن لم يأت زيدا ، فيكتفي باختلاف الأفعال من إعادة مَنْ ، كأنه قال : أمَن يهجو ، ومن يمدحه ، ومن ينصره . ومنه قول الله عزّ وجلّ : وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ باللّيْل وَسارِبٌ بالنّهارِ وهذا القول أصحّ عندي في المعنى من القول الاَخر ، ولو قال قائل : معناه : ولا أنتم بمعجزين في الأرض ، ولا أنتم لو كنتم في السماء بمعجزين كان مذهبا .

وقوله : وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ وَليّ وَلا نَصِيرٍ يقول : وما كان لكم أيها الناس من دون الله من وليّ يلي أموركم ، ولا نصير ينصركم من الله إن أراد بكم سوءا ولا يمنعكم منه إن أحلّ بكم عقوبتَه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمَآ أَنتُم بِمُعۡجِزِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِي ٱلسَّمَآءِۖ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٖ} (22)

{ وما أنتم بمعجزين } ربكم عن إدراككم . { في الأرض ولا في السماء } إن فررتم من قضائه بالتواري في الأرض أو الهبوط في مهاويها ، والتحصن { في السماء } أو القلاع الذاهبة فيها وقيل ولا من في السماء كقول حسان :

أمن يهجو رسول الله منكم *** ويمدحه وينصره سواء

{ وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير } يحرسكم عن بلاء يظهر من الأرض أو ينزل من السماء ويدفعه عنكم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَآ أَنتُم بِمُعۡجِزِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِي ٱلسَّمَآءِۖ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٖ} (22)

ثم أخبر أن إليه المنقلب وأن البشر ليس بمعجز ولا مفلت { في الأرض ولا في السماء } ، ويحتمل أن يريد ب { السماء } الهواء علواً أي ليس للإنسان حيلة صعد أو نزل حكى نحوه الزهراوي ويحتمل أن يريد { السماء } المعروفة أي لستم { بمعجزين في الأرض ولا } ولو كنتم { في السماء } ، وقال ابن زيد معناه ولا من في السماء معجز إن عصى ونظروه على هذا بقول حسان بن ثابت : [ الوافر ]

أمن يهجو رسول الله منا . . . ويمدحه وينصره سواء{[9233]}

والتأويل الأوسط أحسنها .

ونحوه قول الأعشى : [ الطويل ]

ولو كنت في جب ثمانين قامة . . . ولقيت أسباب السماء بسلم

ليعتورنك القول حتى تهزه . . . وتعلم أني لست عنك بمحرم{[9234]}

و «الولي » أخص من «النصير .


[9233]:البيت من قصيدته التي قالها يهجو بها أبا سفيان قبل فتح مكة، وقد روي: (فمن يهجو) في الديوان، وروي في ابن هشام، وأمالي المرتضى كما هنا: (أمن يهجو). والبيت من شواهد الفراء في معاني القرآن، قال: "وقوله تعالى: {وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء} يقول القائل: وكيف وصفهم أنهم لا يعجزون في الأرض ولا في السماء وليسوا من أهل السماء؟ فالمعنى والله أعلم: ما أنتم بمعجزين في الأرض، ولا من في السماء بمعجز، وهو من غامض العربية، للضمير الذي لم يظهر في الثاني، ومثله قول حسان: فمن يهجو... البيت ، أراد: ومن ينصره ويمدحه، فأضمر (من) وقد يقع في وهم السامع أن المدح والنصر لـ (من) هذه الظاهرة، ومثله في الكلام: أكرم من أتاك وأتى أباك"، "وأكرم من أتاك ولم يأت زيدا"، تريد : ومن لم يأت زيدا" 1هـ.
[9234]:البيتان من قصيدة له قالها يهجو عمير بن عبد الله بن المنذر بن عبدان حين جمع بينه وبين جهنام ليهاجيه، والرواية في الديوان: (لئن كنت في جب)، وهو جواب قسم في أبيات سابقة يحلف فيه بالراقصات من النياق في الطريق إلى منى، بأنه لو نزل في باطن الأرض إلى أشد الأعماق، ولو صعد في الفضاء، إلى أقصى ما يمكن فلن يفلت من هجائه. (واستدرجه القول) معناه: صيره إلى أن يدرج، يقال: استدرجه بمعنى: أدناه منه على التدريج فتدرج هو، ومنه قوله تبارك وتعالى: {سنستدرجهم من حيث لا يعلمون}، والشاعر يريد هنا أنه سيأخذه قليلا قليلا من حيث لا يحتسب. وفي رواية: "ليعتورنك القول" بمعنى: ليأخذنك من كل جانب ويتداولك، و (حتى تهره) أي: حتى تكرهه، ويمكن أن يكون (تهره) بالضم من الهرار، يقال: هر يهر هرارا: أطلقه من بطنه حتى مات. و (لست بملجم) أي: ليس في فمي لجام يمنعني من هجائك، بل أنا قادر على ذلك متمكن منه، والشاهد أن الشاعر استعمل السماء هنا بمعنى الهواء أو الفضاء العالي حين قال له: لئن اختفيت في الأرض أو صعدت في السماء فلن تفلت من هجائي.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَآ أَنتُم بِمُعۡجِزِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِي ٱلسَّمَآءِۖ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٖ} (22)

عطف على جملة { وإليه تقلبون } [ العنكبوت : 21 ] باعتبار ما تضمنته من الوعيد .

والمعجز حقيقته : هو الذي يجعل غيره عاجزاً عن فعل ما ، وهو هنا مجاز في الغلبة والانفلات من المكنة ، وقد تقدم عند قوله تعالى { إن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين } في سورة [ الأنعام : 134 ] .

فالمعنى : وما أنتم بمُفْلَتين من العذاب . ومفعول ( معجزين ) محذوف للعلم به ، أي بمعجزين الله .

ويتعلق قوله { في الأرض } { بمعجزين } ، أي ليس لكم انفلات في الأرض ، أي لا تجدون موئلاً ينجيكم من قدرتنا عليكم في مكان من الأرض سهلها وجبلها ، وبدْوِها وحضرها .

وعطف { ولا في السماء } على { في الأرض } احتراس وتأييس من الطمع في النجاة وإن كانوا لا مطمع لهم في الالتحاق بالسماء . وهذا كقول الأعشى :

فلو كنتَ في جبّ ثمانين قامة *** ورُقِّيت أسبابَ السماء بسلّم

ومنه قوله تعالى { لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض } [ سبأ : 22 ] ، ولم تقع مثل هذه الزيادة في آية سورة [ الشورى : 30 ، 31 ] { ويعفو عن كثير وما أنتم بمعجزين في الأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير } لأن تلك الآية جمعت خطاباً للمسلمين والمشركين بقوله { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير } [ الشورى : 30 ] إذ العفو عن المسلمين . وما هنا من المبالغة المفروضة وهي من المبالغة المقبولة كما في قول أبي بن سُلْمي الضبي :

ولو طار ذو حافر قبلها *** لطارت ولكنه لم يطر

وهي أظهر في قوله تعالى { يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا } [ الرحمن : 33 ] . وفي هذه إشارة إلى إبطال اغترارهم بتأخير الوعيد الذي تُوعدوه في الدنيا .

ولما آيسهم من الانفلات بأنفسهم في جميع الأمكنة أعقبه بتأييسهم من الانفلات من الوعيد بسعي غيرهم لهم من أولياء يتوسطون في دفع العذاب عنهم بنحو السعاية أو الشفاعة ، أو من نصراء يدافعون عنهم بالمغالبة والقوة .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَمَآ أَنتُم بِمُعۡجِزِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِي ٱلسَّمَآءِۖ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٖ} (22)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وما أنتم بمعجزين} يعني: كفار مكة بمعجزين، يعني: بسابقين الله عز وجل فتفوتوه، {في الأرض} كنتم، {ولا في السماء}، كنتم أينما كنتم حتى يجزيكم بأعمالكم السيئة، {وما لكم من دون الله من ولي} يعني: من قريب لينفعكم، {ولا نصير} يعني: ولا مانع يمنعكم من الله عز وجل.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وأما قوله:"وَما أنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأرْضِ وَلا فِي السّماءِ" فإن ابن زيد قال في ذلك...: لا يُعجزه أهل الأرضين في الأرضين ولا أهل السموات في السموات إن عصوه، وقرأ: "مثقالُ ذَرّةٍ في السّموات ولا فِي الأرض، وَلا أصْغَرُ مِنْ ذلكَ ولا أكْبَرُ إلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ"...

وقوله: "وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ وَليّ وَلا نَصِيرٍ "يقول: وما كان لكم أيها الناس من دون الله من وليّ يلي أموركم، ولا نصير ينصركم من الله إن أراد بكم سوءا ولا يمنعكم منه إن أحلّ بكم عقوبتَه.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{وما أنتم بمعجزين في الأرض} هم يعلمون؛ أعني الكفرة، أنهم لا يعجزون الله، ولا يقدرون على إعجازه، لكنه يذكر أنهم كانوا يعملون عمل من هو معجز فائت عن عذاب الله ونقمته، وهو كقوله: {والذين سعوا في آياتنا معاجزين} [الحج: 51] هم يعلمون أنهم لا يقدرون أن يسعوا في آياته معاجزين، لكنهم يسعون في دفع آياته والإنكار لها سعي معاجز لها لا سعي خاضع قابل. فعلى ذلك الأول...

{وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير} أي مالكم من دون الله ما طمعتم من النصر لكم والشفاعة، وليس لكم. ذلك لأنهم عبدوا تلك الأصنام لما طمعوا شفاعتها عند الله لهم والزلفى بقوله تعالى: {واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا} {كلا} [مريم: 81 و: 82]...فيقول: ما لكم مما طمعتم بعبادتكم تلك الأصنام من ولي ولا نصير.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

الولي هو الذي يتولى المعونة بنفسه، والنصير قد يدفع المكروه عن غيره تارة بنفسه وتارة بأن يأمر بذلك.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ} ربكم أي لا تفوتونه إن هربتم من حكمه وقضائه {فِي الأرض} الفسيحة {وَلاَ فِي السماء} التي هي أفسح منها وأبسط لو كنتم فيها، كقوله تعالى: {إِنِ استطعتم أَن تَنفُذُواْ مِنْ أقطار السموات والأرض فانفذوا} [الرحمن: 33]، وقيل: ولا من في السماء...

ويحتمل أن يراد: لا تعجزونه كيفما هبطتم في مهاوي الأرض وأعماقها، أو علوتم في البروج والقلاع الذاهبة في السماء، كقوله تعالى: {وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ} [النساء: 78] أو لا تعجزون أمره الجاري في السماء والأرض أن يجري عليكم، فيصيبكم ببلاء يظهر من الأرض أو ينزل من السماء "ومالكم من دون الله من ولي ولا نصير".

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

وفي تفسير هذه الآية لطائف؛

إحداها: هي إعجاز المعذب عن التعذيب إما بالهرب منه أو الثبات له والمقاومة معه للدفع، وذكر الله القسمين فقال: {وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء} يعني بالهرب لو صعدتم إلى محل السماك في السماء أو هبطتم إلى موضع السموك في الماء لا تخرجون من قبضة قدرة الله، فلا مطمع في الإعجاز بالهرب، وأما بالثبات فكذلك لأن الإعجاز إما أن يكون بالاستناد إلى ركن شديد يشفع ولا يمكن للمعذب مخالفته فيفوته المعذب ويعجز عنه، أو بالانتصار بقوم يقوم معه بالدفع وكلاهما محال، فإنكم مالكم من دون الله ولي يشفع ولا نصير يدفع فلا إعجاز لا بالهروب ولا بالثبات.

الثانية: قال: {وما أنتم بمعجزين} ولم يقل لا تعجزون بصيغة الفعل، وذلك لأن نفي الفعل لا يدل على نفي الصلاحية، فإن من قال إن فلانا لا يخيط لا يدل على ما يدل عليه قوله إنه ليس بخياط.

الثالثة: قدم الأرض على السماء، والولي على النصير، لأن هربهم الممكن في الأرض، فإن كان يقع منهم هرب يكون في الأرض، ثم إن فرضنا لهم قدرة غير ذلك فيكون لهم صعود في السماء، وأما الدفع فإن العاقل ما أمكنه الدفع بأجمل الطرق فلا يرتقي إلى غيره، والشفاعة أجمل. ولأن ما من أحد في الشاهد إلا ويكون له شفيع يتكلم في حقه عند ملك ولا يكون كل أحد له ناصر يعادي الملك لأجله.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما لم يبق للقدرة على إعادتهم مانع يدعى إلا ممانعتهم منها، أبطلها على تقدير ادعائهم لها فقال: {وما أنتم} أي أجمعون العرب وغيرهم {بمعجزين} أي بواقع إعجازكم في بعثكم وتعذيبكم {في الأرض} كيفما تقلبتم في ظاهرها وباطنها. ولما كان الكلام هنا له أتم نظر إلى ما بعد البعث، وكانت الأحوال هناك خارجة عما يستقل به العقل، وكان أثر القدرة أتم وأكمل، وأهم وأشمل، وكان بعض الأرواح يكون في السماء بعد الموت قال: {ولا في السماء} أي لو فرض انكم وصلتم إليها بعد الموت بالحشر أو قبله، لأن الكل بعض ملكه، فكيف يعجزه من في ملكه، ويمكن أن يكون له نظر إلى قصة نمرود في بنائه الصرح الذي أراد به التوصل إلى السماء لا سيما والآيات مكتنفة بقصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام من قبلها ومن بعدها. ولما أخبرهم أنهم مقدور عليهم، وكان ربما بقي احتمال أن غيرهم ينصرهم، صرح بنفيه فقال: {وما لكم} أي أجمعين أنتم وغيركم أيها المحشورون، وأشار إلى سفول رتبة كل ما سواه بقوله: {من دون الله} أي الذي هو أعظم من كل عظيم؛ وأكد النفي بإثبات الجار فقال: {من ولي} أي قريب يحميكم لأجل القرابة {ولا نصير} لشيء غير ذلك لأنه لا كفوء له.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ليس لكم من قوة في هذا الوجود تمتنعون بها من الانقلاب إلى الله. لا من قوتكم في الأرض، ولا من قوة ما تعبدونه أحيانا من الملائكة والجن وتحسبون له قوة في السماء.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

لم ينف عنهم الفعل حتى لا نتوهم إمكانية حدوثه منهم، فالهرب والافلات من لقاء الله في الآخرة أمر غير وارد على الذهن أصلا، إنما نفى عنهم الوصف من أساسه {وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء}... وهكذا نفى عنهم القدرة على الإعجاز، ونفى عنهم الولي والنصير، لكن ذكر {من دون الله} يعني: من الممكن أن يكون لهم ولي ونصير من الله تعالى، فإن أرادوا الولي الحق والنصير الحق فليؤمنوا بي، فأنا وليهم وأنا نصيرهم. وكأنه سبحانه يقول لهم: إن تبتم ورجعتم عما كنتم فيه من الكفر واعتذرتم عما كان منكم، فأنا وليكم وأنا نصيركم. وفي موضع آخر قال: {وما لكم من ناصرين} [العنكبوت 25] ولم يقل من دون الله؛ لأن الموقف في الآخرة، والآخرة لا توبة فيها ولا اعتذار ولا رجوع، فقوله {من دون الله} لا تكون إلا في الدنيا.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

وإكمالا لهذا البحث الذي يبيّن أن الرحمة والعذاب هما بيد الله والمعاد إليه، يضيف القرآن: إذا كنتم تتصورون أنّكم تستطيعون أن تهربوا من سلطان الله وحكومته ولا يمسّكم عذابه، فأنتم في خطأ كبير... فليس الأمر كذلك! (وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء).

وإذا كنتم تتصورون أنّكم تجدون من يدافع عنكم وينصركم هناك، فهذا خطأ محضٌ أيضاً (وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير).

وفي الحقيقة، فإنّ الفرار من قبضة الله وعذابه، إمّا بأن تخرجوا من حكومته، وإمّا بأن تعتمدوا مع بقائكم في حكومته على قدرة الآخرين لتدافعوا عن أنفسكم، فلا الخروج ممكن، لأنّ البلاد كلّها له وعالم الوجود كلّه ملكه الواسع، ولا يوجد أحد يستطيع أن يقف أمام قدرته وينهض للدفاع عنكم.

يبقى هنا سؤالان:

أوّلا: مع الالتفات إلى هذه الحقيقة، وهي أن مقصود الآية هو في الكفار والمشركين، وهم سكنة الأرض، فما معنى قوله تعالى: (ولا في السماء) وأي مفهوم له هنا؟!

وينبغي أن يقال في الجواب، أن هذا التعبير هو نوع من التأكيد والمبالغة، أي إنكم لا تستطيعون أن تخرجوا من قدرة الله وسلطانه في هذه الأرض، ولا في السماوات، إذ حتى لو فرضنا أنّكم تستطيعون أن تصعدوا في السماء، فمازلتم تحت قدرته و سلطانه.

أو إنّه: لا تستطيعون أن تعجزوا الله في مشيئته بواسطة من في الأرض، ولا بواسطة من تعبدون في السماوات، من أمثال الملائكة والجن (والتّفسير الأوّل أكثر مناسبة طبعاً)