{ وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأرض وَلاَ فِي السماء } والخطاب مع الآدميين وهم ليسوا في السماء ، قال الفراء{[41246]} معناه : ولا من في السماء بمعجز ( أنْ عَصَى ){[41247]} كقول حَسَّانَ :
4028 - فَمَنْ يَهْجُو رسولَ اللَّهِ مِنْكُمْ *** ويَمْدحُهُ ويَنْصُرُهُ سَوَاءُ{[41248]}
أراد : ومن يمدحه وينصره ، فأضمر «مَن » يريد لا يعجز أهل الأرض في الأرض ، ولا أهل السماء في السماء يعني ( على ){[41249]} أن { من في السموات } عطف على «أنتم » بتقدير : أن يعصي ، قال الفراء : وهو من غوامض العربية{[41250]} . قال شهاب الدين : وهذا على أصله ، حيث يجوز حذف الموصول الاسميّ ، ويبقى صفته{[41251]} .
قال قطرب{[41252]} : ما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء لو كنتم{[41253]} فيها ، كقول القائل : ( لا ) يفوتني فلان هاهنا ولا في البصرة أي ولا بالبصرة لو كان بها كقوله تعالى { إِنِ استطعتم أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ السماوات والأرض }{[41254]} ، أي على تقدير أن يكونوا فيها ، وأبعد من ذلك من قدره موصولين{[41255]} محذوفين ؛ أي ){[41256]} وما أنتم بمعجزين من في الأرض من الجن والإنس ، ولا من في السماء من الملائكة فكيف تعجزون خالقها ( و ) على قول الجمهور يكون المفعول محذوفاً أي وما أنتم بمعجزين أي فائتين ما يريد{[41257]} الله بكم .
اعلم أن إعجاز المعذَّب عن التعذيب إما بالهرب منه ، أو بالثبات ومدافعته فذكر الله تعالى القسمين فقال : { وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء } ، يعني بالهرب لو صعدتم إلى السماء ، أو هربتم إلى تُخُوم الأرض ( لم ){[41258]} تخرجوا من قبضة قدرة الله - عزّ وجلّ - ، فلا مطمع في الإعجاز بالهرب ، وأما بالثبات فكذلك لأن الإعجاز بالثبات إما أن يكون بالاستناد{[41259]} إلى ركن شديد يشفع ، ولا يمكن المعذب مخالفته فيفوته المعذب ، ويعجز عنه أو بالانتصار بقويّ يدافعه ، وكلاهما محال فلهذا قال : { وما لكم من دون الله من ولي } يشفع { ولا نصير } يدفع . فإن قيل : ما الحكمة في قوله : { وما أنتم بمعجزين } ولم يقل : «ولا تعجزون » بصيغة الفعل ؟ .
فالجواب : لأن نفي الفعل لا يدل على نفي الصلاحية فإن من قال : إن فلاناً لا يخيط لا يدل على ما يدل عليه أنه ليس بخائط ، وقدم «الأرض » على «السماء » ، و «الولي » على «النصير » ؛ لأن هربهم الممكن في الأرض ، فإن كان يقع منهم هرب فإنه يكون في الأرض ، ثم إن فرضنا لهم قدرة غير ذلك فيصعدون في السماء وأما الدفع فإن العاقل متى أمكنه الدفع فأجمل الطرق فيه الشفاعة{[41260]} ، لأن ما من أحد في الشاهد إلا ويكون له شفيع يتكلم في حقه عند ملك ، وليس لكل أحد ناصر يعادي الملك فلذلك{[41261]} قدم الأرض على السماء ، والولي على النَّصِير{[41262]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.