السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَمَآ أَنتُم بِمُعۡجِزِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِي ٱلسَّمَآءِۖ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٖ} (22)

{ وما أنتم بمعجزين } ربكم عن إدراككم { في الأرض } كيف انقلبتم في ظاهرها وباطنها واختلف في معنى قوله تعالى : { ولا في السماء } لأنّ الخطاب مع الآدميين وهم ليسوا في السماء فقال الفراء معناه : ولا مَنْ في السماء بمعجز إن عصى كقول حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه :

فمن يهجو رسول الله منكم *** ويمدحه وينصره سواء

أراد ومن يمدحه وينصره فأضمر ( من ) يريد أنه لا يعجز أهل الأرض من في الأرض ولا أهل السماء من في السماء فالمعنى أنّ من في السماء عطف بتقدير إن يعصى وقال الفراء : وهذا من غوامض العربية ، وقال قُطْرب : وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء لو كنتم فيها كقول القائل : ما يفوتني فلان هنا ولا في البصرة أي : ولا في البصرة لو كان بها وكقوله تعالى : { إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض } ( الرحمان : 33 ) أي : على تقدير إن تكونوا فيها .

وقال ابن عادل : وأبعد من ذلك من قدر موصولين محذوفين ، أي : وما أنتم بمعجزين مَنْ في الأرض من الجنّ والأنس ولا مَنْ في السماء من الملائكة فكيف تعجزون خالقهما ، وعلى قول الجمهور يكون المفعول محذوفاً أي : وما أنتم بمعجزين أي : فائتين ما يريد الله تعالى ، وقال البقاعي : ويمكن أن يكون له نظر إلى قصة نمروذ وبنائه الصرح الذي أراد به التوصل إلى السماء لاسيما والآيات مكتنفة بقصة إبراهيم عليه السلام من قبلها ومن بعدها . ولما أخبرهم بأنهم مقدور عليهم وكان ربما يتوهم أن غيرهم ينصرهم صرح بنفيه في قوله تعالى { ومالكم } أي : أجمعين وأشار إلى سفول رتبة كل من سواه بقوله تعالى : { من دون الله } أي : غيره وأكد النفي بإثبات الجار بقوله { من ولي } أي : قريب يحميكم لأجل القرابة { ولا نصير } ينصركم من عذابه .