الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَمَآ أَنتُم بِمُعۡجِزِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِي ٱلسَّمَآءِۖ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٖ} (22)

ثم قال : { وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء } أي : وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا أهل السماء بمعجزين في السماء ، أي : ليس يفوت الله أحد . وقيل : المعنى : وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء لو كنتم فيها {[54433]} .

وقال المبرد {[54434]} : التقدير : ولا من في السماء ، على أن تكون ( من ) نكرة ، وفي السماء من نعتها ، ثم أقام النعت مقام المنعوت {[54435]} .

وقد رد عليه هذا/ القول علي بن سليمان {[54436]} ، وقال : لا يجوز لأن ( من ) إذا كانت نكرة فلا بد من صفتها ، فصفتها كالصلة ، ولا يجوز حذف الموصول وترك الصلة . والمعنى عنده : أن الناس خوطبوا بما يعقلون ومن في السماء الوصول إليه أبعد وأما المعنى : وما أنتم بمعجزين في الأرض ، ولو كنتم في السماء ما أعجزتم ، ومثله : { أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة } {[54437]} {[54438]} .

فالمعنى : لا تعجزونا هربا ولو كنتم في السماء .

قال ابن زيد : معناه : لا يعجزه تعالى ذكره أهل الأرض في الأرض ولا أهل السماء في السماء إن عصوه {[54439]} ، فالتقدير على هذا : وما أنتم بمعجزين الله في الأرض ولا من في السماء بمعجزي الله . على حذف ( من ) مرة واحدة ، كما قال : { وما منا إلا له مقام معلوم } {[54440]} أي : إلا من له مقام .

وقيل : المعنى : وما أنتم معجزين من في الأرض من الملائكة ولا من في السماء منهم ، على إضمار ( من ) في الموضعين ، وهو بعيد .

ثم قال تعالى : { وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير } أي : ليس يمنعكم من عذاب الله ولي ولا نصير ينصركم إن أراد بكم سوءا .


[54433]:معزو إلى قطرب. انظر: الجامع للقرطبي 13/337، وفتح القدير 4/198.
[54434]:هو أبو العباس محمد بن يزيد بن علي الأكبر الثمالي الأزدي النحوي، الأديب المعروف بالمبرد توفي بالكوفة سنة 285، وقيل 286. انظر: نزهة الألباء 217، 79، وإنباء الرواة 3/ 241، (735)، وبغية الوعاة 269، (503) والفهرست 93
[54435]:انظر: إعراب النحاس 3/ 253، والجامع للقرطبي 13/337.
[54436]:هو أبو الحسن علي ابن سليمان بن الفضل أبو الحسن المشهور بالأخفش الصغير،نحوي روى عن ثعلب وابن المبارك وغيرهما، وروى عنه المرزباني وأبو الفرج المعافى الحريري وغيرهما. انظر: نزهة الألباء 248، 92، وإنباء الرواة 2/ 276، 460، ووفيات الأعيان3/ 301، وبغية الوعاة 2/167، 1709.
[54437]:النساء: 77
[54438]:انظر: إعراب النحاس 3/253، والجامع للقرطبي 13/337، وفتح القدير 4/198
[54439]:انظر: جامع البيان 20/ 139
[54440]:الصافات: 164