جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{وَمَآ أَنتُم بِمُعۡجِزِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِي ٱلسَّمَآءِۖ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٖ} (22)

وأما قوله : وَما أنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأرْضِ وَلا فِي السّماءِ فإن ابن زيد قال في ذلك ما :

حدثني يونس ، قال : أخبرن ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله وَما أنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأرْضِ وَلا فِي السّماءِ قال : لا يُعجزه أهل الأرضين في الأرضين ولا أهل السموات في السموات إن عصوه ، وقرأ : مثقالُ ذَرّةٍ في السّموات ولا فِي الأرض ، وَلا أصْغَرُ مِنْ ذلكَ ولا أكْبَرُ إلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ .

وقال في ذلك بعض أهل العربية من أهل البصرة : وما أنتم بمعجزين من في الأرض ولا من في السماء مُعْجِزِينَ قال : وهو من غامض العربية للضمير الذي لم يظهر في الثاني . قال : ومثله قول حسان بن ثابت :

أمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللّهِ مِنْكُمْ *** ويَمْدَحُهُ وَيَنْصُرُهُ سَوَاءُ ؟

أراد : ومن ينصره ويمدحه ، فأضمر «مَنْ » . قال : وقد يقع في وهم السامع أن النصر والمدح لمَنْ هذه الظاهرة ومثله في الكلام : أكرمْ من أتاك وأتى أباك ، وأكرم من أتاك ولم يأت زيدا . تريد : ومن لم يأت زيدا ، فيكتفي باختلاف الأفعال من إعادة مَنْ ، كأنه قال : أمَن يهجو ، ومن يمدحه ، ومن ينصره . ومنه قول الله عزّ وجلّ : وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ باللّيْل وَسارِبٌ بالنّهارِ وهذا القول أصحّ عندي في المعنى من القول الاَخر ، ولو قال قائل : معناه : ولا أنتم بمعجزين في الأرض ، ولا أنتم لو كنتم في السماء بمعجزين كان مذهبا .

وقوله : وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ وَليّ وَلا نَصِيرٍ يقول : وما كان لكم أيها الناس من دون الله من وليّ يلي أموركم ، ولا نصير ينصركم من الله إن أراد بكم سوءا ولا يمنعكم منه إن أحلّ بكم عقوبتَه .