{ قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ } الذي يحصل به عقابكم ، لا تستفيدون به شيئًا ، فلو كان إذا حصل ، حصل إمهالكم ، لتستدركوا ما فاتكم ، حين صار الأمر عندكم يقينًا ، لكان لذلك وجه ، ولكن إذا جاء يوم الفتح ، انقضى الأمر ، ولم يبق للمحنة محل ف { لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ } لأنه صار إيمان ضرورة ، { وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ } أي : يمهلون ، فيؤخر عنهم العذاب ، فيستدركون أمرهم .
وهنا يأمر الله - تعالى - نبيه صلى الله عليه وسلم - أن يرد عليهم بما يخرسهم فيقول : { قُلْ يَوْمَ الفتح لاَ يَنفَعُ الذين كفروا إِيَمَانُهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } . . أى : قل - أيها الرسول - فى الرد على هؤلاء الجاهلين المغرورين : إن يوم الفصل بيننا وبينكم قريب ، وهو آت لا محالة فى الوقت الذى يحدده الله - تعالى - ويختاره ، سواء أكان هذا اليوم فى الدنيا ، عندما تموتون على الكفر ، أم فى الآخرة عندما يحل بكم العذاب ، ولا ينفعكم إيمانكم ، ولا أنتم تمهلون أو تنظرون ، بل سينزل بكم العذاب سريعاً وبدون مهلة .
وقوله : قُلْ يَوْمَ الفَتْحِ يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد لهم يوم الحكم ، ومجيء العذاب : لا ينفع من كفر بالله وبآياته إيمانهم الذي يحدثونه في ذلك الوقت . كما :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله قُلْ يَوْمَ الفَتْحِ لا يَنْفَعُ الّذِينَ كَفَرُوا إيمَانُهُمْ قال : يوم الفتح إذا جاء العذاب .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد يَوْمَ الفَتْحِ يوم القيامة . ونصب اليوم في قوله قُلْ يَوْمَ الفَتْحِ ردّا على متى ، وذلك أن «متى » في موضع نصب . ومعنى الكلام : أني حينُ هذا الفتح إن كنتم صادقين ، ثم قيل يوم كذا ، وبه قرأ القرّاء .
وقوله : وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ يقول : ولا هم يؤخرون للتوبة والمراجعة .
{ قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون } وهو يوم القيامة فإنه يوم نصر المؤمنين على الكفرة والفصل بينهم . وقيل يوم بدر أو يوم فتح مكة ، والمراد بالذين كفروا المقتولون منهم فيه فإنهم لا ينفعهم إيمانهم حال القتل ولا يمهلون وانطباقه جوابا على سؤالهم من حيث المعنى باعتبار ما عرف من غرضهم ، فإنهم لما أرادوا به الاستعجال تكذيبا واستهزاء أجيبوا بما يمنع الاستعجال .
فأمر الله الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يجيبهم على طريقة الأسلوب الحكيم بأن يومَ الفتح الحق هو يوم القيامة وهو يوم الفصل وحينئذ ينقطع أملَ الكفار في النجاة والاستفادة من الندامة والتوبة ولا يجدون إنظاراً لتدارك ما فاتهم ، أي إفادتُهم هذه الموعظة خير لهم من تطلبهم معرفة وقت حلول يوم الفتح لأنهم يقولون يومئذ { ربنا أبصَرْنا وسمِعْنا فارجعنا نعملْ صالحاً إنّا موقنون } [ السجدة : 12 ] مع ما في هذا الجواب من الإيماء إلى أن زمن حلوله غير معلوم للناس وأنه مما استأثر الله به فعلى من يحتاط لنجاة نفسه أن يعمل له من الآن فإنه لا يدري متى يحلّ به { لا ينفعُ نفساً إيمانُها لم تكن ءامنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً } [ الأنعام : 158 ] .
ففي هذا الجواب سلوك الأسلوب الحكيم من وجهين : من وجه العدول عن تعيين يوم الفتح ، ومن وجه العدول بهم إلى يوم الفتح الحق ، وهم إنما أرادوا بالفتح نصر المسلمين عليهم في الحياة الدنيا .
وإظهار وصف { الذين كفروا في مقام الإضمار مع أنهم هم القائلون متى هذا الفتح } لقصد التسجيل عليهم بأن كفرهم هو سبب خيبتهم .
ثم فرع على جميع هذه المجادلات والدلالات توجيه الله خطابه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يعرض عن هؤلاء القائلين المكذبين وأن لا يزيد في الإلحاح عليهم تأييساً من إيمان المجادلين منهم المتصدّين للتمويه على دهمائهم . وهذا إعراض متاركة عن الجدال وقتياً لا إعراض مستمر ، ولا عن الدعوة إلى الله ولا علاقة له بأحكام الجهاد المشروع في غير هذه الآية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.