وبعد هذا الحديث الطويل المؤكد بالقسم ، والدال على وحدانيته ، وبديع صنعه . أتبع ذلك ببيان ما حل بالمكذبين السابقين ، ليكون هذا البيان عبرة وعظة للمشركين المعاصرين للنبى ، فقال - تعالى - : { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ . إِذِ انبعث أَشْقَاهَا . فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ الله نَاقَةَ الله وَسُقْيَاهَا . فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا . وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا } .
والمراد بثمود : تلك القبيلة التى أرسل الله - تعالى - إلى أهلها صالحا - عليه السلام - لكى يأمرهم بإخلاص العبادة لله وحده . ومفعول " كذبت " محذوف للعلم به .
والباء فى قوله " بطغواها " للسببية ، والطَّغْوَى : اسم مصدر من الطغيان ، وهو مجاوزة الحد المعتاد .
أى : كذبت قبيلة ثمود - نبيهم صالحا - عليه السلام بسبب طغيانهم وإفراطهم فى الجحود والتكبر والعناد : وقيل : إن الباء للتعدية ، والطغوى : اسم للعذاب الذى نزل به ، والذى توعدهم به نبيهم .
أى : كذبت ثمود بعذابها ، الذى توعدهم رسولهم به ، إذا استمروا فى كفرهم وطغيانهم .
وقوله : كَذّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاها يقول : كذّبت ثمود بطغيانها ، يعني : بعذابها الذي وعدهموه صالح عليه السلام ، فكان ذلك العذاب طاغيا طغى عليهم ، كما قال جلّ ثناؤه : فأمّا ثَمُودُ فأُهْلِكُوا بالطّاغيَة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، وإن كان فيه اختلاف بين أهل التأويل . ذكر من قال القول الذي قلنا في ذلك :
حدثني سعيد بن عمرو السّكونيّ ، قال : حدثنا الوليد بن سَلَمة الفِلَسْطِينيّ ، قال : ثني يزيد بن سمرة المَذحِجيّ عن عطاء الخُراسانيّ ، عن ابن عباس ، في قول الله : كَذّبَتْ ثَمُودُ بطَغْوَاها قال : اسم العذاب الذي جاءها ، الطّغْوَى ، فقال : كذّبت ثمود بعذابها .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة كَذّبَتْ ثَمُودُ بطَغْوَاها : أي بالطغيان .
وقال آخرون : كذّبت ثمود بمعصيتهم الله . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد كَذّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاها قال : معصيتها .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : كَذّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاها قال : بطغيانهم وبمعصيتهم .
وقال آخرون : بل معنى ذلك بأجمعها . ذكر من قال ذلك :
28979حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يحيى بن أيوب وابن لَهِيعة ، عن عُمارة بن غزية ، عن محمدبن رفاعة القُرَظِيّ ، عن محمد بن كعب ، أنه قال : كَذّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاها قال : بأجمعها .
حدثني ابن عبد الرحيم الَبْرِقيّ ، قال : حدثنا ابن أبي مَرْيم ، قال : أخبرني يحيى بن أيوب ، قال : ثني عُمارة بن غزية ، عن محمد بن رفاعة القُرَظِيّ ، عن محمد بن كعب ، مثله .
وقيل طَغْوَاها بمعنى : طغيانهم ، وهما مصدران ، للتوفيق بين رؤوس الاَي ، إذ كانت الّطْغَوى أشبه بسائر رؤوس الاَيات في هذه السورة ، وذلك نظير قوله : وآخِرُ دَعْوَاهُمْ بمعنى : وآخر دعائهم .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ كذبت ثمود بطغواها } يعني الطغيان والشقاء حملها [ ثمود ] على التكذيب ، لأنه طغى عليهم الشقاء مرتين ، مرة بما كذبوا الله عز وجل ، وعموا عن الإيمان به ، والأخرى عقروا الناقة...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
كذّبت ثمود بطغيانها ، يعني : بعذابها الذي وعدهموه صالح عليه السلام ، فكان ذلك العذاب طاغيا طغى عليهم ، كما قال جلّ ثناؤه : "فأمّا ثَمُودُ فأُهْلِكُوا بالطّاغيَة" ... عن ابن عباس ، في قول الله : "كَذّبَتْ ثَمُودُ بطَغْوَاها" قال : اسم العذاب الذي جاءها ، الطّغْوَى ، فقال : كذّبت ثمود بعذابها ...
وقال آخرون : كذّبت ثمود بمعصيتهم الله ...
وقال آخرون : بل معنى ذلك بأجمعها ...
وقيل "طَغْوَاها" بمعنى : طغيانهم ...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
ولم يبين لمن كذبوا ، وقد بينه في آية أخرى ، فقال : { كذبت ثمود المرسلين } [ الشعراء : 14 ] .
وقوله تعالى : { بطغواها } يحتمل وجهين :
أحدهما لأجل معصيتهم وطغيانهم ؛ إذ الحامل لهم على التكذيب طغيانهم وتركهم التفكر في أمره ، وإلا لو تفكروا في ما جاءهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجدوا موضع التكذيب .
والثاني : بأهل طغواها ، أي كذبت ثمود بسبب أهل الطغيان ، فيكون في هذه الآية أنهم لم يكذبوا رسولهم بشبهة اعترضت لهم أو بحجة كانت لهم ، بل كذبوه عن عناد منهم وتيقن برسالته ؛ وذلك أن نبيهم صالحا عليه السلام جاوزته الحجج ، لأنهم أوتوا الناقة على سؤال سبق منهم وعلى تعد منهم في السؤال على شيء يشيرون إليه ؛ فهم بإشارتهم إلى سؤال الناقة كانوا معتدين فيه .
ثم من حكمة الله أن الحجة إذا كانت على إثر السؤال ، ثم ظهر التكذيب من السائلين ، هي الاستئصال في الدنيا ، وقد وجد من أولئك القوم السؤال والتكذيب ، فعوقبوا بالاستئصال . قال الله تعالى : { وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة } [ الإسراء : 59 ] فبين الله تعالى المعنى الذي لم يرسل الآيات التي سألت الكفرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أنهم لما أوتوا ، ثم عندوا ، استؤصلوا ؛ فقد أراد الله تعالى إبقاء أمته إلى أن تقوم الساعة ، وأرسله رحمة للعالمين ، وجعل حجته من وجه فيها رحمة للعالمين...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
بعد ذلك يعرض نموذجا من نماذج الخيبة التي ينتهي إليها من يدسي نفسه ، فيحجبها عن الهدى ويدنسها . ممثلا هذا النموذج فيما أصاب ثمود من غضب ونكال وهلاك ...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
قدمت هذه الآيات مصداقاً تاريخياً واضحاً لهذه السنّة الإلهية ، وتحدثت عن مصير قوم «ثمود » بعبارات قصيرة قاطعة ذات مدلول عميق . «الطغوى » و«الطغيان » بمعنى واحد وهو تجاوز الحد ، وفي الآية تجاوز الحدود الإلهية والعصيان أمام أوامره . «قوم ثمود » من أقدم الأقوام التي سكنت منطقة جبلية بين «الحجاز » و«الشام » . كانت لهم حياة رغدة مرفهة ، وأرض خصبة ، وقصور فخمة ، غير أنّهم لم يؤدوا شكر هذه النعم ، بل طغوا وكذبوا نبيّهم صالحاً ، واستهزأوا بآيات اللّه ، فكان عاقبة أمرهم أن أبيدوا بصاعقة سماوية . ...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.