{ 40 ، 41 } { قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ }
يقول تعالى لرسوله : { قُلْ } للمشركين بالله ، العادلين به غيره : { أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أي : إذا حصلت هذه المشقات ، وهذه الكروب ، التي يضطر إلى دفعها ، هل تدعون آلهتكم وأصنامكم ، أم تدعون ربكم الملك الحق المبين .
ثم بين - سبحانه - أن هؤلاء المشركين عند ما تحيط بهم المصائب والأهوال لا يتوجهون بالضراعة والدعاء إلا إلى الله ، وأنهم مع ذلك لا يخصونه بالعبادة كما يخصونه بالدعاء لكشف الضر ، فقال - تعالى - : { قُلْ أَرَأَيْتَكُم إِنْ . . . . } .
{ أَرَأَيْتَكُم } المقصود به أخبرونى ، وكلمة أرأيت فى القرآن تستعمل للتنبيه والحث على الرؤية والتأمل ، فهو استفهام للتنبيه مؤداه : أرأيت كذا فإن لم تكن رأيته فانظره وتأمله .
والمعنى : قل - يا محمد - لهؤلاء المشركين : أخبرونى عن حالكم عندما يداهمكم عذاب الله الدنيوى كزلزال مدمر ، أو ريح صر صر عاتية ، أو تفاجئكم الساعة بأهوالها وشدائدها ألستم فى هذه الأحوال تلتجئون إلى الله وحده وتنسون آلهتكم الباطلة ، لأن الفطرة حينئذ هى التى تنطق على ألسنتكم بدون شعور منكم ؟ وما دام الأمر كذلك فلماذا تشركون مع الله آلهة أخرى ؟ إن أحوالكم هذه لتدعو إلى الدهشة والغرابة ، لأنكم تلجأون إليه وحده عند الشدائد والكروب ومع ذلك تعبدون غيره ومن لا يملك ضرا ولا نفعا .
والاستفهام فى قوله - تعالى - : { أَغَيْرَ الله تَدْعُونَ } للتوبيخ والتقريع والتعجب من حالهم .
وجواب الشرط محذوف ، والتقدير : إن كنتم صادقين فى أن الأصنام تنفعكم فادعوها .
القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ أَوْ أَتَتْكُمْ السّاعَةُ أَغَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } . .
اختلف أهل العربية في معنى قوله : أرأيْتَكُمْ فقال بعض نحويّي البصرة : الكاف التي بعد التاء من قوله : أرأيْتَكُمْ إنما جاءت للمخاطبة ، وتركت التاء مفتوحة كما كانت للواحد ، قال : وهي مثل كاف رُوَيدك زيدا ، إذا قلت : أرود زيدا ، هذه الكاف ليس لها موضع مسمى بحرف لا رفع نصب ، وإنما هي في المخاطبة مثل كاف ذاك ، ومثل ذلك قول العرب : أبصرك زيدا ، يدخلون الكاف للمخاطبة .
وقال آخرون منهم : معنى : أرأيْتَكُمْ إنْ أتاكُمْ أرأيتم ، قال : وهذه الكاف تدخل للمخاطبة مع التوكيد ، والتاء وحدها هي الاسم ، كما أدخلت الكاف التي تفرّق بين الواحد والاثنين والجميع في المخاطبة كقولهم : هذا ، وذاك ، وتلك ، وأولئك ، فتدخل الكاف للمخاطبة وليست باسم ، والتاء هو الاسم للواحد والجميع ، تُرِكَتْ على حال واحدة ، ومثل ذلك قولهم : ليسك ثم إلاّ زيد ، يراد : ليس ولا سِيّك زيد ، فيراد : ولا سيما زيد ، وبلاك ، فيراد بلى ، في معنى : ولبئسك رجلاً ولنعمك رجلاً وقالوا : انظرك زيدا ما أصنع به ، وأبصرك ما أصنع به ، بمعنى أبصرُه . وحكى بعضهم : أبصركم ما أصنع به ، يراد : أبصروا ، وانظركم زيدا : أي انظروا . وحكي عن بعض بني كلاب : أتعلمك كان أحد أشعر من ذي الرمة ؟ فأدخل الكاف . وقال بعض نحوّيي الكوفة : أرأيتك عمرا أكثرُ الكلام ، فيه ترك الهمز . قال : والكاف من أرأيتك في موضع نصب ، كأن الأصل : أرأيت نفسك على غير هذه الحال ؟ قال : فهذا يثنى ويجمع ويؤنث ، فيقال : أرأيتما كما وأرأيتموكم وأرَيْتُنّكُنّ أوقع فعله على نفسه ، وسأله عنها ، ثم كثر به الكلام حتى تركوا التاء موحدة للتذكير والتأنيث والتثنية والجمع ، فقالوا : أرأيتكم زيدا ما صنع ، وأرأيتكن زيدا ما صنع ، فوحدوا التاء وثّنُوا الكاف وجمعوها فجعلوها بدلاً من التاء ، كما قال : هاؤُمُ اقْرَءُوا كِتابِيَهْ وهاءَ يا رجل ، وهاؤُما ، ثم قالوا : هاكم ، اكتفى بالكاف والميم مما كان يثنى ويجمع ، فكأن الكاف في موضع رفع إذ كانت بدلاً من التاء ، وربما وحدت للتثنية والجمع والتذكير والتأنيث ، وهي كقول القائل : عليك زيدا ، الكاف في موضع خفض ، والتأويل رفع . فأما ما يجلب فأكثر ما يقع على الأسماء ، ثم تأتي بالاستفهام ، فيقال : أرأيتك زيدا هل قام ، لأنها صارت بمعنى : أخبرني عن زيد ، ثم بين عما يستخبر ، فهذا أكثر الكلام ، ولم يأت الاستفهام ثنيها ، لم يقل : أرأيتك هل قمت ، لأنهم أرادوا أن يبينوا عمن يسأل ، ثم تبين الحالة التي يسأل عنها ، وربما جاء بالخير ولم يأت بالاسم ، فقالوا : أرأيت زيدا هل يأتينا ، وأرأيتك أيضا ، وأرأيت زيدا إن أتيته هل يأتينا إذا كانت بمعنى أخبرني ، فيقال باللغات الثلاث .
وتأويل الكلام : قل يا محمد لهؤلاء العادلين بالله الأوثان والأصنام ، أخبروني إن جاءكم أيها القوم عذاب الله ، كالذي جاء من قبلكم من الأمم الذين هلك بعضهم بالرجفة ، وبعضهم بالصاعقة ، أو جاءتكم الساعة التي تنشرون فيها من قبوركم وتبعثون لموفق القيامة ، أغير الله هناك تدعون لكشف ما نزل بكم من البلاء أو إلى غيره من آلهتكم تفزعون لينجيكم مما نزل بكم من عظيم البلاء إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ يقول : إن كنتم محقّين في دعواكم وزعمكم أن آلهتكم تدعونها من دون الله تنفع أو تضرّ .
{ قل أرأيتكم } استفهام تعجيب ، والكاف حرف خطاب أكد به الضمير للتأكيد لا محل له من الإعراب لأنك تقول : أرأيتك زيدا ما شأنه فلو جعلت الكاف مفعولا كما قاله الكوفيون لعديت الفعل إلى ثلاثة مفاعيل ، وللزم في الآية أن يقال : أرأيتموكم بل الفعل معلق أو المفعول محذوف تقديره : أرأيتكم آلهتكم تنفعكم . إذ تدعونها . وقرأ نافع أرأيتكم وأرأيت وأرأيتم وأفرأيتم وأفرأيت وشبهها إذا كان قبل الراء همزة بتسهيل الهمزة التي بعد الراء ، والكسائي يحذفها أصلا ، والباقون يحققونها وحمزة إذا وقف وافق نافعا . { إن أتاكم عذاب الله } كما أتى من قبلكم . { أو أتتكم الساعة } وهو لها ويدل عليه . { أغير الله تدعون } وهو تبكيت لهم . { إن كنتم صادقين } أن الأصنام آلهة وجوابه محذوف أي فادعوه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.